نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للكاتبين إريكا سولومون وسايمون كير، قالا فيه إن
السعودية تشدد من حملة ضد
حزب الله، وكيل
إيران في المنطقة، بالضغط على الاقتصاد
اللبناني، مشيرين إلى أنه تحرك قد يؤدي إلى زعزعة استقرار بلد على الخط الأمامي في أشد صراعات المنطقة تأثرا.
ويقول الكاتبان إن "لبنان عانى كثيرا من التنافس الإقليمي بين إيران الشيعية والسعودية السنية، فهذا البلد المتعدد الطوائف هو مقر حزب الله، الذي يقاتل في سوريا بجانب قوات النظام، ولطالما دعمت السعودية القيادات السنية في لبنان".
ويضيف الكاتبان أن "هذا الضغط السعودي على لبنان يأتي بعد أن عانت السعودية من تراجع في سوريا، حيث يخسر الثوار، المدعومون من الخليج، مواقع عديدة، وفي اليمن فشلت الحملة السعودية في طرد الحوثيين الشيعة المتمردين من العاصمة".
ويشير التقرير إلى أن ما يقلق الدبلوماسيين الغربيين هو أن ضعف لبنان يزيد من الاضطرابات في المنطقة، حيث قال دبلوماسي في بيروت: "قد يزيد ذلك من الأزمة الإنسانية لأوروبا، ويوسع مساحة الميدان للمجموعات المتطرفة، ويؤدي إلى المزيد من الفوضى على الحدود مع إسرائيل، وذلك سيكون مأساة".
وتذكر الصحيفة أن السعودية قامت بوقف دفع مساعدات للبنان بقيمة 3 مليارات دولار، كما قام مجلس التعاون الخليجي بتصنيف حزب الله الأسبوع الماضي منظمة إرهابية، مشيرة إلى أن السعودية والإمارات وضعتا فروعا من حزب الله على قائمة المنظمات الإرهابية، لكنهما لم تفرضا عقوبات على الحزب في لبنان.
ويلفت الكاتبان إلى أن الرياض قامت بمقاطعة شركات وأشخاص بعينهم؛ بسبب علاقاتهم بحزب الله، ما قد يجعل الشركات الأخرى ورجال الأعمال يحجمون عن أي علاقة مع تلك الشركات أو رجال الأعمال، الأمر الذي قد يؤثر سلبا في رجال الأعمال الشيعة.
ويوضح التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن الدبلوماسيين الغربيين قلقون من أن تؤدي التحركات السعودية إلى زعزعة استقرار لبنان، على أمل أن تتسبب المصاعب الاقتصادية بخيبة أمل الشيعة اللبنانيين بحزب الله، وبالتالي إيران.
وتجد الصحيفة أن أي فوضى قد تزعزع بلدا لا يزال يتعافى من حرب أهلية دامت 15 عاما، وبلد تشبه فيه التوترات الطائفية تلك التي تغذي الحرب في الجارة سوريا، بالإضافة إلى أن القوى الجهادية، مثل تنظيم الدولة، لها مقاتلون متحصنون في الحدود اللبنانية الجبلية.
وينقل الكاتبان عن المسؤولين الخليجيين قولهم إن استهداف وكلاء إيران قد يتوسع خلال الأشهر المقبلة، في الوقت الذي تفكر فيه تلك البلدان بوضع المليشيات الشيعية التي تحارب في العراق مع الجيش العراقي على قائمة الإرهاب، مشيرين إلى أن مجلس التعاون الخليجي يقول إن التدخل الإيراني في العالم العربي يغذي الصراع الطائفي في المنطقة، مبينا أن وقفه سيوقف التجنيد لتنظيم الدولة وتنظيم القاعدة.
ويفيد التقرير أن زعيم حزب الله حسن نصر الله، انتقد التدخل السعودي في المنطقة، وقال عن هجومه الأسبوع الماضي على الرياض بأنه أعظم ما فعله في حياته، وأنه يشعر بأن ذلك كان هو الجهاد الحقيقي.
