أطاحت أزمة
الدولار في
مصر، ببعض
السلع المدعمة، خاصة الأرز، من البقالات
التموينية، التي يتوافد عليها فقراء مصر للحصول على المواد الغذائية المقررة لهم من خلال البطاقة الذكية الخضراء، الأمر الذي أثار غضب البسطاء، ودفعهم للتسائل: أين الأرز؟
ولم تكن الأزمة قد بدأت خلال الأيام الجارية فقط، لكنها ترجع إلى الأسابيع الماضية التي شهدت نقصا حادا في السلع المستوردة "زيت طهي الطعام ـ الأرز" بسبب شح الدولار الذي يصعب على المستوردين الحكوميين توفير إمدادات منتظمة لجلب تلك السلع تلبية لحوائج المواطنين.
وفي الوقت الذي يعتمد عشرات الملايين المصرين على الدعم الذي تقدمه الحكومة المصرية، ضرب نقص السلع عددا من المحافظات مثل "الإسكندرية ـ المنيا ـ أسيوط ـ قنا ـ أسوان".
تقول اعتماد حسن، ربة منزل، إن معظم الشعب المصري فقير بطبعه، يشتكي ضعف الإمكانات المادية، في الوقت الذي تشهد فيه الجمهورية ارتفاع الأسعار إلى عنان السماء، حيث إننا عندما نتساءل "البدالين التموينيين" عن السلع؟ يجيبنا: "مفيش غير السكر هو دا اللي الحكومة موفرهولكم وجايز يوفرهولكم الباقي قريب".
في المقابل، تشهد السوق السوداء ارتفاعا ملحوظا في جميع السلع والخضروات والفواكهة، مع ضعف دخول المواطنين، وارتفاع حجم البطالة، الأمر الذي ينذر باندلاع ثورة غضب على الحكومة.
وتضيف حسن: "توفير السلع المدعمة ملف شائك وقضية حساسة، خاصة مع شعب يعيش يوما بيوم"، منوهة إلى أن غياب تلك السلع الأساسية، وتردي الأوضاع الاقتصادية بالبلاد أثار حفيظة المواطنين، مشيرة إلى أن حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي، فشلت في حماية البسطاء من تداعيات أزمة الدولار.
وتشير فتحية محمود، ربة منزل، إلى أن السلع التي اختفت من بقالات التموين موجودة بالفعل لدى المتاجر العادية غير المشتركة في برنامج البطاقات الذكية الذي تتولاه وزارة التموين، لكن لم يتمكن الفقراء من التكيف مع ارتفاعها، حيث إنها ليست في متناول الكثيرين من الشعب المصري.
وتطالب مديحة الشوربجي، إحدى المتضررات، الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس مجلس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل، ووزير التموين المصري، خالد حنفي، بضرورة توفير السلع المدعمة رأفة بالفقراء الذين لا يملكون قوت يومهم.
في المقابل، يقول صاحب كشك بأحد أحياء القاهرة، إن الأرز المحلي لدينا كان سعره لا يتجاوز الـ3.25 للكيلو، لكن للأسف شحت الكميات، ولم يتوافر لدينا منها، حيث كان يتوافد عليها مئات المواطنين الفقراء، نظرا لتناسب أسعارها وحالاتهم المادية.
وينوه صاحب الكشك إلى وجود نقص في الزيت، مؤكدا أن إمدادات الزيت غير مستقرة، فأحيانا يكون لديهم نقص في الأرز وأحيانا السكر، وفي بعض الأوقات الأصناف لا تنال رضا المواطنين لسوء حالته.
ويشير التجار إلى أنه رغم احتلال السلع الغذائية الضرورية مرتبة متقدمة على سلم الأولويات، إلا أن نقص العملة الصعبة زاد صعوبة الدفع الفوري على مدى العام الماضي لمستوردي الغذاء الحكوميين في مصر، منوها إلى أن نقص زيت الطهي كان هو الضرر البارز، لعزوف الموردين عن الصمود والمنافسة في المناقصات الحكومية.
ويلفتون إلى أن الدليل على عدم منافسة الموردين، قيام جهات الاستيراد الحكومية في مصر بإلغاء ثلاث مناقصات لشراء زيت الطهي في الأشهر الثلاثة الأخيرة فحسب، بعد عدم تلقي عروض كافية أو لأن الأسعار كانت بالغة الارتفاع.
