نشرت صحيفة لوبوان الفرنسية تقريرا؛ قالت فيه إن السياسيين سارعوا للاحتفال بما اعتبروه نجاحات في مواجهة
تنظيم الدولة في
سوريا والعراق، ولكن الخبراء العسكريين يؤكدون أن التنظيم، رغم ما تعرض له من ضغط، قام بانسحابات تكتيكية دون أن يؤثر ذلك على قوته.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن وزراء الدفاع السبعة في الدول الأعضاء في التحالف ضد الإرهاب، وهي فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وهولندا وإيطاليا وأستراليا، خلال اجتماعهم يوم الأربعاء في باريس، عبروا عن ارتياحهم للتقدم الذي حققته الضربات الجوية التي تدعم تحرك القوات البرية للجيش
العراقي والبشمركة الأكراد، في مواجهة قوات تنظيم الدولة.
ومن أوضح نتائج هذه العمليات العسكرية، فقدان التنظيم سيطرته على سنجار والرمادي، بعد أن ظل يسيطر عليهما منذ عدة أشهر، ولكن الصحيفة حذرت من أن هذه الانتصارات الجزئية لا تصنع انتصارا حقيقيا ولم تؤثر على قدرات التنظيم، فأغلب الخبراء العسكريين يحذرون من التسرع وإعلان الانتصار مبكرا، وهو ما حذرت منه مجموعة من الصحفيين الذين زاروا مركز القيادة "تامبا" في فلوريدا، الذي يراقب عن بعد كل أنشطة
التحالف الدولي في الشرق الأوسط.
وذكر التقرير أن المسؤولين العسكريين الغربيين صدموا بقدرات تنظيم الدولة على التأقلم وتجنب الضربات، حيث إنه منذ حوالي 18 شهرا خسر حوالي 25 في المئة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، ولكنه عزز من وجوده في المدن التي يركز عليها، وتمترس بشكل قوي خاصة في الموصل والرقة، كما أنه غير من تكتيكاته لتتماشى مع الخطر الجديد المتمثل في الضربات الجوية، التي يمكن أن تستهدف مواقع مقاتليه في أي مكان وزمان.
وذكرت الصحيفة كمثال على ذلك، أن تحركات مقاتلي التنظيم، وخاصة القياديين منهم، أصبحت تتم بطريقة غامضة وسرية، بلغت درجة من التعقيد يصعب معها كشفها، بعد أن قام التنظيم بسرعة ببناء سلسلة من الأنفاق التي لا يمكن اكتشافها أو ضربها من طائرات المراقبة والطائرات دون طيار.
كما ذكر التقرير أن مقاتلي تنظيم الدولة نجحوا بدورهم في الاستحواذ على طائرات دون طيار أو شرائها، وهم يسعون أيضا إلى تسليح هذه الطائرات أو تحويلها إلى قنابل طائرة لاستعمالها في عمليات تفجيرية، والأخطر أن التنظيم وضع يده على كميات من غاز الكلور وغاز الخردل التي تركتها قوات بشار الأسد وراءها.
وبحسب الصحيفة، تشير أغلب التقارير الميدانية إلى أن التنظيم قام بالفعل بتجربة محدودة حول استعمال هذه الغازات، والمسؤولون الأمريكيون بدورهم لا يستبعدون فكرة استعمال التنظيم لهذه الأسلحة الكيميائية لشن عمليات إرهابية، رغم أن تخزينها ونقلها أمر معقد وصعب جدا.
وأضافت الصحيفة أن هذا التباين، بين تفاؤل رجال السياسة وحذر الخبراء العسكريين، ليس نقطة الاختلاف الوحيدة بين الطرفين، حيث عبّر المتابعون للوضع الميداني في مركز قيادة العمليات في فلوريدا؛ عن استغرابهم مما أدلى به مؤخرا الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطاب الاتحاد، بعد أن استمعوا إليه وهو يتحدث عن أن الإرهاب يمكن أن يحدث أضرارا محدودة، ولكنه لا يمثل تهديدا حقيقيا على الولايات المتحدة، متناسيا أن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 يمكن أن تحدث مرة أخرى.
كما اعتبر هؤلاء القادة العسكريون أن خطاب أوباما سيجعل التنظيم يشعر أن الولايات المتحدة ليست جادة في القضاء عليه، بل هي تسعى فقط للنأي بنفسها عن هذا الخطر، وهو ما يجعلها في وضع دفاعي وليس هجوميا، وهي استراتيجية يسميها خبراء الجغرافيا السياسية باستراتيجية الاحتواء، التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة.
وحذرت الصحيفة من أن هذه الاستراتيجية السلبية التي تعتمدها الولايات المتحدة، ترسل إشارات سلبية لحلفائها في الميدان، خاصة الجيش العراقي وقوات البيشمركة، والقبائل السنية التي اختارت الوقوف مع التحالف الدولي ضد التطرف والإرهاب، والتي تضحي بنفسها في الصفوف الأولى في هذه المعركة، بينما تكتفي القوات الأمريكية بإسداء التوجيهات وتقديم التدريب والمراقبة عبر طائرات الاستطلاع عن بعد.
وقالت الصحيفة إن حالة التشاؤم التي ظهرت على القادة الميدانيين الذين يتابعون الأوضاع مباشرة في الشرق الأوسط، تنبئ بأن القضاء على تنظيم الدولة قد يستغرق عشرات السنين، إذا لم يقم المجتمع الدولي بتحرك واسع النطاق وميداني لحسم هذه الحرب، وهو أمر من المنتظر أن يحسم فيه الرئيس الأمريكي المقبل.