وتعلق الصحيفة بأن نصر الله يكون بذلك قد وضع الحرب مع الرياض في مكانة أهم من القضية الأساسية للحزب، وهي حرب إسرائيل، وهي إشارة مهمة إلى مدى ما وصلت إليه الحرب الباردة بين إيران والسعودية، فقبل عقد كان السنة والشيعة يضعون حزب الله في مكانة مهمة لمواجهته إسرائيل في حرب عام 2006.
ويورد الكاتبان أن المسؤولين اللبنانيين يرون أن الضغط الخليجي ناتج عن فشل لبنان في تصنيف حزب الله تنظيما إرهابيا، أو شجب الهجوم على السفارة السعودية في طهران، بعد أن قامت الرياض بإعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر.
وينوه التقرير إلى أن هناك قلقا متزايدا في لبنان من أن تبدأ دول مجلس التعاون الخليجي بطرد اللبنانيين العاملين فيها، بحسب الدبلوماسيين في بيروت، لافتا إلى أن الأموال التي يرسلها العاملون في الخارج تشكل خمس الناتج المحلي الإجمالي، ويأتي نصف هذا المبلغ من العاملين في الخليج، مبينا أن خسارة هذا المبلغ ستكون صفعة قوية لبلد يعيش فيها 4 ملايين نسمة، وتحاول استيعاب مليوني سوري.
وتنقل الصحيفة عن الاقتصادي كمال حمدان، قوله إن النقود المرسلة في العادة "تحول إلى البنوك، وهذا يزيد من الإيداعات، وتقوم البنوك بإدانة الحكومة، يعني هي دورة متكاملة"، وأضاف أن تناقص هذه المبالغ سيؤثر على إمكانيات الحكومة في تغطية العجز المالي، ونسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان تصل إلى 140%، وهذا يجعل لبنان واحدا من أكثر البلدان استدانة في العالم.
ويورد الكاتبان نقلا عن مستشار في أبو ظبي، قوله إن الإمارات، مع دول مجلس التعاون الخليجي، تفكر في طرد آلاف اللبنانيين المتهمين بتأييد حزب الله، في خطوة يقول الناقدون إنها قد تتحول إلى طرد للشيعة، وكانت الإمارات في الماضي قد قامت بمثل هذه التسفيرات، ويقول السياسيون اللبنانيون إن الإجراءات الخليجية تدفع بلبنان إلى حضن إيران، حيث يمكن أن تقوم الأخيرة بزيادة مساعداتها لبيروت.
ويستدرك التقرير بأنه من غير الواضح إن كانت إيران على استعداد لزيادة مساعداتها الاقتصادية للبنان، فبعد تحرر إيران من العقوبات الدولية، فإن الحكومة تعمل على إنعاش اقتصاد البلاد، وتحتاج لإبقاء علاقات قوية مع جارتها الأهم، العراق.
وتنقل الصحيفة عن المحلل ثيودور كاراسيك، من "غلف ستيت أناليتكس"، قوله إن مجلس التعاون الخليجي يعلم أن إجراءاته الأخيرة تؤثر في حلفائه المحليين، لكنه يأمل بالضغط على الزعامات السنية العنيدة التي فشلت إلى الآن في تشكيل جبهة قوية لمجابهة نفوذ حزب الله.
ويضيف كاراسيك: "هي مزيج من الدفع والسحب، وهي عبارة عن دعوة من مجلس التعاون الخليجي للفصائل التي تؤيده لأن ترتب أوراقها".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الناقدين يقولون إن هذا التحرك يحمل مخاطر على المدى الطويل، فقد يسعى اللبنانيون السنة للحصول على مؤيدين إقليميين جدد في المستقبل، ويقول دبلوماسي غربي: "إن السعوديين قد يستخفون بإمكانية تغلب الهوية الوطنية على الطائفية، ولن ينسى الناس أن السعودية كانت على استعداد لزعزعة استقرارهم".