الديكتاتور، كلاكيت مرة ثانية..
وكانت جمهورية بامبوزيا مثالا يحتذى به في تداول السلطة خصوصا بعد "موقعة الصينية المجيدة" (إطلاق رصاص على الرئيس من مسدس كان مخبأ داخل صينية الشاي) التي تولى بعدها الرئيس شنن قيادة الشعب البامبوزي البطل.
ونعمت بامبوزيا بالأمن والاستقرار بفضل قراراته الحكيمة وأهمها منع أي حد من الدخول عليه وهو شايل "صينية".
وصار شنن على نهج القادة العظماء المصلحين (على الحائط نستعرض صورا لهتلر وموسوليني).
في الثلاثين من يونيو من العام 2013، خرجت "الملايين" في "ثورة مجيدة"، لم تدم غير ساعات، وثقها مخرج الروائع الذي صار نائبا في برلمان الانقلاب، تتناقل هواتف الزملاء فيديوهاته الجنسية، في "انتقام" وضيع ممن سخروه بوقا للدعاية وعينا لتضخيم أعداد "
الحشود".
وفي الثالث من يوليو، أنهى زعيم الانقلاب "المسرحية" بمشهد أخير كان ختامه بيانا يدعو
المصريين للوحدة، كما بين المأمور حلمي في فيلم (مجانينو – 1993)، واعدا بخارطة طريق في سبيل الديمقراطية وتداول السلطة قبل أن ينتهي الوضع إلى ما عليه بامبوزيا فيلم (الديكتاتور- 2009).
كان واضحا أن زعيم الانقلاب قد عمد، منذ البدايات، إلى تنويم الشعب ومعه بعضا من "القوى" السياسية من منطلق ألا نية للعسكر في حكم البلاد، قبل أن يظهر ببذلته العسكرية معلنا ترشحه للانتخابات الرئاسية ضد الكومبارس – الضرورة، الوكيل الحصري للتراث الناصري والحالم بأي منصب سياسي وهو العالم ألا أمل لديه في مواجهة الإرادة الشعبية أيام الحكم المدني أو تحدي الدبابات العسكرية أيام الحكم العسكري.
معلش احنا بنتبهدل- 2005 – إخراج شريف مندور
في مقهى المعلم القرموطي، وعلى طاولة نرد يلعب المعلم، صاحب المقهى، في مواجهة الشخص الضرير عم سباعي.
يقترب صبي المقهى حدوتة منهما.
حدوتة: يا حاج، أنا عايزك في كلمة.
القرموطي: اهدأ شوية.. مش شايفني مركز مع الراجل في اللعب (يحاول القرموطي الغش في اللعبة).
حدوتة: الله الله، انت بتخبي منه ايه؟ وبتلعب مع مين؟ ده ضرير ما بيشوفش.
القرموطي: اخرس يا حيوان.. أنا مش قايلك 30 مليون مرة اوعه تقول قدام عمك سباعي أنه ضرير وما بيشوفش.
حدوتة: ليه؟
القرموطي: علشان احنا مخبيين عليه ومش قايلين له.
القرموطي: مخبيين عليه ليه؟
حدوتة: يعني نقول له انه مبيشوفش يتعمي فيها. اخرس يا حمار... انت زي الفل يا عم سباعي، متسمعش كلام حد.
لم يكن عم سباعي – محلل الانتخابات الرئاسية وحده المعني بهذا الوضع بل امتدت
الدعاية التضليلية لتشمل مختلف فئات الشعب الذي عاد، ككل مرة، لكنبته المريحة متابعا القصف الإعلامي المستمر بصوت واحد ونص أوحد مكتوبا من مدواة المخابرات ومن وحي الشؤون المعنوية للجيش.
زعيم الانقلاب يعلم أن رأس حربة "معركة الصينية المجيدة" لم يكن مسدسات ومدرعات جيشه وحدها، بل كان الإعلام الوسيلة الأقوى في "معركته"، التي صار بفضلها مشيرا فيما تلا من مسلسله الهزلي، فسارع إلى تطبيق نظرية "شنن الجيوش" بأن منع أي واحد من الدخول عليه وهو "شايل" صينية حيث وجه اهتمامه لتجفيف منابع الكلمة الحرة وإلغاء أي صوت يشك في ولائه التام وانتمائه اللامشروط لـ"حظيرة" أذرعه الإعلامية المنتشرة في كل مكان.
في فيلم (مجانيو) كان حلمي، مأمور المستشفى، مدركا لأهمية الإعلام في مخططه لتجييش المرضى والدكاترة إيذانا بخروجهم يدا بيد في "ثورته" ضد النظام.
