هاجم الداعية السعودي الشيخ ربيع
المدخلي بشدة، الإخوان المسلمين في
ليبيا، ووصفهم بأنهم "أكذب الفرق بعد الروافض؛ عندهم وحدة أديان، ووحدة الوجود، وعندهم علمانية" بحسب البيان الذي وجهه للمسلمين عموما، والسلفيين خاصة في ليبيا، ليلة الأحد الثامن والعشرين من شهر رمضان المنصرم.
وحثَّ المدخلي سلفيي ليبيا على "نصرة دين الله تعالى وحمايته من الإخوان المسلمين وغيرهم"، لأنهم "يلبسون لباس الإسلام وهم أشد على السلفيين من اليهود والنصارى، داعش تربت في إيران، وهم فصيل من فصائل الإخوان، وهم أشد الأحزاب على السلفيين يكفرونهم ويقتلونهم"، على حد قوله.
ووفقا لمراقبين ومحللين، فإن المدخلي في رسالته التي هاجم فيها إخوان ليبيا بشدة، ودعا سلفيي ليبيا للالتفاف "لصد عدوان الإخوان المفلسين، وعدم تمكينهم من بنغازي" يكون قد اختار الوقوف إلى جانب التمرد الذي يتزعمه اللواء خليفة حفتر، المتزعم للثورة المضادة في ليبيا المناهضة للثورة الليبية.
أثار موقف المدخلي جملة من التساؤلات القلقة حول دوافعه في تهجمه على إخوان ليبيا، ما يفهم منه مناصرته للقوى المناهضة لهم والتي يتزعمها رجل علماني. فما هي الرؤية التي يصدر عنها المدخلي والتي أنزلت الإخوان منزلة العدو الأخطر على السلفيين "والأشد عليهم من اليهود والنصارى"، بحسب عبارته؟
موقف متوقع وغير مستغرب
لم يستغرب الكاتب السعودي سلطان الجميري موقف الشيخ المدخلي السابق، ورأى أنه يتساوق مع مسيرته ومواقفه السابقة، فهو "يقف مع الحاكم على طول الخط"، لافتا إلى أنه وقف مع القذافي من قبل، والآن يقف مع حفتر المتزعم للثورة المضادة في ليبيا.
وجوابا عن سؤال "
عربي21" حول موقف المدخلي المبغض للإخوان المسلمين، قال الجميري: "الإخوان المسلمون يحتلون المرتبة الأولى في قائمة الأعداء لديه، وربما قبل الشيطان"، فعداوته لهم معروفة ومشهورة. وله أقوال قاسية، وكتابات شديدة في مهاجمتهم والطعن بهم.
ولفت الجميري إلى أن المدخلي الذي وصفه بـ"زعيم الجامية" في السعودية ليس له حضور في بلده، لكن أتباع بعض الاتجاهات السلفية في ليبيا يحبونه، ويعتقدون أن له وزنا وحضورا في السعودية، وهو ليس كذلك.
يشار في هذا السياق إلى أن "الجامية" تُنسب إلى الدكتور الأريتريّ الأصل محمد أمان الجامي، الذي هاجر من بلده إلى السعودية في خمسينيات القرن الماضي، لتلقي العلم الشرعي على أيدي علمائها الكبار، ويُعرف عنه اطلاعه على الفنون الشرعية المختلفة، وتخصصه في العقيدة الإسلامية.
ظهر الشيخ الجامي بصورة لافتة على مسرح الأحداث في السعودية، إبان حرب الخليج الثانية سنة 1990، حينما تصدى بشكل علني وشديد للدعاة والشيوخ الذين استنكروا الاستعانة بالقوات الأجنبية لمواجهة قوات الرئيس العراقي صدام حسين بعد احتلالها الكويت.
وعُرف عن الجامي مهاجمته الشديدة للحركات الإسلامية، ومهادنته للأنظمة السياسية ودعوته الصارمة لطاعتها وتحريم الخروج عليها. وبعد وفاة الجامي عام 1995 خلفه في زعامة "التيار الجامي" الشيخ السعودي ربيع المدخلي.
ووفقا للداعية والباحث الشرعي الأردني، جمال الباشا، فإن الشيخ ربيع المدخلي عُرف هو الآخر بشدته وقسوته في مهاجمة الجماعات والحركات الإسلامية، كالإخوان والتبليغ والاتجاهات السلفية الأخرى، وألف عدة كتب ورسائل في مهاجمة سيد قطب خاصة، رماه فيها بأقذع الأوصاف الطاعنة في دينه، والخادشة لعقيدته.
