طرح
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ثلاثة سيناريوهات لمستقبل العلاقات التركية ـ
الإسرائيلية، معتبرا أن حصار غزة والعلاقات مع
حماس هي مفتاح حل الخلاف بين الطرفين، مشددا على أن التطبيع التام بين البلدين، أو تنازل أحد الطرفين للآخر، أو انهيار المباحثات، أمور غير متوقعة ومستبعدة.
ودعا المركز في (تقدير إستراتيجي: مستقبل العلاقات التركية – "الإسرائيلية")، إلى تعزيز الموقف التركي بشأن رفع
الحصار عن غزة، وبما يمنع من تفريغ هذا الموقف من محتواه، وتحسين العلاقات الفلسطينية التركية، بما يقوي الوضع التركي في مواجهة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية.
وقال المركز إن هذه الورقة لا ترى سيناريوهات مثل تطبيع العلاقات بين الطرفين بتقديم أحدهما تنازلا كاملا للآخر (كسر تام للحصار، أو تخل كامل عن هذا الشرط)، أو تأزم العلاقات بين الجانبين بشكل كبير يصل لدرجة انهيار المباحثات تماماً وعدم العودة إليها مطلقاً، أو بقاء الحال كما هو عليه بلا أفق للحل بين الطرفين، لا ترى أنها سيناريوهات وافرة الحظ عمليا.
وبخصوص السيناريو الأول، قال التقدير إن "بلورة اتفاق ما بين الطرفين: يجسر الهوة بينهما ويعيد العلاقات الديبلوماسية إلى سابق عهدها، وهو السيناريو المرجح برأينا (إذا ما بقيت البيئة الإقليمية والدولية على حالها)، بغض النظر عن تحققه قريبا أو على المدى المتوسط".
وتابع: "وفق هذا السيناريو، سيستطيع الوفدان المختصان من الطرفين الاتفاق على حل وسط بين كسر الحصار التام أو التخلي عنه بشكل كامل، لا يمس خطوط "إسرائيل" الحمراء المتعلقة باستفادة قوى المقاومة الفلسطينية من كسر الحصار، ولكن أيضا لا يحرم
تركيا تماما من تسويقه على أنه "كسر" أو "تخفيف" للحصار المفروض على القطاع منذ سنوات".
وأضاف التقدير أن "هذا الحل الوسط قد يكون ممرا بحريا تركيا أو عالميا نحو قطاع غزة لإدخال المواد الأساسية (برقابة دولية)، أو "وضع خاص" يعطى للسفن ومؤسسات المجتمع المدني التركية للدخول إلى غزة، فضلا عن تسهيل إعادة الإعمار، وهو ما يعني أن الاتفاق سيكون مرضيا عنه مصريا في الحد الأدنى، أو سيكون ضمن اتفاق إقليمي أوسع (يشمل تحسن العلاقات التركية – المصرية) في الحد الأقصى".
وأوضح أن "هذا السيناريو لا يعني بالضرورة عودة العلاقات التركية – الإسرائيلية إلى حالة التحالف الإستراتيجي التي عرفها الجانبان في تسعينيات القرن الماضي، لأن حجم المتغيرات على طرفي المعادلة كبير جدا، فلا تركيا اليوم هي تركيا الأمس ولا حاجتها لـ"إسرائيل" هي الحاجة نفسها، ولا يمكن تصور عودة التعاون الاستخباري ـ مثلاـ بين الطرفين لحالة التبعية التي كانت تعاني منها تركيا سابقا".
وسجل أن "الأرجح، في هذا السياق، هو عودة التمثيل الديبلوماسي وتطور العلاقات الاقتصادية في قطاعي التجارة البينية والسياحة، والتعاون تحت أطر المنظمات الدولية، وخصوصا حلف الناتو، في القضايا ذات الاهتمام المشترك، لكن باحتفاظ كل طرف برؤيته وأولوياته بل وهواجسه من الطرف الآخر".
