طالب الإعلامي والكاتب الصحفي
المصري، رئيس تحرير صحيفة "صوت الأمة"، عبد الحليم قنديل، رئيس الانقلاب
عبد الفتاح السيسي، بالشروع في "جبر ضرر شامل لكل ضحايا الصراع السياسي في مصر منذ ثورة 25 يناير 2011 وإلى اليوم، دون استثناء ولا تمييز سياسي، ودون تفرقة بين دم
الإخوان ودم غيرهم، اللهم إلا في حالات التلبس بالإرهاب الصريح الدموي المباشر، ورفع السلاح الذي يوجب العقاب بالسلاح"، على حد تعبيره.
جاء ذلك في مقال نشره "قنديل" بالعدد الصادر هذا الأسبوع من الصحيفة تحت عنوان "نهاية 30 يونيو".
وتأتي أهمية هذه الدعوة في استباقها حلول الذكرى الثالثة للانقلاب العسكري الدموي، الذي تزعمه السيسي في الثالث من تموز/ يوليو 2013، يوم غد الأحد.
وفي إطار تلك الدعوة طالب قنديل "السيسي" أيضا "بتطبيق المعنى نفسه في حالات الاحتجاز أو الاعتقال السياسي، وإخلاء سبيل عشرات الألوف من المحتجزين في تهم العنف والإرهاب المباشر، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، وبينها قانون التظاهر المطعون عليه دستوريا، الذي تتلكأ السلطات في تعديله، وإلغاء عقوبات الحبس فيه"، بحسب قوله.
لا إغلاق لملفات الدم
ورأى قنديل في مقاله أنه يمكن تلخيص "بدء حكم جديد، تراكم حصاده في عامين إلى الآن من حكم السيسي"، في عبارة "إنجاز هائل وفساد مهول"، مستدركا: "وإن كان التلخيص لا يغلق الباب على جراح أخرى دامية، فقد جرى دهس الحريات العامة، وامتلأت السجون بعشرات الألوف من المعتقلين أو المحتجزين السياسيين، إضافة لدماء كثيرة سالت، سواء في "صدام" فض اعتصام ميدان "رابعة"، أو في وقائع الحرب المتصلة ضد جماعات الإرهاب".
وشدد الكاتب على أن أحوال السلامة العامة البادية في مصر لا تعني ولا تجيز إغلاق ملفات الدم، فقد لا يأسى بلد بل يفتخر على شهدائه في الحروب العادلة لتصفية جماعات الإرهاب، ومصر قادرة في كل الأحوال على هزيمة الإرهاب، لكن الضمير الوطني الجمعي لا يبدو مستريحا تماما، ويبدو مؤرقا بصدد وقائع دم أخرى هي بطبيعتها بنت الصراع السياسي.
وضرب "قنديل" مثلا بما في فض اعتصامي ميداني "رابعة" و"النهضة"، دون تحقيق جدي لمعرفة ما جرى بالضبط، ولا إجراء محاكمات عادلة تقتص للدم المراق، ولا حتى "جبر ضرر" الضحايا وأسرهم، كما أوصى تقرير لجنة تقصي الحقائق برئاسة القاضي الدولي فؤاد رياض، وكما يوجب الدستور نفسه في نص المادة "241" الخاصة بالعدالة الانتقالية"، على حد قوله.
وأضاف: "لا تصح التفرقة في الدم عقلا، ولا دينا، ودم المصريين المسالمين كله حرام".
التحالف الأسود بين "جماعة الأمن" و"جماعة البيزنس"
وحذر رئيس تحرير "صوت الأمة" من القيود التي يفرضها "تحالف مرئي بين "جماعة الأمن" و"جماعة البيزنس"، وهو التحالف الأسود الذي يملأ فراغ السياسة بالمقاولات، ويستولي على "الميني برلمان" المنتخب من "ميني شعب"، ويستعد لتكرار التجربة ذاتها في انتخابات المحليات الوشيكة، والمحصلة هي انسداد الأفق، وضياع الدستور الجديد، والتراجع في معدلات شعبية الرئيس السيسي الذي يحكم استنادا إلى قوة الجيش وانضباطه وكفاءته، ويستعين بهيئاته لتحقيق إنجازات تبدو طفرية"، وفق وصفه.
