كتاب عربي 21

اللهم لا تجمع علينا انقلابين

سيف الدين عبد الفتاح
1300x600
1300x600
في اليوم الذي قام فيه الانقلابيون بانقلابهم الفاشل في تركيا كنت في اجتماعٍ جمع أربعة من الشباب بالإضافة لسياسيٍ مصري مرموق في إسطنبول، وكنا قد اتفقنا على اللقاء لمناقشة أمور تتعلق بحال مصر وحال منقلبيه الذين يقومون بكل عمل يؤدي إلى خراب البلاد وترويع وقمع العباد، وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث لتشخيص المسألة ورصد المهزلة التي تحدث بمصر من أُناسٍ تصدروا بعد انقلابهم مشهداً أقل ما يقال فيه أنه مشهد يجمع بين الخيانة والخيابة، بين الغدر والفشل، بين الخراب والفساد والتخريب المتعمد، هكذا تطورت حال الانقلاب إلى ما يشبه العداء لكافة المصريين في الداخل والخارج فمن هم في الداخل تحت القمع ومن هم في الخارج للأسف الشديد تحت سيف الفرقة ومواقف متخاذلة إلا من رحم ربك.
 
 وبدا الأمر وكأن الانقلاب في مصر قد تمكن، ولكنني كنت دائماً أقول رغم هذه الحال أن صناعة الأمل من غير ترويج أحلامٍ أو أوهام ومن غير بيع معسول الكلام أو مخدرات، ومن غير الوقوع في براثن الخيال والمسكّنات فإن صناعة الأمل واجبة حينما تكون مشفوعة بالعمل وصياغة المستقبل، وقبلها بسويعات كنت في اجتماع أكدت فيه على ضرورة أن يتعرّف المصريون على ثلاثة فنون فن إدارة الاختلاف، وفن إدارة المشترك، وفن إدارة التعدد ولكل فن أصوله تجتمع تلك الفنون متكافلة لتحقق أقصى منفعة وفائدة، تعبّر في حقيقة الأمر على طاقات الأمل والفعل والمواجهة والمقاومة لهذا الانقلاب الغاشم الذي حطّ من خلال غراب خرابه (السيسي)، ليجعل مصر في ذيل الأمم ويقوم بتخريبها تخريباً ممنهجاً وكأنه مُستَأجرٌ يقوم بكل عمل يهين به الوطن ويخون البلاد، يبيع الأرض ويفرط في العرض، ويستبيح النفوس ويطارد الشباب، اجتمع كل ذلك على أهل مصر في داخلها وخارجها لا نستثني من ذلك أحدا.
 
 في هذا الاجتماع مع الشباب ومع هذا السياسي المرموق لفت نظري خبر عاجل أن طيران حربياً يصول ويجول في سماء أنقرة وإسطنبول وأن ممر البسفور قد أُغلق بدبابات فقلت من فوري وأنا أشاهد الخبر العاجل ماذا يحدث، الأمر جدّ خطير رد عليّ أحد الشباب القاطنين في إسطنبول وهو دارس للعلوم السياسية قال بصوت متهدج إنه الانقلاب، وهنا ارتسم على الوجوه الوجوم والصمت والسكوت لفترة، وبدا كل منا ينظر للأمر من زواياه المختلفة وانضم إلينا أستاذ آخر للعلوم السياسية، تواردت بعد ذلك الأخبار العاجلة وقلنا أما من أحد يترجم من التركية إلى العربية وأتى من يترجم، ولكن حينما أتينا بالقنوات التركية والناطقة بها وحتى تلك القناة التركية الناطقة بالعربية لم نجد إرسالاً، وفوجئنا بعد ذلك بأخبار تترى، نعم إنه الانقلاب وبعد أن تأكد أن تلك محاولة انقلابية يمكن أن تنجح، بدا الأمر صعباً بالنسبة للجميع وكلنا في حال بين التصديق وعدم التصديق أو هي حال الصدمة والذهول والضيق، تعبّر عن مفاجأة عميقة وعن أحداث خطيرة ودقيقة.
 
 كنتُ دائما أقول أن تركيا وأردوغان لا يقفون في الجانب المقابل في مواجهة الانقلاب في مصر لا باعتبار ذلك موقفا سياسيا محضا، ولكنني كنت أقول أنه أحد المواقف الاستراتيجية، لإنه يمس المصلحة التركية المباشرة سياسة وشعوبا، إذ تعبّر بذلك عن موقف رافض للانقلابات كل الانقلابات وكذا تركيا وبعض الدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية، لقد لاقت معظم هذه البلاد ويلات الانقلاب وذاقت منها من صنوف العذاب، كتالوج الانقلاب يتكرر ويعاد، وتخريب البلاد والاستهانة بالنفوس والكيان كان ديدن كل انقلاب، كان يردّ علي البعض في ذلك الوقت حينما كتبت ذلك وأنا على أرض مصر قبل أن أُخرجَ منها إصراراً لا فراراً بالقيام بأشرف مهمة في حياتي مقاومة انقلاب سافر فاجر، قام به بعض جنرالات العسكر قاطعين الطريق على مسار ديمقراطي مختطفين رئيس مدني منتخب فعلوا كل الأفاعيل، وسأل من سأل هل يمكن أن يقوم انقلاب في تركيا كنت أقول أن تركيا أردوغان حينما ترفض الاعتراف بانقلاب مصر إنما تدافع عن نفسها وتواجه كل من تسوّل له نفسه أن يقوم بانقلاب على تجربة ديمقراطية تركية.
 