وردا على سؤال "
عربي21" حول دوافع المدخلي في مهاجمته للحركات الإسلامية عموما، والإخوان خصوصا، كما في خطابه الأخير الموجه لسلفيي ليبيا، أرجع الباشا تلك الدوافع إلى جملة من الأسباب المنهجية والعلمية والنفسية، مع عدم غياب العوامل السياسية عن ما يجري خاصة في الأحداث الجارية حاليا في ليبيا.
واستهجن الباشا مثل هذه المواقف من علماء وفقهاء ودعاة، حينما يختارون الوقوف إلى جانب قوى واتجاهات يتزعمها علمانيون مستبدون، يحاربون الناس في حرياتهم وحقوقهم، متسائلا: "فهل بات الظالمون المستبدون أقرب إليهم من إخوانهم المسلمين، العاملين لنصرة الإسلام، مهما بلغت اختلافاتهم معهم؟".
ووصف الباشا موقف الشيخ المدخلي في مهاجمته للإخوان المسلمين في ليبيا، ومطالبته السلفيين هناك للتصدي لهم، بأنه انحياز للقوى والجهات التي تحاربهم، وهو ذات الموقف الذي تلبس به حزب النور السلفي في مصر حينما اختار الوقوف إلى جانب النظام الانقلابي ضد الإخوان المسلمين، فكلهم يصدرون عن رؤية واحدة، تهادن الظالمين المستبدين، وتخاصم الدعاة العاملين.
المدخلي وسلفيو ليبيا
لمن وجه الشيخ ربيع المدخلي نصائحه في ليبيا؟ وهل كل السلفيين هناك يأخذون بنصائحه ويقبلون بتوجيهاته؟ وهل هو يحظى بالاحترام والتقدير في أوساط السلفيين على اختلاف توجهاتهم؟
أجاب الداعية الليبي سالم الشيخي، بأن الاتجاهات السلفية في ليبيا ليست على خط واحد، فهناك السلفية العلمية التي يشتغل أصحابها بنشر العلم الشرعي، والدعوة إلى السنة النبوية، ولهم تعاون ملحوظ مع مؤسسات المجتمع المدني، والمؤسسات الدعوية والإصلاحية المختلفة، ولا صلة لهم بما كتبه المدخلي في نصائحه.
وأضاف الشيخي، أن "المدخلي وجه كلامه ونصائحه لمجموعة سلفية تعتبره الإمام الأكبر، فقوله عندهم معظم ولا يُرد، وفتاواه تعتبر في أوساطهم موجهات دينية وسياسية وعسكرية صارمة، وهم يقاتلون حاليا إلى جانب قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، قائد انقلاب (الكرامة)، وزعيم الثورة المضادة".
واعتبر الشيخي في حديثه لـ"
عربي21" أن تدخل المدخلي في الشأن الليبي ليس صحيحا من الناحية الدينية، لأن واجبه الديني يحتم عليه أن ينصح جميع الليبيين بوحدة الكلمة والاجتماع على ما فيه خير ليبيا، وحقن دماء الليبيين، لكنه اختار أن يوجه خطابه لتلك المجموعة من السلفيين، وكأنهم أمة وطائفة من دون الناس، وفي الوقت نفسه أعطى شرعية دينية للقتال إلى جانب قوات حفتر.
أما من الناحية السياسية، فهو تدخل في شأن ليبي داخلي مرفوض وغير مقبول أبدا، ومن الناحية الواقعية أثبت المدخلي أنه يتكلم في ما لا يدرك حقائقه كما هي على الأرض ولا يعرف تفاصيل ما يجري في ليبيا.
وحول ما قرأه في خطاب المدخلي الموجه إلى تلك المجموعة من سلفيي ليبيا، لفت الشيخي إلى أن هذا الخطاب بمثابة التحريض الأخير والتعبئة المعنوية لمجموعة "المداخلة" الذين يقاتلون إلى جانب حفتر، للالتفاف من جديد حول قيادته ومشروعه الذي يمر بمرحلة صعبة ربما يلفظ فيها أنفاسه الأخيرة في وقت قريب، على حد قوله.
ومن الجدير بالذكر، أن هيئة علماء ليبيا أصدرت بيانا ردت فيه على ما قاله ربيع المدخلي، ودعت الليبيين إلى "عدم اتباع ما ورد في هذا المنشور؛ لما فيه من التحريض المباشر وغير المباشر، ولمخالفته لشرع الله وواقع البلد".