ليس جديدا

ليس جديدا علينا نحن العرب تلك المشاهد المأساوية التي نشاهدها ليل نهار في سوريا، سواء في حماة أو حمص وأخيرا في حلب، وليس جديدا أيضا ردة فعلنا حكاما ومحكومين. هكذا أصبحنا بليدي الحس، سميكي الجلد، ضعفاء حتى شكا الضعف من ضعفنا، عاجزين حتى المهانة. 

بشار الأسد ليس إلا واحدا من بني جلدتنا، وكل حكام العرب تقريبا وبلا استثناء يحملون نفس جينات الاستبداد التي يحملها بشار والفارق الوحيد هو أن جينات الاستبداد عند البعض ظاهرة واضحة وفاعلة عند بشار والسيسي والعبادي، بينما هي مستترة عند بقية رفقائهم الحكام. 

من يهاجم بشار اليوم ويعتبره عدوا لدودا مستعد أن يفعل أي شيء حتى لا يحكم الشعب السوري نفسه، بل البعض يتمنى زوال الشعب السوري مع بشار لأنه لا يريد أن يحكم الشعب نفسه، كل ما يسعى إليه البعض هو الانتصار على بشار كما فعلوا في معركتهم مع صدام حسين. في حالة صدام حسين تداعى جميع  الحكومات المجاورة سنة وشيعة وسخرت إمكاناتها من أجل إزاحة صدام لأسباب لا علاقة لها باستبداده، بل لأنه أصبح مهددا لحكمهم ومزعجا لسلطانهم. ساعتها قالوا إننا نعمل لخير العراق ومن أجل حرية العراق ورفاهية العراق ثم إذا بنا نرى العراق مقسما، مفتتا، وظهر للجميع أن السنة وحدهم هم الضحية فلا الدول التي تزعم أنها ناصرة السنة أنقذتهم ولا حتى تعاطفت معهم وتركت لما يزيد على ثلاثة عشر عاما ضحية لعدو جديد هو إيران الفارسية الملتحفة بعباءة الشيعة.

ماذا فعل السنة الذين جلبوا الأمريكان إلى العراق؟ وماذا جنى العراقيون؟ لا شيء، فالحرب على العراق كانت في رأيي حربا شخصية ليس الغرض منها أبدا الوقوف إلى جانب الشعب العراقي ولا أي شعب في المنطقة. 

حين قامت الثورة في سوريا كانت المعركة بالنسبة لبعض اللاعبين الإقليميين هي صراع النفوذ مع إيران ولا علاقة لها من قريب أو بعيد اللهم النذر اليسير بحرية الشعب السوري، وإلا فلماذا لم يفرح هؤلاء اللاعبون بحرية الشعب المصري في يناير 2011، بل إنهم تآمروا على حريته وحاولوا كسر إرادته بدعمهم لانقلاب السيسي؟ 

الحرب في سوريا واليمن والمآسي التي تقع في مصر كلها ثمار طبيعية لصراع الثروة والنفوذ، وليست انتصارا لا للحرية ولا للديمقراطية ولا حقوق الإنسان، بل الإنسان هو الضحية الأولى والأخيرة لهذا الصراع، لا تصدقوا فرية أن هذا البلد أو ذاك القطر يريد القضاء على المستبد من أجل حرية هذا الشعب أو ذاك، هذا كلام فارغ بعيد كل البعد عن الواقع. بعض الدول الإقليمية مستعدة لتدمير ثلث أو ربع العالم العربي من أجل إنفاذ إرادتها السياسية وتأكيد هيمنتها على المنطقة.
 
معظم الدول العربية المتورطة في سوريا ليس لديها برلمانات منتخبة ولا حرية تعبير ولا تعرف الديمقراطية إلا على أنها قرين الكفر ورفيق الشرك، وفي أحسن الحالات فهي بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولو ذهب معها نصف الشعب أو ثلثه أو زد عليه قليلا. 

معظم من يرفعون لواء إعادة الشرعية في اليمن شعوبهم مقهورهم، وشبابهم خلف القضبان، وتعاني مجتمعاتهم من التخلف العلمي الإرادي وغير الإرادي، ونسبة الجرائم الاجتماعية لديهم أعلى من نظرائهم في أفقر مكان في أفريقيا التي لم تعد كما كنا نعتقد.  

ما حدث في حلب ليس جديدا ولن يكون آخر الأحزان، آسف جدا على هذا التعبير ولكنها الحقيقة، فذاكرتي الخمسينية مليء بأحداث جسام، دماء وأشلاء في فلسطين المحتلة منذ ستة عقود ونصف، وبيروت أول عاصمة عربية تحتلها عصابات اليهود المغتصبة، وحماة التي أبادها حافظ الأسد. فما سمعنا صوت تنديد ولا رفعت راية تهديد ساعتها، في اليمن وقعت الحروب وأهلكت الموارد وبقي عبد الله صالح يجوب عواصم الإقليم من حوله مرفوع الرأس، لم يتهمه أحد لا بالبغي ولا بالظلم ولا بالعدوان، وحتى حين ثار اليمنيون ثارت ثائرة الدول المجاورة ليس ضد صالح، بل ضد الشعب، وتم احتواء الثورة وإعادة تأهيل علي صالح حتى وقع خلاف المصالح فانتفضت دول الجوار مرة ثانية ليس من أجل الشعب اليمين بل انتقاما من عبد الله صالح ناكر العيش والملح. 

ذكرني يا تاريخ بالجزائر حين تم الانقضاض على الديمقراطية وتشويه الفائزين بأصوات شعبهم، من الذي تمت إدانته؟ العسكر القتلة أم من جاءوا عبر الصناديق؟! 

ذكرني يا تاريخ بالبحرين وما جرى فيها وبالعراق وما يجري على أرضها وبسوريا وبالصومال وبمصر الكنانة.. هل من جديد؟

لا تعليق.