أزمة غذائية لم تشهدها
تشاد منذ نحو نصف قرن، تخيّم بشبحها، على مناطق الشمال الشرقي للبلاد.
مجاعة قد تعصف بالأمن الغذائي لأكثر من مليوني ساكن بهذه المناطق ممّن يجدون أنفسهم مجبرين على تقاسم محاصيلهم الزراعية الضئيلة مع أفواج الباحثين عن
الذهب في هذه المناطق.
فعلاوة على الجفاف الذي أتى على آمالهم وقلّص محاصيلهم إلى حدود الـ 400 ألف طن من الحبوب مقابل 950 ألفا في العام الماضي، وفقا للأرقام الرسمية، بات الذهب، هذا المعدن الثمين البرّاق، مصدرا لمعاناتهم، و"نقمة" أخمدت مشاعر الأمان بداخلهم.
ثقل ديمغرافي إضافي يمثّله الباحثون بنهم عن الذهب في تلك المناطق التي يعاني سكّانها أصلا من تواضع احتياطاتهم الغذائية، ما فاقم أزمة تنذر بتحوّلها إلى مجاعة، بما أنّ هؤلاء السكان يجدون أنفسهم مضطرين لتقاسم غذائهم مع هؤلاء الغرباء، وهذا ما يقلّص بشكل فادح من نصيب كلّ واحد منهم.
وبحسب تقرير حكومي صدر مؤخرا عن "البرنامج الوطني للأمن الغذائي في تشاد"، فإنّ أكثر من 20 ألف شخص ينزحون، شهريا، نحو وسط وشمال شرقي البلاد، بحثا عن مواقع الذهب.
وأضاف التقرير، أنّ نحو 700 ألف منقّب عن الذهب يعيشون، اليوم، مع السكان الأصليين في تلك المناطق، والمقدّر عددهم إجمالا بنحو مليوني نسمة (أي 18 % من إجمالي السكان في البلاد)، في وقت تشير فيه تقارير أممية إلى أنّ هؤلاء السكان يعانون من "انعدام الأمن الغذائي".
ووفقا للسلطات التشادية، فإنّ تدفّق المنقبين المصابين بحمى الحصول على الذهب، على مناطق الشمال الشرقي للبلاد، أضحى مصدر قلق كبير بالنسبة للسكان الأصليين.
محافظ القسم الإداري لبحيرة "فيتري"، هارون تشونغ تشونغ، قال، تعقيبا على الموضوع، في اتصال هاتفي مع الأناضول، إنّ "سكان قرية بحيرة فيتري الواقعة في منطقة البطحاء (وسط) يخشون حدوث الأسوأ، ويعتقدون أنّ الحبوب التي توفّرها أراضيهم ستنفذ بحلول شهر آذار/مارس المقبل، جراء تدفّق أعداد كبيرة من المنقبين عن الذهب عليها، في ظلّ عدم وجود مخزون كاف، وفي حال لم تتدخّل
الحكومة بشكل عاجل لدعم أسعار الدخن والمنتجات الأساسية في المنطقة".
ووفقا للمصدر نفسه، فإنّ "بعض السكان يقومون حاليا بزراعة بعض الغراسات السقوية في محيط البحيرة، لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الغذاء"، لافتا إلى أنّ "هؤلاء الناس يلاقون صعوبات في ذلك بسبب عدم وجود المساحات اللازمة لذلك، والتي سيطر عليها المنقّبون عن الذهب القادمون من جميع أرجاء البلاد".
تقرير "البرنامج الوطني للأمن الغذائي في تشاد" ذكر أيضا أن عام 2015 شهد انهيارا للمحاصيل الزراعية، وهذا ما فاقم انعدام الأمن الغذائي للسكان". أزمة تجلّت من خلال تراجع محاصيل الحبوب من 950 ألف طن في 2014 إلى 400 ألف طن في العام الماضي، وذلك في العديد من مناطق البلاد، مثل البطحاء وغويرا وحجر لميس وغيرها.
وبما أنّ أسعار المواد الغذائية تحتكم إلى قانون العرض والطلب في الأسواق، فقد كان من البديهي أن ترتفع الأسعار في استجابة لتراجع العرض مع تنامي الطلب، حيث تضاعفت أسعار بعض المواد الأساسية مثل الذرة والدخن.
تشونغ تشونغ عاد ليحذّر من أنّ "
المجاعة ستتسبّب هذا العام في أضرار بشرية وصحية بالمنطقة، لأننا لا نسيطر على الوضع، ولا نمتلك خطة طوارئ لمواجهة الأزمة بشكل فعّال".
وبالنسبة لمحمد حجار، نائب مدير المكتب التشادي للتنمية الزراعية التابع لوزارة الزراعة، فقال إنه "من المنتظر أن يقع، في أقرب الآجال، إنشاء خلية للأزمة، لاتخاذ التدابير المناسبة"، دون تقديم المزيد من الإيضاحات بشأن الموارد المتاحة فعلا للحكومة التشادية لإدارة هذه الأزمة.
من جانبه، رأى المختص الاقتصادي التشادي ألوي دجيغيديم، أنّ "الحكومة التشادية تمتلك بالفعل الهياكل الملائمة والمناسبة لإدارة فعّالة لهذا النوع من الأزمات الغذائية"، دون توضيح وتحديد "الهياكل" التي تحدث عنها، لافتا إلى أنه "ينبغي، مع ذلك أن الأولويات بهذا الخصوص ينبغي أن تكون موضع نظر بشكل عاجل ودون تردّد".
ويتابع الخبير: "يتعيّن على الحكومة اعتماد سياسة إنقاذ غذائي، من المنتظر أن تقودها لجنة مختارة انطلاقا من العاصمة نجامينا، لتوزيع الموارد الزراعية المتاحة في البلاد، مع الأخذ بعين الاعتبار العامل الديمغرافي ومعدّل الإنتاج لكل منطقة، لمساعدة المحتاجين"، لافتا إلى أنّ الحكومة تمتلك الخبرة الكافية في هذا الصدد، بما أنه "سبق وأن واجهت حالات مماثلة في الماضي".
وفي مرحلة موالية، أوصى المختص الاقتصادي بأن تضطلع هذه اللجنة الحكومية بمساعدة البلاد على الاستثمار في الزراعات السقوية لتلبية الاحتياجات العاجلة من المواد الغذائية وتزويد الأسواق في المناطق المتضررة.