حلب وريفها.. خارطة مصغرة لسوريا بتعقيداتها

تعبر خارطة القوى المسيطرة على الأرض في محافظة حلب، عن تعقيدات الأزمة السورية، وصعوبة الحل السياسي، نظرا للتنافر الحاد بين هذه القوى من جهة، واختلاف القوى الدوليّة الخارجية الداعمة لها من جهة أخرى، كما يقول محللون ومراقبون.

ويواصل نظام الأسد سيطرته على القسم الغربي من مدينة حلب، حيث تتركز الدوائر والمؤسسات الحكومية، بالإضافة إلى كونه يتمدد في مناطق أخرى شمالا وجنوبا.

يقول أبو عمر، الناشط في ريف حلب، إن النظام نجح بالخروج من عنق الزجاجة عندما مدَّ سيطرته لمدينة السفيرة، واسترجعها من قبضة الثوار، وتابع تقدمه حتى وصل للسجن المركزي، وقريتي حندرات وباشكوي بالريف الشمالي.

وأضاف أبو عمر لـ"عربي21" أن النظام "عزز مؤخرا تقدمه بفضل الدعم الجوي الروسي، حيث سيطر على مساحات واسعة شرق السفيرة، وتمكن بعدها من فك الحصار عن مطار كويرس"، مشيرا إلى سيطرته أيضا على مناطق واسعة في الريف الجنوبي، والوصول لمدينتي نبل والزهراء المحاصرتين.

قوات الحماية الكردية

وتبرز قوات الحماية الكردية كقوة صاعدة في الريف الشمالي لحلب، ولا سيما عقب طرد تنظيم الدولة من مدينة عين العرب، وتلقيها دعما جويّا روسيّا وأمريكيّا، يقول المحامي حسن المحمد من ريف حلب لـ"عربي21": "لم تكتف قوات الحماية بطرد تنظيم الدولة من عين العرب وريفها الواسع، وإنما واصلت تمددها نحو قرى وبلدات عربيّة الطابع؛ مثل تل أبيض وصرين وسد تشرين، وباتت على مشارف مدينتي منبج وجرابلس".

ولوحظ تنسيق "رفيع" بين قوات الحماية الكردية، وبين قوات النظام في الريف الشمالي، يقول قائد ميداني في مدينة تل رفعت يُدعى "حكيم" لـ"عربي21": "تعرضنا بالريف الشمالي لعدوان مزدوج من قوات الحماية الكردية وقوات النظام، المدعومين بغطاء جوي روسي كثيف وعنيف؛ أجبرنا على الانسحاب، ومكنهما من السيطرة على عدد من المدن والبلدات العربية".

وقال الناشط أبو حسن الحلبي لـ"عربي21": "تقلصت مساحات سيطرة الثوار منذ أن بدأ النظام سياسة دبيب النمل أواخر 2013م، معتمدا على البراميل المتفجرة في البداية، ثم الطيران الروسي مؤخرا".

تنظيم الدولة

من جانبه؛ نجح تنظيم الدولة في السيطرة على مناطق واسعة بالريفين الشرقي والشمالي لحلب، يقول أبو محمد، النقيب في الجيش الحر بريف حلب: "تناغمت أعمال النظام العسكرية؛ مع أعمال التنظيم في عامي 2014 و2015م، حيث تجنب الطرفان الحرب بينهما، وركزا جهودهما على قتال الثوار"، مشيرا إلى أن "ذلك أدى إلى سيطرة التنظيم على مدن أخترين وتركمان بارح شرقا، وصوران وتلالين شمالا".

وأضاف أبو محمد -الذي فضّل الاكتفاء بذكر كنيته- لـ"عربي21": "غير أن النكسة الحقيقية حصلت عندما سيطر الكرد على تل رفعت، ونجح النظام بفتح الطريق لمدينتي نبل والزهراء، ما قطع الطريق بين مدينة حلب وبين الثوار في الشمال".

وأكد أنه "رغم كل محاولات نظام الأسد وقوات الحماية؛ التقدم على حساب الثوار في مدينة حلب، إلا أن الثوار تمكنوا من الحفاظ على مواقعهم"، لافتا إلى أن "النظام فشل حتى الآن في فرض حصار على مدينة حلب".
 
ويبدو مؤخرا انحسار قوة تنظيم الدولة؛ فقد تلقى ضربات موجعة من الكرد في ريف حلب الشرقي، حيث سيطر الكرد على سد تشرين، وفك النظام الحصار عن مطار كويرس، وسيطر على المحطة الحرارية، وبدأ الثوار باستعادة زمام المبادرة في الريف الشمالي، وسيطروا مؤخرا على أكثر من 15 قرية، وأصبحت مدينة الراعي على مرمى نيران الثوار.

وأكد ناشطون أن تراجع التنظيم وتقدم القوى الأخرى؛ يعود للدعم الجوي المقدم لهذه القوى، وقال أبو حسن، الناشط الإعلامي بحلب، إن "تقدم النظام والكرد والثوار على تنظيم الدولة؛ مرجعه الدعم الجوي، فالتحالف لا يقدم دعما إلا للقوى التي تقاتل التنظيم".

وضع معقد

ونظرة إلى توزع القوى الحالي في حلب؛ تكشف تعقيدات الوضع الميداني، فلكل الأطراف جبهات مع الأطراف الأخرى، والمعارك لا تتوقف، ولم تأخذ -رغم كل التطورات- صفة الحسم، بحسب أبو محمد، النقيب في المجلس العسكري التابع للجيش الحر.

وأضاف أبو محمد المتواجد حاليا في تركيا: "رغم تقدم النظام؛ إلا أن شوكته ما زالت ضعيفة، وغير قادر وفق قدراته الحالية على استعادة ما تبقى من حلب ريفا ومدينة، بل بإمكان الثوار قطع الطرق، ومحاصرة النظام، واستعادة المناطق التي خسروها؛ بمجرد تحييد سلاح الجو".

من ناحية أخرى؛ يرى ناشطون أنه يصعب على الكرد التمدد أكثر، مؤكدين أن القوات الكردية مجرد أداة بيد القوى الكبرى.

ويقول النقيب أبو محمد: "بدا واضحا في معارك الريف الشمالي؛ أن الأكراد مجرد مرتزقة، فقد مكّنهم الروس من السيطرةَ على تل رفعت؛ ليكونوا حاجزا بين قوات النظام في نبل والزهراء، وبين الثوار".

ويدفع ذلك كثيرين للاعتقاد بأن هناك توجها لتبريد كل الجبهات إلا جبهة تنظيم الدولة، يقول الناشط أبو عمر من الريف الشمالي، لـ"عربي21" إن من الملاحظ أن "الجبهات تشتعل ضد تنظيم الدولة، فقد قُدم دعم قوي للثوار لاستعادة مناطق عدة من قبضة التنظيم".

ولا تزال أرض حلب قابلة للتبدل من حال إلى حال، ويبقى ذلك -وفق ما يرى متابعون- رهنا بمستقبل المفاوضات، وحجم الدعم المقدم لكل قوة.