قالت مصادر أمنية ليبية، الإثنين، إن مقاتلين تابعين لتنظيم الدولة "
داعش" بدؤوا، خلال الأيام القليلة الماضية، بالانسحاب من مناطق تمركزهم في مدينة
بنغازي (شمال شرق)، باتجاه مدينة سرت، شمال وسط، التي يسيطر عليها التنظيم منذ أيار/ مايو الماضي.
ورجحت المصادر انسحاب أن يكون خطوة استراتيجية من تنظيم الدولة لحشد قواته في سرت، تحسبا لمعركة وشيكة مع قوى عسكرية تابعة للطرفين السياسيين الليبيين المتصارعين في الشرق والغرب.
وكانت قيادة القوات المنبثقة عن "مجلس النواب"، المنعقد في مدينة طبرق، شرقا، أعلنت، الأربعاء الماضي، اكتمال استعداداتها لخوض معركة تحرير سرت من قبضة تنظيم الدولة، لافتة إلى أن "القوات المسلحة في انتظار أوامر القائد العام (خليفة
حفتر) لتتحرك باتجاه المدينة (سرت)".
على الطرف الآخر، أعلن عدد من كتائب ثوار مدينة مصراته، التابعة لقيادة أركان القوات المنبثقة عن "المؤتمر الوطني العام" في طرابلس، غربا، في بيانات منفصلة، خلال الأسبوع الماضي، أنهم بدؤوا بالفعل معركة تحرير سرت من قبضة تنظيم الدولة، حيث وجهوا، خلال الأيام الماضية، ضربات جوية للتنظيم في المدينة، مشيرين إلى أن قوات تابعة لهم ترابط، حاليا، غرب سرت.
وحسب تقديرات المصادر الأمنية الليبية، انسحب نحو مائتي مقاتل تابعين لتنظيم الدولة من بنغازي باتجاه سرت، بينما لا يتجاوز عدد مقاتلي التنظيم، الذين لم يغادروا بنغازي حتى الآن، المائة مقاتل.
وكان تنظيم الدولة يسيطر على "حي الليثي" في بنغازي قبل أن ينسحب منه، منذ أسابيع، إثر مواجهات مع القوات الموالية لـ"مجلس النواب".
وكانت مصادر ليبية كشفت أن تنظيم الدولة انسحب بالكامل، منذ أسبوعين، من مدينة درنة، شرقي بنغازي باتجاه سرت، إثر مواجهات مع مجلس شورى مجاهدي درنة (الذي يتكون من مسلحين انتظموا في كتائب إسلامية غير تابعه لأي جهة رسمية، أهمها "بوسليم"، و"ثوار درنة" و"صلاح الدين").
وكان تنظيم الدولة ظهر في
ليبيا العام الماضي، ويعتبر مراقبون أن الفيديو الذي بثته التنظيم لعملية إعدام 21 مسيحيا مصريا في مدينة سرت، شمال وسط البلاد، على البحر المتوسط، في 13 شباط/ فبراير من العام ذاته، كان بمثابة إعلان رسمي من التنظيم عن ظهوره في هذا البلد العربي، رغم وجود عمليات نوعية منسوبة له قبل هذه العملية.
وسيطر التنظيم على سرت منذ آيار/ مايو الماضي؛ بعد انسحاب "الكتيبة 166"، التابعة لقوات "فجر ليبيا"، والتي كانت مكلفة من قبل "المؤتمر الوطني" بتأمين المدينة.
ورغم مرور أكثر من عام على ظهور تنظيم الدولة، لم تتخذ القوات الليبية سواء تلك التابعة لـ"مجلس النواب"، أو االتابعة لـ"المؤتمر الوطني" خطوات جادة على الأرض لقتال التنظيم، قبل أن يتبدل الحال خلال الأسبوع الماضي.
وتداركا لما يجري أصدر المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق الوطني"، الليبية المنبثقة عن جولات الحوار السياسي الليبي في مدينة الصخيرات المغربية، في كانون الأول/ ديسمبر 2015، بيانا، الخميس الماضي، طالب خلاله من سماهم بـ"القوى العسكرية الليبية" بانتظار تعليماته "بصفته القائد الأعلى للجيش الليبي"، وفقا لما نص عليه اتفاق الصخيرات، الذي اعتمده "مجلس النواب" في 25 كانون الثاني/ يناير 2016 بـ"تعيين قيادة مشتركة للعمليات العسكرية في مدينة سرت، وتوحيد الجهود تحت قيادة المجلس الرئاسي".
ورأى مراقبون وخبراء أن تدافع قوات الشرق والغرب الليبي نحو الإعلان عن قتال تنظيم الدولة هو تسابق بينهما لكسب الدعم اللوجيستي الغربي.
وكان الاتحاد الأوروبي ودول غربية أعلنوا، خلال الفترة الماضية، عبر بيانات وتصريحات متكررة، استعدادهم لدعم ليبيا بكل الإمكانات في حربها ضد تنظيم الدولة الذي يسيطر علي أجزاء منها، مشترطين أن يتم ذلك بطلب من "حكومة الوفاق" وبقيادتها.
وخلال المرحلة الانتقالية التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي في ليبيا عام 2011، حدث انقسام سياسي في ليبيا تمثل في وجود حكومتين وبرلمانيين وجيشين يعملون في البلاد في آن واحد، إذ كانت تعمل في طرابلس "حكومة الإنقاذ الوطني" و"المؤتمر الوطني العام" (بمثابة برلمان) ولهما جيش انبثق عنهما، بينما كان يعمل في الشرق "الحكومة المؤقتة" في مدينة البيضاء و"مجلس النواب" في مدينة طبرق، ولهما جيش آخر انبثق عنها.
قبل أن تتفق الأطراف المتصارعة في كانون الأول/ ديسمبر 2015، وعبر حوار انعقد برعاية أممية في مدينة الصخيرات المغربية، على توحيد السلطة التنفيذية في حكومة واحدة هي "حكومة الوفاق الوطني"، والتشريعية في برلمان واحد، هو "مجلس النواب" في طبرق، إضافة إلى توحيد الجيش، وإنشاء "مجلس أعلى للدولة" يتشكل من أعضاء "المؤتمر الوطني العام" في طرابلس، وتتمثل مهامه في إبداء الرأي لحكومة الوفاق الوطني في مشروعات القوانين والقرارات قبل إحالتها إلى مجلس النواب.