يتساءل الكاتب بيتر أوبورن في تقرير نشره موقع "ميدل إيست آي"، كيف يجب على المسلمين التصويت في استفتاء
الاتحاد الأوروبي؟ وكيف على المسلمين البريطانيين أن يصوتوا في استفتاء البقاء في الاتحاد الأوروبي أو الخروج منه؟ قائلا إنه "يصدمني ويقلقني أن أضطر لطرح هذا السؤال من الأساس".
ويقول أوبورون: "أعتقد أن السياسة البريطانية استفادت جدا من غياب قالب تصويت مبني على الدين، كما هو الحال في بلدان أخرى ولسنين طويلة، وللأسف، فإن المسلمين البريطانيين لا خيار أمامهم سوى أن يسألوا أنفسهم إن كان آمنا لهم البقاء في الاتحاد الأوروبي، الذي يسيطر عليه بشكل مطرد الذين يحملون مشاعر
التعصب والكراهية ضد المسلمين".
ويشير التقرير إلى أن آخر مثال على هذا التوجه الخطير كان تعليق رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيكو قبل أسبوعين، الذي قال: "لا مكان للإسلام في سلوفاكيا"، حيث أوضح فيكو أنه لا يدعو إلى سلوفاكيا علمانية "فهو يريد أن يبقي المسلمين في الخارح، كجزء مما يبدو أنه حرب صليبية لأجل سلوفاكيا مسيحية، وبالتالي أوروبا مسيحية".
ويجد الكاتب أن "حديث فيكو لم يكن خروجا عن الطور، بل كان يعيد تعليقات قالها خلال حملة الانتخابات العامة في بداية العام، ويعتقد فيكو أن (التعددية الثقافية هي ضرب من الخيال)، ويقول إنه يراقب (كل مسلم في أراضيه) ويرفض قبول اللاجئين المسلمين ليكونوا جزءا من تقسيم الاتحاد الأوروبي".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هذا التوجه لا يبعث على القلق لذاته فقط، لكن لكون أهميته أكثر من كونها مسالة محلية؛ لأنه من المقرر أن يتسلم فيكو رئاسة الاتحاد الأوروبي خلال ثلاثة أسابيع، مشيرا إلى أنه خلال النصف الثاني من 2016 سيكون بيده توجيه الاتحاد الأوروبي، وسيعمل على اتخاذ القرارات والتشريعات، ويضبط النغمة للاتحاد الأوروبي بشكل عام.
ويعلق أوبورون قائلا: "لو أردنا التعبير بشكل آخر، يمكننا القول بأنه ومن تاريخ 1 تموز/ يوليو، سيكون الشخص المشرف على الاتحاد الأوروبي متعصبا ضد الإسلام، ومصمما على إبقاء المسلمين خارج بلده".
ويضيف الكاتب أنه "من المفروض أن يتسبب هذا الأمر بغضب ونفور داخل الاتحاد الأوروبي، لكن لم يكن هذا هو الحال، ومن المدهش أن قوله (لا مكان للإسلام في سلوفاكيا) قوبل بصمت غريب، ولم يكن هناك أي شكوى من أنجيلا ميركل، ولا من فرانسوا هولاند، ولا من أي زعيم أوروبي بحسب علمي، كما أن ديفيد
كاميرون لم يعلق بشيء".
ويتابع أوبورون قائلا: "أنا متأكد بأن رئيس الوزراء البريطاني لا يبدي تعاطفا تجاه آراء فيكو، لكن، لا ننسى عندما اتهم كاميرون المسلمين بالتعاطف مع تنظيم الدولة في (القمة الأمنية) في براتيسلافا، وكان يقف بجانب فيكو".
ويرى الكاتب أن "هذا الصمت الجماعي من قيادة الاتحاد الأوروبي مزعج جدا، فلا يحتاج الشخص إلا أن يتخيل عبارات الشجب التي ستصب على رأس فيكو، لو قال مثلا إن اليهود أو المثليين أو الغجر، أو أي أقلية أخرى، لا مكان لهم في بلده، هذا الفشل الجماعي في شجب فيكو يجعل الزعماء الأوروبيين الآخرين متواطئين أخلاقيا مع فيكو في تشدقه ضد المسلمين".
ويجد أوبورون أن "تعليقات فيكو هي مجرد عرض لمشكلة أوروبية شاملة، حيث إن مستقبل المسلمين في أجزاء كبيرة من أوروبا يبدو مظلما، وكان الرئيس التشيكي ميلوز زيمان ادعى بأن دمج المسلمين في المجتمع الغربي أمر (مستحيل عمليا)، وعبر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان عن معارضته لدخول اللاجئين؛ لأنه يريد أن تبقى أوروبا مسيحية، وفي النمسا كان حزب الحرية النمساوي اليميني المتطرف والمعادي للمسلمين قد اقترب جدا من الوصول للسلطة في الانتخابات التي أجريت قريبا".
ويقول الكاتب: "علينا الأخذ بعين الاعتبار أن هناك أعضاء برلمان أوروبي تابعين للتيار اليميني (عندما تجمع غولدن دون وغريت وايلدرز من حزب الحرية الهولندي والجبهة القومية الفرنسية والديمقراطيين السويديين) أكثر من عدد أعضاء البرلمان الأوروبي البريطانيين من حزبي العمال والمحافظين معا".
