فتحت رسالة وجهها مؤسس حزب "
مصر الحرية"، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، عمرو حمزاوي، عن حنينه الشديد للعودة من مهجره، وزيارة قبر والدته بمصر؛ ملف عشرات الحالات من المصريين المقيمين في الخارج، أو ممن يقبعون خلف قضبان السجون، الذين لا يتمكنون من زيارة آبائهم وأمهاتهم أحياء، أو مشاركاتهم في تشييع جنازاتهم، أو تلقي العزاء فيهم، أو حتى زيارة قبورهم أمواتا.
ويأتي ذلك نتيجة قيام سلطات الانقلاب بقيادة عبد الفتاح
السيسي، بإدراج أسمائهم على قوائم الاتهام في قضايا معظمها ملفق، حيث تمنعهم من العودة إلى مصر، وإلا تم اعتقالهم، لمجرد موقفهم المعارض للانقلاب الدموي.
بين جزع وأنين
بهذا العنوان، وجه الناشط السياسي عمرو حمزاوي، رسالة مؤثرة، تبادلها نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الأربعاء، ما أثار تعاطف الكثيرين معه، ودون أن يترتب عليها استجابة السلطات المصرية لرغبته في العودة إلى الوطن، بعد أن تم إدراج اسمه في قضية مثيرة للجدل حول التمويل الأجنبي، كما تم وضع اسمه أيضا بقوائم ترقب الوصول، لأجل اعتقاله.
وفي رسالته (مقال بجريدة "القدس العربي")، قال حمزاوي: "جزع شديد ينتابني، كلما استبدت برأسي الظنون، وتراءت لي إقامتي الحالية بعيدا عن مصر كأمر واقع لن يقبل التغيير قريبا".
وأضاف: "جزع شديد ينتابني، فقد غادرت مصر في حال يتقلب بين الخوف ومقاومته، أحن إلى أمي، أحن إلى زيارتها في قبرها. في صباح يوم الجمعة كان موعدنا الأسبوعي. في السيارة، تأتي عبر أثير إذاعة القرآن الكريم تلاوة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لسورة الكهف أو تلاوة أخرى للشيخ محمد صديق المنشاوي أو تلاوة ثالثة للشيخ محمود خليل الحصري".
وأردف: "تنتهي التلاوة، وأنا أمام القبر، أفتح الأبواب، أشرع في قراءة سورة الكهف، وسورة يس، وبعض قصار السور، أتذكر تفاصيل الحياة مع أمي، وصوتها الذي لا يفارقني أبدا، أفكر في أبي، وأدعو لهما بالرحمة، كما ربياني صغيرا، أعد أبي بسفر قريب إلى قبره في الصعيد، يعلق في ذهني دعاء: "اللهم آنسهما في وحشتهما"، أردده كثيرا".
وأضاف الناشط السياسي: "منذ غادرت مصر في صيف العام الماضي، وأنا أكثر من الاستماع إلى تسجيلات سورة الكهف بأصوات الشيوخ الثلاثة، وأحافظ على طقوس يوم الجمعة، وأخبر نفسي المرة تلو الأخرى أن الدعاء لأمي وأبي سيبلغهما من أي مكان.. غير أن الحنين إلى هذا المكان.. الحنين إلى الوجود في هذا المكان دون غيره يكاد يفتك بي".
واختتم مقاله بالقول: "لا قبل لي لا بتحمل الجزع إزاء احتمال استمرار الإقامة في الخارج، ولا بالسيطرة على الحنين إلى قبر أمي، وإلى الاقتراب ممن هم أهلي وناسي وأصدقائي وزملائي وطلبتي. لا رغبة لدي في سنوات ابتعاد جديدة. لا رغبة لدي في الحياة في هذه الجهة الأخرى من العالم. لا رغبة لدي في خوف ينتصر على مقاومتي له أو يلغي حبي للوطن، وإيماني بحقنا في العدل والحرية والمساواة".
وفاة والد باسم يوسف
ولم يتمكن الإعلامي الساخر باسم يوسف، من حضور تشييع جنازة والده، من الولايات المتحدة، التي يقيم بها، وأعلن نبأ الوفاة يوم السبت 23 أيار/ مايو 2015، عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي"تويتر".
وأوضح أن وفاة المستشار "رأفت يوسف"، جاءت، بعد تعرضه لحادث سير. فقال: "توفي إلى رحمة الله والدي المستشار رأفت يوسف إثر حادث سيارة. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".
وفي تغريدة أخرى، دعا يوسف، وسائل الإعلام، إلى عدم مضايقة أفراد عائلته، كما حدث في وفاة والدته، وهو ما التزم به الإعلاميون المصريون.
ووصف باسم حياة والده بأنها كاملة، وقال إن والده ووالدته فرحا بأبنائهما وأحفادهما، ولم يبتلوا بمرض أو عجز.
وأضاف أنهم "عاشوا حياة سعيدة ورحمهم الله من النهايات الطويلة المؤلمة المهينة التي تجعل الاستمرار في الحياة نقمة مش نعمة. أبويا النهاردة ما ماتش. أبويا عاش حياة حلوة".
ودعا باسم لوالديه بالرحمة قائلا: "الله يرحمك يا أبويا.. الله يرحمك يا أمي.. شلتوا همنا طول ما أنتم عايشين. وما شيلتوش حد همكم لما مشيتوا وسيبتونا".
وفاة والدة طارق الزمر
ومن قبل توفيت الحاجة آسية عبد المجيد الزمر، والدة رئيس حزب "البناء والتنمية"، الذراع السياسية لـ"الجماعة الإسلامية"، الدكتور طارق الزمر، وأقيم العزاء لها بعد صلاة الظهر من مسجد سيدي عمر العراقي بناهيا يوم 22 كانون الأول/ ديسمبر 2013.