ويستنكر محمود سلمان، تاجر، عدم رد وزارة التموين على التليفون حينما يطالبون بحقوقهم، حيث إنهم بحاجة إلى ملايين الدولارات والتأخيرات مكلفة بالنسبة لهم، منوها إلى أنه عليهم الآن أخذ تكلفة التأخيرات المتوقعة في الحسبان، خاصة تزامنا مع وضع الحكومة إجراءات قد يتأخر بموجبها الدفع لما يصل إلى ستة أشهر.
ويلفت سلمان إلى أن عدم وضوح سياسة الأرز أربك السوق المصرية، منوها إلى أن مصر حظرت تصدير الأرز في 2008، لكنها رفعت الحظر في تشرين الأول/أكتوبر بعد محصول وفير، علاوة على أن البلد طرح مناقصة لاستيراد الأرز الشهر الماضي تم ألغاؤها، في الوقت الذي تخلو فيه المخازن الحكومية من الأرز.
وقال وزير التموين، خالد حنفي، الخميس، إنه تجري إعادة بناء المخزونات في شركات الغذاء الحكومية بعشرات المنتجات التي ستتاح لحملة البطاقات الذكية في آذار/مارس.
ولم تكن المشكلة متعلقة بالأرز فحسب، لكنها لاحقت حصص الخبز، حيث تفاقمت مشكلات التموين أكثر من العاميين الماضيين، جراء التعديل الذي أجرته الحكومة في القواعد المتعلقة بحصص الخبز غير المشتراة.
يشار إلى أن معظم متاجر البقالة المشاركة تحصل على السلع من الشركة القابضة للصناعات الغذائية التي تديرها الدولة، لكن حتى بداية الشهر الجاري كانوا يحصلون على مقابل نقدي من وزارة التموين بما يعادل أي أرصدة خبز غير مبيعة، وكانوا يستخدمون تلك الأموال لشراء سلع أخرى في السوق المفتوحة لتلبية الطلب.
لكن صرف النقود توقف منذ أول شباط/فبراير، لتحصل المتاجر بدلا من ذلك على سلع من الشركة القابضة للصناعات الغذائية التي يقولون إنها عاجزة عن تلبية الطلب.
من جهته كان ماجد نادي، المتحدث باسم النقابة العامة للبقالين، قال إن الموضوع ليس موضوع زيت وسكر، لكننا كنا نشتري 100 سلعة والآن لا نجد عشرة أصناف، فأكثر من 50 بالمئة من مخازن التموين خاوية ولا توجد بها بضاعة.
وقال وزير التموين، خالد حنفي، إنه يجري توفير ألفي طن من الأرز و2500 طن من الزيت يوميا لإعادة بناء المخزونات، إضافة إلى سلع لم تشهد نقصا مثل المعكرونة والشاي والتونة المعلبة.
ولفت حنفي إلى إنه تجري إعادة بناء المخزونات في شركات الغذاء الحكومية بعشرات المنتجات التي ستتاح لحملة البطاقات الذكية في آذار/مارس.
واشترت الشركة القابضة للصناعات الغذائية 42 ألف طن من زيت نوار الشمس وزيت الصويا، الأربعاء، وهناك شحنة سابقة من المقرر وصولها بين العاشر والعشرين من شباط/فبراير.
وأيضا محمود دياب، المتحدث باسم وزارة التموين، كان قد أكد أن التغيير يهدف إلى خفض الأسعار لأن الشركة القابضة للصناعات الغذائية تستطيع إبرام صفقات ضخمة بأسعار اقتصادية يعجز تجار البقالة الأفراد عن إبرامها.
يذكر أنه يمكن استخدام البطاقات الذكية في شبكة من المتاجر التي تديرها الحكومة وفي 26 ألف متجر بقالة مملوك للقطاع الخاص وتعطي كل فرد بالأسرة رصيدا قدره 15 جنيها (دولاران) في الشهر، إضافة إلى خمسة أرغفة من الخبز يوميا من المخابز المشاركة، علاوة على أن وزارة التموين تتولى الإشراف على شبكة متاجر وأكشاك تتيح المواد الغذائية بأسعار مدعمة خارج نظام البطاقات الذكية.
وكافحت الحكومة المصرية لإنعاش اقتصادها منذ ثورة 25 يناير 2011 التي أدت إلى عزوف السياح والمستثمرين الأجانب، بالإضافة إلى تراجع الاحتياطيات الأجنبية أكثر من النصف، ناهيك عن أن الضغوط على البنك المركزي تصاعدت لخفض قيمة الجنيه لكنه قاوم ذلك خوفا من ارتفاع التضخم، الأمر الذي دفعه إلى فرض قيودا صارمة على الودائع الدولارية والتحويلات ما زاد صعوبة تخليص الشحنات.