ويضيف أوبورون أنه "يجب أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار أن مارين لوبن، التي قارنت بين صلاة المسلمين في شوارع فرنسا بالاحتلال النازي لفرنسا، في طريقها لتحقيق أداء جيد في انتخابات الرئاسة العام المقبل، كما يجب التذكر أن البديل لألمانيا (أي إف دي)، وهي مجموعة كان المحافظون متحالفين معها حتى وقت قريب في البرلمان الأوروبي، تبنت برنامجا انتخابيا معاديا للإسلام لانتخابات ألمانيا السنة القادمة".
وينوه التقرير إلى أن معاداة السامية كانت على مدى الألف سنة الماضية، وربما أكثر، هي الخطيئة الأصلية لأوروبا، حيث ارتكبت المذابح ضد اليهود والتمييز، وتم عزلهم في غيتوهات، وتوجت تلك الجرائم المحرقة النازية، مشيرا إلى أن "معاداة السامية لا تزال اليوم موجودة ومشكلة وشرا يحيق بنا، (لو فكرنا فقط في تاريخ الجبهة الوطنية الفرنسية أو حزب الحرية النمساوي) ويجب علينا أن نكون متنبهين دائما، لكن التعصب ضد المسلمين أيضا بدأ يلوح برأسه وبخبث حقيقي".
ويفيد الموقع بأن "هذا التعصب أصبح منتشرا، إلى درجة أنه أصبح متوقعا، وهذا ما يعكسه الصمت الرهيب تجاه تصريحات فيكو".
ويقول الكاتب: "عودة إلى السؤال الذي طرحته في بداية التقرير، فإنه يجب الاعتراف مباشرة بأن هناك عناصر مقلقة في معسكر المؤيدين لمغادرة الاتحاد الاوروبي، فمن أبرز الشخصيات التي تدعو إلى ترك الاتحاد اللورد المستشار مايكل غوف، وهو من أشد منتقدي المسلمين من المسؤولين الكبار، وإن لم يكن قال أي شيء ضد المسلمين بما يقارب روبرت فيكو، إلا أنه واحد من مجموعة صغيرة حول ديفيد كاميرون، زينوا له استراتيجية التطرف غير العنيف، التي تحولت إلى استراتيجية (برفنت)، التي تسببت بدورها بأذى كبير للعلاقات المجتمعية".
ويذكر أوبورون أنه "في الوقت ذاته، فإن هناك حزب الاستقلال البريطاني بزعامة نايجل فرج، الذي يثير الكراهية ضد المسلمين، ولم يشجب غوف ولا فرج تصريحات فيكو المثيرة للاشمئزاز أكثر مما فعل ديفيد كاميرون أو أنجيلا ميركل، وللمسلمين الحق في التشكك بكليهما، ومع ذلك، فإننا في
بريطانيا تحمينا القوانين، حيث لا نزال بلدا جيدا متسامحا، وهذا هو السبب بأنه في تاريخ البلد لم ينتخب أي عضو للبرلمان يمثل حزبا فاشيا، ولدينا تقليد تاريخي في بريطانيا يسمى السيادة البرلمانية، وهو ما يعني أن بإمكاننا انتخاب قياداتنا ثم نسائلها، وعندما نمل منها نطردها".
وبحسب الكاتب، فإن "المشكلة أن الشعب البريطاني لا يستطيع قول لا لفيكو؛ لأنه لم ينتخبه، ولا نستطيع التصويت لإخراجه، وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن هذا المتعصب المثير للاشمئزاز سيكون رئيسا لأوروبا على مدى الستة أشهر القادمة".
ويقول أوبورون إن "هناك شيئا مظلما يعمل عبر القارة، ولنضع في بالنا أن اليورو يعمل بصفته آلة تدمير كبيرة للوظائف، تقوم بتدمير صناعات بأكملها، بل اقتصادات دول بأكملها، وفي هذه الظروف الصعبة اقتصاديا يزدهر التعصب، وينتعش السياسيون، مثل فيكو ووايلدرز وأوربان وغيرهم".
ويضيف الكاتب: "أظن أنه لذلك يؤيد كثير من السياسيين المسلمين البريطانيين بريكسيت (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، ويريد زعيم المحافظين الأوروبيين سيد كمال، ومعظم كبار السياسيين المنتخبين في بروكسل، أن تنسحب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكذلك نصرت غني أول عضو برلمان مسلمة عن حزب المحافظين، أما سعيدة وارسي أول وزيرة مسلمة في حكومة المحافظين فهي تؤيد البقاء، وكذلك نديم الزهاوي، اللاجئ العراقي الذي أصبح تاجرا وعضو برلمان عن حزب المحافظين".
ويواصل أوبورون قائلا: "كما قلت في البداية، فإنه يجب ألا يكون للدين أية علاقة في الخيارات السياسية في الديمقراطيات الحديثة، وللأسف لا يستطيع
المسلمون الأخذ بالحسبان الاعتبارات العلمانية فقط في هذه الأجواء، إنهم يعرفون أن أجزاء من أوروبا تتجه اتجاها بشعا".
ويخلص أوبورون إلى أنه "ينبغي على المسلمين التفكير مليا في الوقت الذي يجهزون فيه أنفسهم للتصويت على الاستفتاء حول بقاء بريطانيا في عضوية الاتحاد الأوروبي يوم 23 حزيران/ يونيو 2016".