وغادر طارق الزمر البلاد منذ أحداث الفض الدموي لاعتصام "رابعة العدوية" السلمي في 14 آب/ أغسطس 2013.
ونعى بيان للحزب "الراحلة الكريمة، التي أمضت حياتها في رحلة عطاء طويلة أدت فيها واجبها تجاه ابنها الدكتور طارق، وابن أختها وزوج ابنتها الشيخ عبود الزمر طيلة ثلاثين عاما أمضياها في السجون".
وفاة والد أيمن عزام
وتوفى والد المذيع بقناة "الجزيرة مباشر مصر"، الإعلامي أيمن عزام، يوم 6 حزيران/ يونيو 2014، في خلال وجود أيمن في قطر، دون أن يتمكن من المشاركة في تشييع جثمانه، بعد أن رفضت وزارة الداخلية المصرية حضوره، لذلك أقام صلاة الغائب على روح أبيه في الدوحة.
وكتب أيمن تدوينة على صفحته الشخصية بموقع "فيسبوك"، رثاء في أبيه، قائلا: "في الساعات الأولى من صباح هذا اليوم المبارك.. يوم الجمعة، تُوفي أحب، وأغلى الناس علي.. (أبي) وحبيبي ومعلمي إلى رحمة الله تعالى ورضوانه بإذن الله، طبت يا أبي ميتا بعفو الله ورحمته. كما عشت طيبا في فضل الله وجوده".
ووفاة والد محمود مراد
الأمر نفسه حدث مع المذيع بقناة "الجزيرة"، الإعلامي محمود مراد، إذ توفي والده في كانون الأول/ ديسمبر 2013، دون أن يتمكن من المشاركة في تشييع جنازته، أو تلقي العزاء فيه بمصر.
توفي آباؤهم وأمهاتهم وهم داخل السجون
ويتزامن مع الحالات السابقة، وأمثالها، حالة العشرات من المعتقلين في سجون الانقلاب، فضلا عن المطاردين، ممن لم يتمكن كل منهم من تلقي العزاء في والدته أو والده، أو أعز المقربين إليه.
ومن أبرز هذه الحالات، وفاة والدة المعتقل "حسن فرج"، بعد زيارتها له في محبسه، الأمر الذي أصابها بالحزن الشديد، الذي توفيت على إثره.
ولم يستطع نجلها المعتقل أن يتلقي واجب العزاء فيها بعد أن منعته قوات أمن الانقلاب من ذلك.
كما توفيت والدة المعتقل "زيد عبد الغني" أمام سجن طرة، من جراء دهس سيارة مسرعة لها، بعد انتهاء زيارتها لابنها المعتقل منذ 14 آب/ أغسطس 2013، ولم يستطع نجلها أيضا حضور جنازتها.
وتوفي والد "أيمن السيد رمضان أبو حشيش"، وهو مهندس زراعي، ومعتقل بسجن الفيوم العمومي "دمو"، حزنا على اعتقال نجله الوحيد.
وتوفيت فوزية عبد الغني أحمد، والدة يحيى محمد مسعود المعتقل بسجن مديرية أمن الانقلاب ببني سويف حزنا على اعتقال نجلها، وعقب مرورها بحالة نفسية سيئة، خاصة عقب التهم الملفقة إليه، حيث لم يستطع أن يحضر عزاء والدته.
وعلاوة على ما سبق، توفيت نجلة الدكتور المعتقل محمد البلتاجي، خلال فض اعتصام "رابعة العدوية"، ولم يستطع حضور جنازتها، لأنه كان مطاردا وقتها، وإن كان قد ألقى النظرة الأخيرة على جثمانها، داخل ميدان "رابعة العدوية"، حيث توفيت.
كما توفي نجل مرشد جماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، في أحداث رمسيس 16 آب/ أغسطس 2013، وقد حُرم من دفن نجله.
حالة المرض.. طارق عبد الجابر
وبجانب حالات الموت، والاعتقال، تبرز حالات المرض، كعائق في التواصل مع الوطن الأم، والأقرباء، وذلك تحت نير الانقلاب.
وهنا تبرز حالة المراسل السابق للتليفزيون المصري، الإعلامي طارق عبد الجابر، الذي توجه بالمناشدة للسماح له بالعودة إلى الوطن، لا سيما أنه مريض بسرطان المعدة، ويريد أن يموت في بلده، فقال: "أحب البلد، وأعشق ترابها، أتمنى أن أموت وأدفن في مصر".
وفي مداخلة هاتفية له على قناة "المحور" الفضائية، عبر عن خوفه من الرجوع إلى مصر، لكونه غير متأكد من أن اسمه على قوائم الترقب.
لكن الكاتب والسيناريست وحيد حامد قال: "المعلوم لدينا أن طارق تواجد على منصة اعتصام رابعة العدوية".
وتساءل طارق - عبر حسابه على "فيسبوك" -: "من أعطاكم الحق للمزايدة على منعي من العودة إلى بلدي؟".
ويذكر أن المادة 62 من دستور 2014 (الذي عين العسكر لجنة "الخمسين" التي وضعته) تنص على أن: "حرية التنقل، والإقامة، والهجرة مكفولة، ولا يجوز إبعاد أي مواطن عن إقليم الدولة، ولا منعه من العودة إليه، ولا يمكن منعه من مغادرة إقليم الدولة، أو فرض الإقامة الجبرية عليه، أو حظر الإقامة في جهة معينة عليه، إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال المبينة في القانون".