فاق مجموع الموازنات
المالية في
العراق، منذ عام 2003، 918 مليار دولار، حيث تتصدر احتياجات الأمن والدفاع أبواب الموازنات، وسط اتهامات وجهها أعضاء في مجلس نواب ومختصون إلى الحكومات المتعاقبة بسبب "سوء" إدارتها.
ويقول مستشار الحكومة للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، في حديث لـ"
عربي21"، إن 85 في المئة من تقديرات الموازنات الاتحادية لم تتحقق، نتيجة المبالغة أو عدم الكفاءة، مشددا على ضرورة خلق إدارة مالية رصينة لتحسين الطريقة "البائسة والمتخلفة" في التقديرات، والاتفاق مع حكومة إقليم كردستان بشأن كمية
النفط التي يمكنها تصديرها.
ويرى صالح أن "المشكلة تكمن في كمية النفط المصدرة من إقليم كردستان التي ما تزال خاضعة للمفاوضات حتى الآن"، مشيرا إلى أن "تقديرات تصدير النفط التي تُذكر بالموازنات الاتحادية تُبنى على خطط إنتاج أو تصدير قد لا تتطابق مع الواقع أحياناً، كما أن قسماً منها يبنى على تقديرات تصدير نفط الإقليم"، وفق قوله.
ويقر المستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة حيدر لعبادي؛ بأن "الحكومة لم تكن قادرة على تحقيق تقديرات الأرقام بالموازنات الاتحادية منذ عام 2006 وحتى الآن"، مؤكدا أن "85 في المئة من تلك التقديرات لم تتحقق، إما لوجود مبالغة فيها أو لأنها غير صحيحة، لعدم كفاءة التقدير، نتيجة تعاقب الإدارات المالية".
ويوضح صالح أن "الإدارة المالية لم تستقر، ولم تكن تُدار بموجب فهم أو عقلية واحدة طيلة السنوات العشر الماضية".
وأضاف أن "الابتعاد عن اضطرابات التقدير بأرقام التصدير في الموازنات يتطلب خلق إدارة مالية رصينة لتحسين الطريقة البائسة والمتخلفة بالتقديرات، وأن تتوصل الحكومة لاتفاق بشأن كمية النفط المصدرة من إقليم كردستان".
وبلغت ميزانية العراق في العام 2003 حدود 14 مليار دولار، فيما ارتفعت في العام 2004 إلى 18 مليار دولار، وفي العام 2005 كانت الميزانية المالية بحدود 26 مليار دولار، أما في العام 2006 فكانت بحدود 34 مليار دولار، وفي العام 2007 قفزت إلى 42 مليار دولار، وفي العام 2008 وصلت إلى 70 مليار دولار، وفي العام 2009 كانت 74 مليار دولار، وفي العام 2010 زادت بواقع مليار دولار فقط لتصبح 75 مليار دولار، أما في العام 2011 فكانت بحدود 84 مليار دولار، وفي العام 2012 بلغت 101 مليار دولار، وفي العام 2013 كانت ميزانية العراق 120 مليار دولار، وفي العام 2014 وصلت إلى 150.1 مليار دولار وهي الأعلى، وتراجعت الميزانية في العام 2015 لتصبح 105 مليارات دولار، وبسبب الظرف الراهن للعراق تراجعت ميزانيته لتصبح 95 مليار دولار، وبعجز متوقع يبلغ نحو 20.5 مليار دولار.
وتقول عضو اللجنة المالية في مجلس النواب، نجيبة نجيب، لـ"
عربي21"، إن
الموازنة تعبر عن رؤية الحكومة، في حين أن بإمكان البرلمان أن يخفض إجمالي مبلغ الموازنة والمناقلة بين أبوابها ويراقب تطبيقها، بحسب الدستور.
وتضيف نجيب أن "اللجنة المالية دائما ما تعترض على الأرقام النفطية في الموازنة خاصة في أعوام 2014 و2015 و2016، سواء على صعيد الإنتاج أو التصدير أو السعر". واقترحت أن تكون كمية التصدير في الميزانية بحسب الإنتاج الفعلي للنفط، "لا أن تتخيل وتتوقع".
وأعربت نجيب عن أسفها لأن "وزارة النفط وغيرها من الجهات المعنية، بما فيها البرلمان، لم تأخذ باعتراضات اللجنة ومقترحاتها".
وقالت: "الحكومة تعمدت ذلك لتكون سمعة الاقتصاد العراقي جيدة على الصعيد الدولي"، مشيرة إلى "عدم زيادة عجز الموازنة لحفظ ماء الوجه أمام الشعب".
ويحمّل المحلل الاقتصادي فؤاد رحيمة؛ الحكومات السابقة والحالية، والكتل السياسية أيضا، مسؤولية التخبط بالموازنات.
وبقول لـ"
عربي21"؛ إن "العراق لم يشرع بموازنات اقتصادية تنموية إنما موازنات سياسية".
وأوضح أن "مساومات الكتل هي من تفرض إرادتها على الموازنات، من خلال مبدأ وافق لنا على هذا الرقم نوافق لكم على ذلك الرقم، وهو مبدأ لطالما كان حاكماً ورئيساً سواء خلال السنوات السابقة أم حالياً"، كما قال.
ويؤكد رحيمة أن "الفاسدين هم المستفيدون من وضع أرقام غير دقيقة، وأكثر من المتوقع فعلاً في الموازنات، لأنهم يتحينون الفرص لرغبتهم بعدم تقديم حسابات ختامية أو موازنات دقيقة، خاصة أن ما حققه النفط من إيرادات كبيرة للعراق في العامين الماضيين لم يوازي أي إنجاز على أرض الواقع، بل على العكس، وهو ما دفع ثمنه المواطن".
إلى ذلك، يرى المحلل المالي ماجد فوزان أنه في ظل ما تنتهجه الحكومات العراقية منذ العام 2003 حتى الآن، من قرارات وآليات بشأن الموازنات المالية، لم ينم العراق لا اقتصاديا ولا اجتماعيا، ولا حتى أمنيا، بسبب "أنه لا قيمة للعدالة إذا ما لم تخلق كفاءة ونموا حقيقيا"، وفق تعبيره.
ويؤكد فوزان في حديث لـ"
عربي21" أن هناك ما يقارب الـ9 آلاف مشروع قائمة منذ العام 2003 حتى الآن، وقيمتها الإجمالية تتجاوز الـ250 مليار دولار، لكن ما هو منجز منها لا يتجاوز 400 مشروع فقط، والمتبقي متوقف أو ألغي بسبب
فساد أو تلكؤ في العمل، "ما تسبب بظهور بطالة مقنعة وصلت نسبتها حتى اليوم إلى 24 في المئة".
كما أن مستوى المعيشة، وبحسب فوزان، لم يرق إلى مستوى الطموح، فضلا عن أن الوضع الأمني في تدهور مستمر، "لذا فإن هذه النسب المتدنية والكبيرة مقارنة بما يخصص في كل عام"، تثير الكثير من الأسئلة والاستفهام عن مصير مبالغ الموازنات، بحسب فوزان.
ويشدد المحلل المالي على ضرورة "وجود حكومة تكنوقراط تعيد ضبط الاقتصاد على أسس علمية سليمة، لتكون الموازنات حقيقية وغير عبثية، وأن يسحب السياسيون أيديهم من الضغط على الموازنات والملف الاقتصادي عامة".