وعندما انطلق في التحضير للمرحلة الأولى التي اختار فيها تولية الدكتور آدم، كواجهة حكم، في انتظار السيطرة المباشرة على مقاليد "المستشفى"، توقف بمعية الأخير عند غرفة بسيطة بها شخص مناوب على جهاز "بث".
حلمي: هي ده بقه الأوضة المهمة. أحلى شاي يا درويش (يمد كأش شاي للشخص المناوب)
درويش: تشكر يا حلمي، تشكر.
حلمي: متسمعنا حاجة لأم كلثوم..
يبتعدان..
حلمي: تستولي عليها تبقى المستشفى في ايدك، والدنيا تتغير..
وفي مشهد آخر كان السؤال- المفتاح ..
حلمي: مين ايلي يقدر على المجنون؟
آدم: مين يا حلمي؟
حلمي: ايلي أجن منه. ومين يقدر على دكتور المجانين؟
آدم: مين يا حلمي؟
حلمي: دكتور برضه بس مجنون.
والقدر لم يكتف بمنح مصر دكتورا مجنونا بل طبيبا للفلاسفة ينتظر العام منه التحليلات والحلول لمشكلاته، فكيف لا يستطيع تطويع شعب أدمن فقرات قصفه الإعلامي الذي تبارى المحللون الاستراتيجيون المتقاعدون من الجيش ولا يزالون في تغذيته بفقراتهم "الساخرة"، وقراء الطالع والدجالون برؤاهم الغيبية، والكتاب والصحفيون بقراءاتهم الطوباوية لخطب الزعيم وخطواته ونواب البرلمان ومتصدري المشهد السياسي-السيسي بهلواساتهم، بعد أن فشل هو في تقديم فقرة شهرية لم تكن تمر دون أن تثير سخرية المتابعين، فأوقفها درءا لعيون الأشرار وحرصا على عدم إفشاء "المنجزات" والمشاريع الكبرى على الأرض على مسامعهم.
خارج الخدمة – 2015 – إخراج محمود كامل
على طاولة الأكل تجلس هدى وسعيد.
هدى امرأة "مسنة" تعيش وحيدة في بيتها، وسعيد شاب متسكع كان يمني النفس بابتزازها عبر مقطع فيديو تبين أنه مجرد تمثيل. سعيد وبعد أن دخل بيت هدى صار يعاشرها "اغتصابا متواطئا عليه" مقابل الكلأ والمأوى.
هدى: انت ايه رأيك ف ايلي بيحصل في البلد؟
سعيد: قصدك يعني فالل... لأ مليش في السياسة.
هدى: طب ايه رأيك في
الحكومة؟
سعيد: ما بحبش الحكومة.
هدى: والجيش؟
سعيد: الجيش جدعان وبيحترموا البلد وبيحبوا البني آدمين.
هدى: والإخوان؟
سعيد: الإخوان على فكرة بيساعدوا الناس ياما برضه.
هدى: ما تاكل يا سعيد!
سعيد: ماشي.. أنا بآكل.
وفي مشهد آخر..
هدى: خد دول يا سعيد هاتلي حشيش.
سعيد: حشيش؟
هدى: اه حشيش. انت عمرك ما اشتريت حشيش ولا ايه؟
سعيد: لأ اشتريت. بس هو انت بتشربي حشيش؟
هدى: اه بشرب حشيش. البلد كلها بتحشش، بس هاتلي حاجة تكون نظيفة.
وفي كثير من المشاهد يظهر سعيد وبجانبه هدى ملقيان على كنبة أمام جهاز التلفزيون، المشتغل على الدوام، وكأنهما جثثان مسجاتان لميتين ممدين، كما كثيرين أمثالهم، في مقابر جماعية منشرة في كل بيت وحارة ونجع من نجوع المحروسة على امتداد ما تبقى من ترابها.
هذا ما سعى النظام الانقلابي لتكريسه بالضبط. الحشيش و"التخدير الإعلامي"، ديلفري في البيوت، مقابل قليل من الكلأ والمأوى في وقت يواصل فيه مهمته في تجريف البلاد والعباد في مسعى واضح لفصل "المواطن" عن واقعه وإبعاده عن سياسات الحكام الموغلة في تدمير مستقبله ومستقبل الأجيال من بعده.
وفي صوان عرس الأسطى زينهم بفيلم (الفرح-2009) يتراقص المدعوون على كلمات مطرب الحفل التي تصدح في المكان:
يا عم ولع.. يا سيدي ولع..
شربت سيجارة ثانية، نسيتنا اسمي في ثانية
وسألت سألت على باب بيتنا
قالو لي مش حتتنا..
شالوني.. روحوني.. دوخوني.. تعبوني..
يا عم ولع.. يا سيدي ولع....