نشرت "نيويورك تايمز" تقريرا للكاتب إريك شميت، يقول فيه إن حالة الضعف التي تمر بها القيادة العليا لتنظيم
القاعدة في باكستان، بعد عقود من حرب وكالة الاستخبارات المركزية، التي استخدمت الطائرات دون طيار في حربها على تنظيم القاعدة، جعلته يقرر بأن مستقبله أصبح الآن في
سوريا، مشيرا إلى أنه أرسل سرا أكثر من عشرة من المخضرمين لديه هناك، بحسب مصادر استخباراتية في مكافحة الإرهاب من أوروبا وأمريكا.
ويقول الكاتب إن "هذه التحركات فيها دلالة على الأهمية التي أصبحت تشكلها سوريا لهذا التنظيم الإرهابي، وغالبا ما يكون هذا سابقا لتصعيد بين تنظيم القاعدة ومنافسه
تنظيم الدولة، بحسب ما قاله مسؤولون غربيون".
ويضيف شميت: "طُلب من أولئك الناشطين الشروع في إنشاء مقر بديل للتنظيم في سوريا، وتهيئة الأرضية لاحتمال إنشاء إمارة، من خلال جبهة
النصرة المنتمية لتنظيم القاعدة؛ وذلك للتنافس مع تنظيم الدولة، الذي انشق عنه عام 2013، وهذا سيكون تحولا مهما بالنسبة لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة، التي قاومت إنشاء إمارة أو أي دولة مستقلة، إلى حين رؤية الظروف الملائمة لذلك على الأرض، ومثل هذا الكيان سيشكل أيضا خطرا إرهابيا على الولايات المتحدة وأوروبا".
ويتابع الكاتب بأن ناشطي تنظيم القاعدة دخلوا إلى سوريا وخرجوا منها لسنوات، فقد أرسل القائد الأعلى للتنظيم أيمن
الظواهري قيادات رفيعة المستوى في التنظيم لدعم جبهة النصرة عام 2013، وبعد ذلك بعام أرسل الظواهري خلية تابعة لتنظيم القاعدة تسمى "خراسان"، يتهمها المسؤولون الأمريكيون بالتخطيط لهجمات ضد الغرب.
ويستدرك التقرير بأنه بحسب المحللين الغربيين، فإن تحقيق وجود أقوى في سوريا، سيتيح لتنظيم القاعدة فرصة قيمة، حيث إن وجود دولة يقيمها تنظيم القاعدة في سوريا لن يكون على مسافة أقرب من أوروبا، ولكنه سيستفيد من وجود مصادرة للتجنيد والدعم اللوجستي من المقاتلين في العراق وتركيا والأردن ولبنان.
وتشير الصحيفة إلى أن الظواهري أصدر أول بيان مسجل له منذ عدة شهور في بداية أيار/ مايو، حيث بدا تمهيدا لشخصيات تنظيم القاعدة لاستخدام جبهة النصرة لتكوين إمارة في سوريا بمباركة منه، مستدركة بأن بعض قيادات النصرة يعارضون التوقيت، ولذلك لم تمض النصرة بهذه الخطوة.
وينقل شميت عن كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر، قوله في عدد هذا الشهر من مجلة "فورين بوليسي": "إن الجمع بين إقامة إمارة لتنظيم القاعدة وقيادة مركزية يعاد تنشيطها في شمال سوريا، سيشكل رافعة للثقة للماركة العالمية لهذه المنظمة الجهادية".
ويضيف ليستر: "سيطرح تنظيم القاعدة نفسه على أنه الحركة الجهادية الذكية والمنهجية والمثابرة، التي تبنت استراتيجية تتماشى مع المسلمين السنة العاديين، خلافا لتنظيم الدولة".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن ليستر وغيره من الأكاديميين، يقولون إن كلا من تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة يهدفان في النهاية إلى إقامة دولة إسلامية، لكنهما يستخدمان تكتيكات مختلفة للتوصل إلى النتيجة ذاتها، حيث إن تنظيم الدولة يتحرك بسرعة؛ للسيطرة على مساحات في سوريا والعراق، وفرض القوانين القاسية فيها، في الوقت الذي تحاول فيه جبهة النصرة بسط نفوذها على المناطق التي تريد السيطرة عليها، وقامت مع غيرها من مجموعات الثوار بمعارضة نظام بشار
الأسد.
وتنقل الصحيفة عن المسؤولين الأمريكيين، قولهم إن تنظيم الدولة غطى على تنظيم القاعدة في الهرم الجهادي، حيث خسر تنظيم القاعدة كثيرا من أعضائه الذين انضموا لتنظيم الدولة الأكثر وحشية والأخبر إعلاميا، لافتة إلى أن العديد من أعضاء خلية "خراسان" قتلوا، بمن فيهم قائد الخلية محسن الفضلي، في ثماني غارات أمريكية على شمال سوريا منذ أيلول/ سبتمبر 2014.
وينوه الكاتب إلى أن الاستخبارات الأمريكية تقدر بأن لدى تنظيم الدولة من 19 ألفا إلى 25 ألف مقاتل بين العراق وسوريا، وبأن لدى النصرة ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف مقاتل في سوريا، مشيرا إلى أن الإمارة التي يمكن أن تقيمها جبهة النصرة ستختلف عن الخلافة التي أقامها تنظيم الدولة، بعدم ادعائها أنها حكومة لمسلمي العالم كلهم.
ويورد التقرير نقلا عن بعض مسؤولي المخابرات الأمريكيين والأوروبيين، قولهم إن تحرك ناشطي ومخططي تنظيم القاعدة إلى سوريا هو محاولة يائسة للجوء إلى ملاذ يعيش في حالة فوضى، وأن ناشطي تنظيم القاعدة في سوريا مصممون، لكن هناك عملية احتواء لهم، حيث يقول المتحدث العسكري في بغداد عن القوات الأمريكية التي تقود الحملة ضد تنظيم الدولة الكولونيل ستيف وارن: "إن هناك استمرارا لتسلل مقاتلي تنظيم القاعدة بأعداد قليلة".
وتستدرك الصحيفة بأن وجود رؤوس كبيرة من تنظيم القاعدة في سوريا، وبعضهم خصصت أمريكا ملايين الدولارت لمن يدل عليه، هو أمر مقلق لأمريكا وأوروبا وحلفائهما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وينقل شميت عن مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون برينان، قوله على قناة "أن بي سي": "لقد دمرنا جزءا كبيرا من تنظيم القاعدة.. لم نقض عليه تماما، ولذلك علينا أن نبقى مركزين على ما تستطيع أن تقوم به".
ويذكر التقرير أن هذه التقديرات المستمرة لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة في سوريا، تأتي من مقابلات مع مسؤولين مخابرات أمريكيين وأوروبيين، حصلوا على المعلومات من خلال الجمع المستمر لها، عن طريق الجواسيس ومن خلال التنصت الإلكتروني، بالإضافة إلى تحليل البيانات لتنظيم القاعدة وجبهة النصرة.
وتبين الصحيفة أن إيران أطلقت سراح سيف العدل وأربعا من القيادات الكبيرة في تنظيم القاعدة في بدايات العام الماضي، في عملية تبادل سرية مع فرع تنظيم القاعدة في اليمن، كان في قبضته دبلوماسي إيراني، مشيرة إلى أن سيف العدل هو الشخص الذي أدار تنظيم القاعدة مباشرة، بعد مقتل أسامة بن لادن على يد البحرية الأمريكية، وهو عضو بارز في مجلس شورى تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى أن سيف العدل يعد أحد أهم الشخصيات التي تحاول المخابرات الغربية التوصل إلى مكان وجودها، حيث إنه غير معروف إن كان في سوريا أم في شمال أفريقيا.
ويشير الكاتب إلى أن سيف العدل كان عقيدا سابقا في الجيش المصري، ويعتقد أنه في الخمسينات من عمره، وتمت إدانته عام 1998 في تفجير السفارة الأمريكية في شرق أفريقيا، ووضعت أمريكا مكافأة لمن يسلم رأسه 5 ملايين دولار.
ويورد التقرير نقلا عن مايكل سميث من "كورونوس أدفايسري"، قوله إن شخصا مثل سيف العدل في سوريا يفيد تنظيم القاعدة في رسم الاستراتيجيات للمجموعة، وقد يساعده على تحقيق نجاحات ترفع من ثقته بنفسه.
وتفيد الصحيفة بأنه يظن بأن الأربعة الآخرين، الذين أطلقت إيران سراحهم، في سوريا، هم: رئيس مجلس العلاقات الخارجية لتنظيم القاعدة سابقا عبد الخير المصري، وأبو القسام، أردني كان نائبا لأبي مصعب الزرقاوي، وساري شهاب، وهو أردني، وأبو محمد المصري، الذي ساعد في تنسيق هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
ويذهب شميت إلى أنه ليس من الواضح بعد كيف سيقوم تنظيم القاعدة بإنشاء إمارة في سوريا، سيكون له أراض يسيطر عليها، وسيصبح موقفه من مجموعات الثوار الأخرى أكثر تصلبا، لافتا إلى أن جبهة النصرة تأسست عام 2012، منشقة عن تنظيم القاعدة في العراق، الذي أعلن نفسه فيما بعد تنظيم الدولة.
وبحسب التقرير، فإن جبهة النصرة لم تقبل في عام 2013 مبايعة زعيم تنظيم الدولة أبي بكر البغدادي، بل أعلنت ولاءها لأيمن الظواهري في باكستان، والآن يريد تنظيم القاعدة الأم، أن يعوض عن خسارته في باكستان، وتحقيق ضجة إعلامية على الأقل بإقامة إمارة في سوريا، مستدركا بأن عددا من قيادات جبهة النصرة يؤيدون الاستمرار في سياستها البراغماتية، بالحصول على التأييد الشعبي المحلي، حيث إن كثيرا من المجموعات التي تقاتل إلى جانب جبهة النصرة ضد الأسد، تعارض فكرة إقامة إمارة؛ لأنها ستعني شق صف المعارضة للأسد.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول المحلل مع مجموعة "أي إتش إس كونتري رسك" فراس أبي علي: "من وجهة نظر تنظيم القاعدة الدينية، فإن إعلان إقامة دولة أو إمارة يجب أن يحصل فقط في سياق يمكن من خلاله الحكم بفعالية، وسيكون من المفارقة أن يعلن تنظيم القاعدة إمارة في الوقت الذي يرفض فيه الخلافة".