وتوقع المركز أن لا ينعكس هذا السيناريو بشكل كارثي على الطرف الفلسطيني، وخصوصا حركة حماس، فالعلاقة بين تركيا والحركة ليست مبنية بشكل كامل على الخلاف التركي ـ الإسرائيلي، ولذلك فليس من المتوقع أن تتبدل بنسبة 180 درجة لدى عودة العلاقات".
وأكد أن "العلاقات التركية ـ الفلسطينية والتركية ـ "الحمساوية" تسير وفق أطر ومحددات عدة، منها التاريخي والسياسي والديني والمبدئي والمصلحي، ولا يمكن لها أن تنقلب رأسا على عقب بمجرد عودة العلاقات بين الطرفين".
ويرى المركز أن السيناريو الثاني، يتمثل في "فشل المحادثات بين الجانبين، ما يعني انتظار تطورات محلية/أو إقليمية تعيد فتح الملف وتجلس الطرفين إلى الطاولة مرة أخرى في محاولة جديدة للتقارب، قد تكون أوفر حظا من الجولة الحالية".
وأفاد أن "هذا السيناريو الأقل حظا من سابقه، يعني أن العوامل المحفزة الكثيرة التي سبق ذكرها لم تكن كافية لتجاوز الجانبين العقبات الماثلة في الطريق، أو أن المهددات المشتركة لم تسعفهما لجسر أزمة الثقة بينهما، أو أن المشهد الداخلي على طرفي المعادلة ما زال أقوى من المحفزات الإقليمية".
ومضى يقول: "وعليه، سيبقى الوضع، وفق هذا السيناريو، كما هو عليه الآن، استعداد مبدئي من الجانبين للتصالح، وإرادة متبادلة بإنهاء القطيعة، وشروط تركية ماثلة وإن بدت اليوم أكثر مرونة من ذي قبل، وتشوف إسرائيلي لأي حل يمكن تسويقه في الداخل على أنه لم "يكسر" الحصار عن "القطاع المتمرد" الذي يؤوي "المخربين".
وسجل أن فشل هذه الجولة لا يعني أن الجانبين سيعودان لنقطة الصفر مرة أخرى، فالسياقات المذكورة آنفا، إضافة لاتفاق الطرفين على النقاط المتعلقة بهما ـ حصار غزة يخص طرفا ثالثا في نهاية المطاف ـ حتى الآن، فضلا عن ثبات بل وتطور عدد من المخاطر المشتركة، كلها عوامل تعني أن التعاون في الحد الأدنى بينهما سيظل قائماً بغض النظر عن التمثيل الديبلوماسي بينهما، دون أن ننسى أن العلاقات الاقتصادية في نمو مستمر ويتوقع أن تزداد سرعة نموها بعد الأجواء الإيجابية التي عكسها الطرفان.
واعتبر تقدير المركز أن "تأجيل إبرام الاتفاق بسبب فشل هذه الجولة من المباحثات لا يعني أيضا بالضرورة أن تجاوز أنقرة لبعض الخطوط والسقوف في علاقاتها الفلسطينية و(الحمساوية) سيستمر بالشكل نفسه والوتيرة نفسها، ولا أن (الامتيازات) التي حصلت عليها حماس تحديدا غير قابلة للتراجع".
وأوضح أن "رغبة الطرفين في تحسين العلاقات تتطلب إجراءات بناء ثقة من الجانبين، وقد يمس ذلك العلاقة مع حماس لتدفع فواتير بعض هذه الإجراءات بالنسبة للطرف التركي، فضلا عن أن العلاقة مع الأخيرة تستجلب ضغوطا على أنقرة من حلفائها الآخرين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، دون أن نغفل أن بعض هذه (الإجراءات) قد تم بالفعل على مدى الشهور السابقة إما كمبادرة من طرف حماس أو على شكل (رجاء) وتنسيق بين أنقرة والحركة، ومن ذلك مغادرة بعض قياداتها الأراضي التركية بعيد انتخابات حزيران/ يونيو 2015".