نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، تقريرا حول العلاقة التي تربط موسكو بالفاتيكان، وخاصة تبنيهما حقوق المهاجرين من مسيحيي المشرق، ودفاعهما عن القيم المشتركة للمسيحية القديمة، حتى قالت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، إن أفضل صديق لروسيا هو
الفاتيكان.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن آخر تحرك مشترك بين
روسيا والفاتيكان كان في شكل معارضتهما لمشروع وثيقة حول المساواة بين الجنسين، مشيرة إلى قول دبلوماسي فرنسي: "أردنا تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة خاصة في آسيا الوسطى، ويكون ذلك عبر الموافقة على حقوق المثليات والمثليين، والمخنثين، والمتحولين جنسيا، لكن على ما يبدو أن الغرب أثار صدمة ذهنية لدى روسيا والفاتيكان بسبب هذا المشروع، فقاما بتوظيف حقوق الإنسان المتعقلة بالكرامة الإنسانية نحو إيديولوجية الحقوق المكتسبة، فشعرنا حينها بوجود حرب ثقافية في الأفق".
ولفتت إلى أنه "في اليوم الذي تلى سقوط الاتحاد السوفياتي؛ شكّل إعادة بناء الكنائس الكاثوليكية في المناطق السوفياتية السابقة، مثل أوكرانيا، توترات بين روما وموسكو، ولكن منذ استقبال البابا لفلاديمير بوتين سنة 2013، وبعد اللقاء التاريخي بين بابا الفاتيكان فرانسوا، وبين بطريرك موسكو وسائر روسيا، كيريل، في شباط/ فبراير 2016 بهافانا؛ تراجعت بشكل ملحوظ حدة التوترات".
وبينت أن بعض المراقبين من المنظمات الدولية يتساءلون عن سبب ازدهار العلاقة بين الطرفين، وعن تداعيات ذلك على القيم الأخلاقية ووضع الأقليات، خاصة وأن البابا فرانسوا كتب لفلاديمير بوتين في أيلول/ سبتمبر 2013 رسالة يحثه فيها على إقناع مجموعة العشرين في اجتماعها بسان بطرسبرغ، على العزوف عن الخيار العسكري في
سوريا.
وقالت الصحيفة إن
التحالف الاستراتيجي بين الكنيسة الكاثوليكية وبطريركية في موسكو؛ يتمثل في دفاعهما عن "القيم المسيحية التقليدية"، مشيرة إلى أن موسكو "تحاول حث روما على مجابهة دين الإلحاد الذي ينتشر في أوروبا، وعلى مقاومة أشكال الحياة غير الطبيعية وغير المسؤولة".
واعتبرت الصحيفة أن زواج المثليين هو أحد تلك الأشكال التي رأى فيها البطريرك كيريل نمطا "خطيرا" و"مفزعا"، لافتة إلى أن الطرفين أكدا على دفاعهما عن المسيحية الشرقية، خلال اجتماعهما في هافانا.
أما عن مصالح روسيا من هذا التقارب؛ فأكدت الصحيفة أن موسكو تريد بهذا نسيان حربها في أوكرانيا، وتوطيد علاقتها بالمجتمع الدولي، "كما تريد أن تبدو حامية الموروث المسيحي الشرقي، الذي يمثل أصل المسيحية الغربية اليوم"، مضيفة أن الفيلسوف ميشال التشانينوف شرح موقف بوتين فقال: "يريد بوتين أن يفرض تعاليم الكنيسة الأخلاقية على جبهتين؛ الأولى: المسيحية، أو التدين عموما، في عالم غربي ينسلخ من قشرته، والثانية: الخلاف بين الأرثوذكسية والكاثوليكية منذ عصر الفاشية 1054".
وبحسب التشانينوف؛ فإن بوتين "يريد أن يظهر في مظهر المصلح الكبير، الذي يعمل على إصلاح ما أفسده الدهر منذ زمن".
وأما عن مصلحة الفاتيكان من هذا التقارب؛ فأوضحت الصحيفة أنه منذ انتهاء الحرب الباردة؛ لم يتوقف الفاتيكان عن محاولاته التفاوض مع موسكو، وهذا ما كتبه المختص في الفاتيكان كونستانس كولونا - سيزاري، في كتابه "أسرار الدبلوماسية الفاتيكانية"، حيث قال: "أصبحت روسيا مركز العالم الجديد.. إمبراطورية بنّاءة يجب أن نمد يدنا إليها".
وأضافت أن تقارب الفاتيكان مع موسكو له أسباب دبلوماسية، تتمثل في إمكانية التدخل في سوريا بفضل علاقة موسكو بدمشق، كما تعد موسكو بامتلاكها حق الفيتو في مجلس الأمن؛ أبرز فاعل في الأزمة السورية.
وأشارت إلى أن البابا فرانسوا قال في شباط/ فبراير 2016، في محاولة منه لتجنب الدخول في الصراع العربي، إن "روسيا باستطاعتها تقديم الكثير للسلام العالمي"، مضيفة أن "الكرملن والفاتيكان اتخذا من هجرة المسيحيين المشرقيين تحديا كبيرا بالنسبة لهما، كما أنهما يعتبران أن نظام حزب البعث في فترة حكم صدام حسين وبشار الأسد، قد وفر بشكل دائم ضمانات سياسية للأقلية المسيحية من بين غالبية مسلمة.
وقالت الصحيفة إن "تقارب الطرفين ينطلق من منطقين مختلفين، ذلك أن روسيا لو لم تضغط على
الكنيسة الأرثوذكسية الروسية؛ لما صار هذا اللقاء بين البطريرك كيريل والبابا فرانسوا، فلروسيا مصلحة في هذا اللقاء".
وأضافت أن منطق الفاتيكان في علاقته بموسكو؛ يستند على نظريتين؛ الأولى دينية، "فمنذ سنة 1965 والكنيسة الكاثوليكية تبحث عن سبل التوفيق بين باقي الكنائس المسيحية؛ البروتستانتية والأرثوذكسية، وقد تحقق هذا وتحسنت العلاقات على جميع الأصعدة؛ إلا مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية".
وتابعت: "أما النظرية الثانية بالنسبة للفاتيكان؛ فهي أخلاقية سياسية، فبعد سقوط جدار برلين، سرعان ما عادت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والفاتيكان، فقد وجد كل معسكر غرضه في الطرف الثاني، وبدأ هذا التقارب مع البابا جون بول الثاني وبينيديكت السادس عشر، وتسارعت أكثر مع البابا فرانسوا".
وفي الختام؛ أكدت الصحيفة أن توظيف بوتين للكنيسة الأرثوذكسية لن يتكرر مع الكنيسة الكاثوليكية، "فلا يمكن لفرانسوا، أن يساند بوتين، ذلك أنه وريث جون بول الثاني الذي ساهم في الإطاحة بالشيوعية".