 هذا هو الأمر حينما نرى تلك الأخبار تأتي من كل مكان محاولة انقلاب عسكري في تركيا وظلت الأفكار المشتتة تتوارد على المجتمعين ونتحدث عن ماذا لو نجح الانقلاب، خطير هو الأمر، مثيرة هي الأخبار إلى أن كان البيان الصادم، مذيعة في القناة التركية الرسمية تقول أن الجيش قد سيطر على البلاد وأنه بيده مقاليد الحكم وسيطر على مفاصل الوطن وأعلن حالة الطوارئ كما أعلن حظر التجوال وبعد لحظات أعلن الأحكام العرفية، قلنا هل دانت لأهل الانقلاب الدولة والحكم، واختلطت الأوراق ما بين انقلاب في مصر قد طاردنا ويدمر ويخرب الوطن وقطع الطريق على مسار ديمقراطي، وبين انقلاب تركي صاعد يحاول أن يقطع الطريق على تجربة ديمقراطية وتنموية في تركيا أحدثت من التأثيرات الكبيرة والعظيمة على تركيا وشعبها اقتصاداً وسياسة، ثقافة وحضارة، قدموا النموذج وأرادوا بسياساتهم أن يقضوا على كل تفكير بانقلاب في قدم الأيام، وبدا الجيش وكأنه صار ذلك الجيش المهني المحايد، ولكن الأمر كان على غير ذلك من بعض أهل هذه المؤسسة، لا يؤمنون إلا بالعسكر وحكمهم ولا يمتثلون إلا للجيش وأسلحته وتلعب برؤوسهم نشوة السلطة وغطرسة القوة، وتأتي من خارج أقوال هنا وهناك تدفع في هذا الطريق طريق الانقلاب وهيمنة العسكر، هكذا الغرب يبشر بأعلى صوت ويعقد لنفسه أستاذية في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية، ولكنه في حقيقة الأمر ومن أجل مصالحه يساند العسكر والمستبدين ولا يقيم وزناً لتقدم الأمم من غير أممه، وسنجد خطاب الغرب بعد الانقلاب التركي الفاشل يسير في هذا الطريق وكأنه يقول أن من فعلت وأنا من دعمت.
 
 عدتُ إلى منزلي في إسطنبول على مشارف الفجر، السائقون من سيصطحبوننا خائفون وهم من الأتراك يقولون إنهم العسكر وما أدراك مالعسكر، عادت بهؤلاء الذاكرة وإن لم يعيشوها ذاكرة الانقلابات العسكرية وحينما هدأ بالهم بعض الشيء نزلنا إلى الشارع وكلام عن حظر تجول، ولكنني على مر الطريق رأيت صناعة الأمل قائد يتحدث من هاتف، ورئيس وزراء يتحدث في مؤتمر صحفي وشعب يجوب الشوارع نزل إلى الشوارع فقط ينادي بحماية الجمهورية يحمل الأعلام التركية وانطلقوا من كل مكان وإلى كل مكان وأتت الأخبار تحمل الأمل إنها الشعوب.
إذا الشعب يوماً أراد الحياة ……..فلا بد للانقلاب أن ينكسر
وبدا الناس يلوذون ببعضهم بعد دعوة زعيمهم للنزول إلى الشوارع في إسطنبول ذهبوا إلى المطار الدولي ومنطقة الفاتح ومنطقة تقسيم وممر البسفور واجهوا الدبابات بصدور عارية أجبروا الدبابات على الخروج من ساحة مطار أتاتورك الدولي إنه الأمل يلوح الأمل في إرادة الشعوب وقدرة الناس، وقلت لمن كنت بصحبتهم من مصريين وعرب وأتراك لن تبزغ تباشير الصباح إلا وانقشع الانقلاب وعاد الأمر الى نصابه، وأحزاب تقف ضد الانقلاب حتى لو اختلفت بالأمس اختلافاً شديداً مع أردوغان وحزبه، الأمر صار أخطر من كل شيء الأمر يتعلق بالأمة التركية، وأنا في طريقي إلى المنزل ومع بوادر فشل الانقلاب دعوت الله… “اللهم لا تجمع علينا انقلابين”.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل