كشفت وكالة "سبوتنيك" الروسية في حوار أجرته مع رئيس مجلس إدارة المؤسسة
المصرية الروسية للثقافة والعلوم، الدكتور حسين الشافعي، عددا من الأسرار حول مستقبل العلاقات المصرية الروسية وأسباب بطء تطورها، وسلطت الضوء على عدد من الموضوعات، أهمّها قصة تعطيل دخول مصر إلى عصر
الطاقة النووية، وعلاقتها الاستراتيجية مع
روسيا بما يتعلق بموضوعات الفضاء.
وأكد حسين الشافعي في حواره أن مصر لم تحسم خيارها خلال العقود الثلاثة الماضية بأن روسيا صديق استراتيجي، بالرغم من أن مصر لم تكن تجد صديقا تلجأ إليه عند الحاجة إلا الصديق الروسي، وهو الأمر الذي اعتبره الشافعي "إشكالية بحد ذاته".
وقال الشافعي إن "مصر بعد حرب أكتوبر 73 شهدت تحولا كاملا في اتجاه علاقتها مع الغرب وأمريكا. في وقت الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس الأسبق حسني مبارك كانت هناك علاقات وطيدة مع الغرب، وشكلية مع روسيا. الآن هناك رغبة سياسية في مصر لتوطيد هذه العلاقات، لكن هذا ليس كافيا، حيث إنه لا تبنى العلاقات بالرغبات. فالرغبات يجب أن تكون مربوطة بقرارات وإمكانيات وبصياغة لأسس هذه الرغبات".
وأكد أن روسيا فتحت أبوابها لمصر، ولكن مصر كان تجاوبها محدودا، وقال في حواره: "الحقيقة أن ما أبدته الحكومة الروسية والجهات المسؤولة في روسيا عن فتحها للسوق الروسي أمام البضائع الرسمية وعن وعدها بعدم التعنت في الفحص الصحي للمنتجات المصرية، بل وموافقة الجانب الروسي على قيام لجان للتفتيش على هذه المنتجات قبل تصديرها، كان أقصى ما يمكن أن يقدم من صديق استراتيجي لدولة صديقة كمصر. لكن التجاوب محدود جدا. روسيا في حاجة للمنتجات المصرية، لكن مع هذه الحاجة للمنتجات المصرية، فالأرقام لم تعكس التجاوب المراد من قبل رجال الأعمال. هذا من ناحية الميزان التجاري الذي هو معتل بشدة؛ نتيجة قصور الصادرات المصرية بصفة عامة، وإلى روسيا خاصة".
شراكة استراتيجية بالفضاء
وأكد الشافعي أنه فيما يتعلق بمجالات التكنولوجيا الحديثة، فأظن أن مصر حسمت خيارها في الفضاء، فهي تتعامل مع روسيا كشريك استراتيجي. حدثت بعض المشاكل للقمر المصري، الذي أطلق في نيسان/ أبريل 2014، خارجة عن إرادة الجانب المصري والجانب الروسي، لكن الجانب الروسي أكد التزامه، حيث إن المشكلة حدثت للقمر خلال فترة الضمان، أكد الجانب الروسي بتعويض القمر المفقود بقمر جديد على نفقة الجانب الروسي، وهذا ما يجري العمل عليه الآن. من المرجح أن يطلق في خلال سنتين من الآن، أي أواخر عام 2018، وأوائل عام 2019. بهذا روسيا تؤكد أن علاقاتها بمصر علاقة استراتيجية، خصوصا في مجال تطبيقات التكنولوجيا الحديثة.
المشروع النووي
أما فيما يتعلق بالمشروع النووي، فشدد الشافعي على أنه "كان من المفترض في شباط/ فبراير 2015، وقت زيارة الرئيس الروسي للعاصمة المصرية، وقد أعلن هذا، أن يتم التوقيع على العقد الخاص بإنشاء أربعة مفاعلات نووية، هي بمثابة قرض من روسيا قيمته 25 مليار دولار يتم سداده من حصيلة ما يباع من الطاقة الكهربائية".
وأضاف أن هذا العرض كان مبهرا، "إذا ما قارناه بالعروض الأخرى، أي أنه بالكامل تمويل روسي بأحدث تكنولوجيا المفاعلات النووية المستخدمة في روسيا. مصر، بإنتاج الحجم المتوقع من هذه المفاعلات وفقا لدراسة الجدوى، ستنتقل إلى مصاف الدول المشبعة بالطاقة الكهربائية، والحديث للشافعي.
واستدرك الشافعي بالقول: "لكن على أرض الواقع نفاجأ حقيقة بمشاكل ضخمة جدا، منها أن اتفاقية للتعاون الاستراتيجي في مجال بناء وتشغيل محطات الطاقة النووية وقعت في نوفمبر 2015، وقد دخلت حيز التنفيذ باعتمادها في مجلس الدوما في فبراير من العام الحالي، وكان يجب أن يترتب عليه توقيع عقد تنفيذ هذه المفاعلات، ولكن وللأسف العقد -بالرغم من وعود كثيرة من الجانب المصري- لم يوقع حتى الآن".
وأضاف: "أنا شخصيا أرى في هذا تعطيل لدخول مصر العصر النووي. ليس هذا فقط، لكن يبدو أن أجواء حول هذا العقد غير مرحبة بأن تتعامل روسيا في مثل هذا المشروع الضخم، الذي يحول مصر من دولة مستخدمة للطاقة النووية لتوليد الكهرباء".
وأكد الشافعي أنه "وبالرغم من وجود عشرات من الخبراء الروس منذ عدة شهور في مصر، إلا أن تجاوب الجهات المصرية في تسهيل البضائع ومكونات وأجهزة قامت روسيا بإهدائها للجانب المصري، كان سيئا، فخلقت العراقيل أمامها لدرجة أنه يمر الآن أكثر من خمسة أشهر على وجود هذه الأجهزة في موانئ مصر، وهي معرضة لظروف التعرية، ولم تقم مصر بما يجب أن تقوم به من الإفراج الجمركي عليها".
وأوضح أن هذه الأجهزة هي في هدية غير مدفوعة الثمن مقدمة للحكومة المصرية، ورغم هذا فالأدوات البيروقراطية التي تنفذ سياسة الحكومة تعوق الإفراج عنها، بما يؤكد على أنه إذا كانت الدولة عازمة على دخول عصر الطاقة النووية فيجب على الأقل أن تحكم الرقابة على الأجهزة البيروقراطية التي تتعامل معها في مثل هذه الأمور، حيث إنه لا يصح أن تنطلق مصر بأدوات بيروقراطية غاية في التخلف".
وحول العقبات التي تقف ضد العلاقات المصرية الروسية، وإن كان هناك من لا يرغب في تطور العلاقات المصرية الروسية داخل مصر، شدد الشافعي على أن هذا الأمر يصعب الإجابة عليه.
ولكنه استدرك بالقول: "لكن هناك مؤشرات لا تخفي لأي متابع للأحداث، مصر دولة ضعيفة اقتصاديا، مصر دولة تتلقى دعما ضخماً من المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وهذه الدول بالتحديد لها شروط عند تقديم منح أو قروض، وهذه الدول بالتحديد تلعب دورا في الضغط على السياسة الروسية نتيجة موقفها من سوريا، فإذا كانت هذه الدول هي معادية للسياسات الروسية في سوريا وفي نفس الوقت السعودية ودول الخليج تقدم عونا لمصر، أظن أن هذا العون يكون مشروطا بالتراخي في تعميق التعاون المصري الروسي، هذا من حيث الشكل".
ونوه الشافعي في حواره إلى أن لكل دولة من يحمي مصالحها، فمصر لمدة طويلة كانت في علاقة وطيدة مع المجتمع الغربي وأمريكا، والتي نشأ عن هذه العلاقة لوبيات في كافة مصالح ومؤسسات الدولة.
وأضاف أن هذه اللوبيات تدافع عن مصالحها ومصالح أمريكا. فليس من الغريب أن كبار رجال الأعمال، الذين يحضرون لقاءات رؤساء مصر وروسيا مع بعض هم الوجوه ذاتها التي تأتي في مقدمة لقاءات الرئيس المصري مع الإدارة الأمريكية والغربية.
واستغرب الشافعي أن مصر تتعاون مع روسيا بأدوات التعاون ذاتها مع أمريكا والغرب. مصر في مرحلة نقاهة، وأنا أظن أن الشعب يدعم بشدة التوجهات نحو المزيد من التعاون المصري الروسي، وعلى هذا نقامر ونغامر. فالشعب هو الضمانة الحقيقة، الشعب الذي يرفع لوحات التحية والتأييد لروسيا بعد تاريخ طويل من العلاقات المميزة هو الذي سوف يحمي المصالح المصرية الروسية إلى أن يغير الله الأمور للأفضل.