واستدرك قنديل: "لكنها (أي الإنجازات) بعيدة عن العين والقلب، ولا تؤثر مباشرة في حياة الناس بطبع "البنية الأساسية" الغالب عليها، فيما لا يجد الناس في حياتهم اليومية إلا جحيما متصلا، في أوضاع الاقتصاد بالذات، مع إغراق البلد في الديون، ومع تدهور قيمة الجنيه وجنون المضاربات على الدولار، ومع تضاعف معدلات تزايد الغلاء كل صباح ومساء، والفساد المتفشي في دواوين الحكومة والجهاز الإداري والأمني، وتحيز قرارات حكم السيسي وحكوماته ضد الفقراء والطبقات الوسطى، وتواصل خطة خفض دعم الدولة للطاقة والاحتياجات الأساسية".
وتابع الكاتب: "قد لا ينكر الناس توافر إمدادات الكهرباء بفضل تطوير وتجديد وإضافة محطات الطاقة، لكن أسعار الكهرباء والمياه زادت مرات، ومرشحة للزيادة أكثر مع جنون الغلاء اليومي في أسعار السلع الضرورية، وتآكل القيمة الفعلية للأجور المنخفضة أصلا، مع تفاقم معدلات الفقر والبطالة والعنوسة والمرض والفساد".
صدق شعور الناس بالعودة إلى الخلف
وعلق "قنديل" على تلك الأوضاع بالقول: "كلها مع غيرها أمارات على صدق شعور الناس بالعودة إلى الخلف، وعودة التسلط إلى اختيارات مرفوضة، قامت الثورة ضدها، وعودة الفلول إلى التحكم تحت عباءة السيسي، بينما تسود الفوضى في الاختيارات الداخلية، فلا شيء يبدو حيا سوى الإنجازات المدعومة من الجيش، بينما تترك بقية أجهزة الدولة على عفنها الموروث من أيام المخلوع مبارك، ويزداد الأغنياء ثراء، ويزداد الفقراء تعاسة، في بلد يعاني أفدح اختلالات توزيع الثروة".
وأردف أن "واحدا بالمائة من الناس يملكون نصف إجمالي الثروة، وتسعة بالمائة يملكون الربع، بينما لا يتبقى لتسعين بالمائة من المصريين سوى ربع الثروة الباقي، دون أن تجرى إصلاحات من أي نوع، ولا مبادرة حقيقية لكنس إمبراطورية الفساد التي تحكم وتعظ، ولا الإقرار بالحد الأدنى من العدالة، وتوزيع الأعباء، ولا الأخذ "من كل برغوت على قد دمه" كما يقول المثل الشعبي المصري".
وأضاف: "بل يجري التجبر على الفقراء والطبقات الوسطى، ولا يجري الأخذ بالضرائب التصاعدية المعمول بها في رأسماليات الدنيا كلها، بل يتم تخفيض الضرائب على الأغنياء، برغم الأزمة الاقتصادية المخيفة، وإلغاء الضريبة الاجتماعية وضرائب البورصة، وخفض الحد الأقصى للضرائب إلى 5,22% لا غير، فوق أحمال الفساد المضافة بالتهرب من الضرائب والتهرب من الجمارك، ثم لا يكون من حل عند الحكم سوى إلغاء الدعم، وإشعال الأسعار، وتحويل حياة الفقراء والطبقات الوسطى إلى جحيم لا يحتمل".
واختتم "عبد الحليم قنديل" مقاله بالقول: "هذا هو الخطر الاجتماعي الذي يهدد بنسف ما جرى بعد 30 يونيو 2013 وإلى الآن، وإنهاء سيرته، ما لم يجر إصلاح جذري عاجل توقيا للطوفان".
وشدد على أن "غضب المجتمع قادم بعد إغلاق السبل على غضب السياسة وثورتها"، وفق وصفه.