تمثل كل الشبهات حول شبهات إهدار المال العام لصفقة شركة
تونس للاتصالات بدفع واضح من الشريك الإماراتي لاقتناء شركة Go Malta، والتي يملكها الشريك الإماراتي نفسه، هذه الشبهات التي كشفتها بعض المواقع الإعلامية (خاصة موقع "نواة") آخر المؤشرات على فشل الدولة تحت حكم السبسي. لكن إلى الآن بقي الموضوع مهمشا لسبب أساسي وهو أن المنشأة العمومية التونسية تدفع مبالغ كبيرة للإشهار في معظم وسائل الإعلام التونسي، وهو ما يمثل ضغطا ضمنيا عليها للحديث في الموضوع.
تم تقديم الرئيس المدير العام لشركة تونس للاتصالات في الواجهة واختفى في المقابل الوزير المسؤول عن الشركة، أي وزير تكنولوجيا المعلومات والاتصال. لنأخذ أهم حجج المتحدث باسم الشركة واحدة واحدة.
أولا، حجة أن هذا مناسب للتوسع الاستراتيجي للشركة. إذ أكد المدير العام لشركة اتصالات تونس أن الاقتناء هو جزء من استراتيجية اتصالات تونس التي شملت محور التوسع الدولي لعدة سنوات، مشيرا إلى أن المشغل المالطي خلق فرصة تناسب الاتجاهات الاستراتيجية (القرب الجغرافي والثقافي الذي يسمح بالانسجام على حد قوله). لكن الخطة الاستراتيجية لشركة الاتصالات التونسية الأكثر حداثة والتي أنجزها في عام 2016 المكتب الدولي للاستشارات" آرثر دي ليتل" تنص على أن الهدف الاستراتيجي لاتصالات تونس هو أن تصبح أول مشغل رقمي في تونس بحلول عام 2020 وليس هناك أي إشارة على التوسع خارج تونس.
ثانيا، أن التوسع الدولي هو الاستراتيجية التي تهدف إلى تطوير شركة تونس للاتصالات لزيادة حجمها مع الهدف النهائي المتمثل في أن تصبح المشغل الرئيسي لجنوب البحر الأبيض المتوسط. هنا السؤال: كيف يمكن للمشغل التونسي والذي يقارب حجمه أكثر من خمسة ملايين ونصف المليون مشترك (الخطوط الثابتة والمتنقلة) بصفقة مع مشغل مالطي لا يزيد حجمه على خمسمائة ألف مشترك بين الهاتف الثابت والمحمول؟ هل أن إضافة 10% من حجم تونس للاتصالات سيجعلها تصبح طرفا رئيسيا في جنوب البحر الأبيض المتوسط، في حين أن ذلك لا يحسن بجدية حتى تنافسيتها مع منافسيها الرئيسيين في السوق المحلي التونسي؟
ثالثا، أوضح المتحدث أيضا أن الصفقة تمكن شركة تونس للاتصالات من الاستمتاع بمركز كفاءة مالطي من أجل توفير المزيد من المنتجات والخدمات الأخرى، والاستفادة من هذا الاندماج لتطوير هذه الخدمات في تونس، وقال إن المشغل هو في مرحلة النضج، ويولد الأرباح في مالطا وقبرص. لكن لا نشتري مشغلا جديدا فقط لتطوير محتوى الوسائط المتعددة، عقد بسيط مع شركة تقدم هذه الخدمة يلبي إلى حد كبير هذه الحاجة، كما أن ما يسمى بـ"اللعب الرباعي" ("مربع" خدمات يوفر الوصول إلى الإنترنت، والهاتف الثابت والتلفزيون والهواتف المحمولة) لا يستجيب لخصوصيات تونس الفنية واللوجستية خاصة أن الكثير منها متوفر بطريقة القرصنة بشكل شائع.
رابعا، أشار أخيرا إلى أن الصفقة خيار استراتيجي تم فيها بدقة اتباع الإجراءات القانونية الأكثر تقدما، وتمت المصادقة عليها مثل أي شركة مساهمة عامة من قبل CAREP (أين يقرر وزراء ومسؤولون في الدولة أي عمليات بيع أو شراء كبرى تخص المنشآت العمومية)، مع استشارة مختلف الشركات العالمية الشهيرة لإجراء عمليات التدقيق وتقديم مشروع القرار للتصويت في مجلس الذي لم تحسب المخرجين الإماراتيين حتى لا يكون هناك أي تضارب في المصالح. لكن تضارب المصالح صارخ في هذه الحالة، إذ إن الشريك الإماراتي موجود في قوة في مختلف نواحي الصفقة. من ممثليها في تونس للاتصالات (المدير العام المساعد، المدير التجاري، المدير المالي)، بنك استشاري للشريك الإماراتي (كريدي سويس) الذي نصح وأعطى الائتمان، وتأثيرها على الشركة المالطية حيث هو الشريك الأغلبي (60% من الأسهم) لتمرير العرض المقدم من شركة الاتصالات التونسية. ومن جهة أخرى وجود مؤشرات قوية على تأثير أحد أحزاب الحكم، أي حزب آفاق من خلال وزير الاتصالات له الذي يمثل الدولة وحصتها 35% في شركة تونس للاتصالات، وزير الاستثمار الذي هو المدير التنفيذي للجنة الذي أعد التقرير المقدم إلى CAREP للتصويت لشراء العودة مالطا. أخيرا رئيس المجلس الوطني للحزب الذي يدير بنفسه شركة "ديلويت تونس" التي قدمت الاستشارة لشركة تونس للاتصالات لشراء الشركة المالطية.
الحقيقة أن وزراء حزب آفاق تحديدا مسؤولون بشكل مباشر على صفقة شركة تونس للاتصالات والتي تحوم حولها شبهات واضحة في إهدار المال العام من خلال توريط بلادنا في قرض لا يمكن أن تتحمل مسؤوليته شركة تونس للاتصالات وستوضع الدولة في وضع حرج وعليها أن تستزف المزيد من احتياطي العملة الصعبة لدفع القرض الذي يمكن أن يصل إلى 300 مليون يورو حيث سيكون عليها ربما التدخل لإنقاذ مؤسسة عمومية تشغل آلاف الموظفين والمهندسين.
وفي النهاية، الطرف المستفيد الأساسي من هذه الصفقة هو الشركة الإماراتية التي لم تضف أساسا أي شيء لشركة تونس للاتصالات، إذ هي فرع من شركة "دبي هولدينغ" المختصة في العقارات أساسا، ولهذا فهي تخطط للانسحاب قريبا من سوق الاتصالات. هذا واضح خاصة أن شركة تونس للاتصالات لم يكن في خطتها الاستراتيجية 2016-2020 أي توجه نحو التدويل أو التوسع خارج السوق التونسية.
مسؤوليتهم كانت واضحة خاصة في اجتماع CAREP حيث كانوا الأكثر حماسا في الدفاع عن عملية الشراء، ولو أن ذلك لا يخلي بقية من حضر في هذا الاجتماع ووافق على الصفقة من المسؤولية. لكن يبقى وزير التكنولوجيا والاتصال ووزير التعاون الدولي المسؤولين المباشرين عن هذا الملف. بالمناسبة خلال نقاش "القانون الانتخابي" كان نواب حزب آفاق الأكثر حماسا لرفع السقف حول الإنفاق الانتخابي.