في شهر تموز/ يوليو 1988، وخلال انتفاضة الحجارة في
فلسطين؛ وزع
جيش الاحتلال الإسرائيلي بيانا طالب فيه الفلسطينيين بإزالة الشعارات المكتوبة على الجدران، وإنزال الأعلام الفلسطينية المرفوعة في أحيائهم، محذرا من أن عدم إزالتها يُعد مخالفة للتعليمات العسكرية؛ قد تؤدي إلى السجن أو فرض غرامة مالية كبيرة.
وفي تموز/ يوليو 2016، وبعد أن انتقل الفلسطينيون من الكتابة على الجدران الإسمنتية؛ إلى الكتابة على جدار
شبكات التواصل الاجتماعي؛ طرح كل من وزيرة القضاء الإسرائيلي أييلت شاكيد، ووزير الأمن الداخلي جلعاد أردان، على الكنيست، مشروع ما يسمى بـ"قانون الفيسبوك".
ويتيح مشروع "قانون الفيسبوك" إزالة ما وصف بـ"مضامين إرهابية" تمس وتحرض ضد "إسرائيل"، من على موقعي "فيسبوك" و"غوغل"، وذلك عبر استصدار أمر محكمة ضد "المحرض"، يقضي بإزالة وإلغاء الصفحة، خلال ساعات معدودة.
واستنادا إلى مشروع القانون الجديد؛ يتوجب على صفحة الـ"فيسبوك" التي توصف بالتحريضية؛ أن تتوفر فيها ثلاثة معايير؛ هي المساس بأمن الدولة، والمساس بأمن الجماهير، والمساس بأمن شخص، وسيفحص القانون ما إذا كان المساس الذي نجم عن تدوينة في "فيسبوك" قد تجاوز حدود حرية التعبير.
مجد عطوان
وطالت تهمة التحريض عبر "فيسبوك" عشرات الفلسطينيين، منهم الأسيرة المحررة مجد عطوان (22 عاما) من بلدة الخضر قضاء بيت لحم، والتي وجهت لها تهمة "التحريض على العنف" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحكمت بالسجن لمدة 45 يوما، ودفع غرامة مقدارها ثلاثة آلاف شيكل (نحو 850 دولارا).
واعتبر يوسف عطوان، والد مجد، لجوء الاحتلال لهذه التهم "محاولة بائسة لتكميم أفواه الشباب الفلسطيني، وخلق حالة من الخوف تحول بينهم وبين التعبير عن شخصيتهم الوطنية".
وأضاف لـ"
عربي21": "ابنتي مجد واحدة من هؤلاء الشباب، وترى ضرورة أن يكون فيسبوك منبرا للتعبئة الوطنية، وترسيخ ثقافة الرفض للواقع".
إحصائيات
بدوره؛ أكد الصحفي المتخصص في الإعلام الاجتماعي، الأسير المحرر أمين أبو وردة، أن نسبة كبيرة من الأسرى أجبروا بعد اعتقالهم على إعطاء المحققين اشتراكاتهم على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بنسبة تصل إلى 68 بالمئة، مقابل 32 بالمئة لم يجبروا على ذلك.
وقال لـ"
عربي21" إنه أعد دراسة بهذا الخصوص خلال اعتقاله، مشيرا إلى أن 55 بالمئة من الأسرى تم الدخول إلى حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي من قبل المحققين خلال فترة اعتقالهم.
وأوضح أبو وردة أن الاحتلال يعمل على مصادرة الأجهزة الحاسوبية والخلوية للأسرى عند اعتقالهم بنسبة تصل إلى 75 بالمئة، لافتا إلى أن لوائح الاتهام للعديد من الأسرى تتضمن نشاطهم على شبكات التواصل الاجتماعي، والعديد منهم "تورطوا" من خلال أشخاص وهميين.
من جهته؛ قال المحامي مفيد الحاج، الذي يتابع العديد من قضايا الأطفال المقدسيين المعتقلين لدى سلطات الاحتلال، إن معظم الملفات التي تعرض عليه مؤخرا، والتي يعتقل لأجلها الأطفال؛ هي تهم تحريض عبر موقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا "فيسبوك".
وأضاف الحاج لـ"
عربي21" أن السلطات الإسرائيلية "كثفت الاعتقال بهذه التهمة خلال الانتفاضة الشعبية التي تشهدها الضفة والقدس منذ مطلع تشرين أول/ أكتوبر المنصرم"، مشيرا إلى أن الاحتلال "يعتبر أن من شأن ذلك قمع الانتفاضة الشعبية وإخمادها".
شرطي شبكات التواصل
أما الباحث والصحفي سعيد أبو معلا؛ فوصف خطوات الحكومة الإسرائيلية بأنها "قمع للحريات، وسعي للسيطرة على عقول الفلسطينيين، واستكمال للاعتقال الجسدي الذي تمارسه".
وقال لـ"
عربي21" إن "إسرائيل كدولة احتلال؛ أصبح لديها دلائل مادية ملموسة على أن الشبكات الاجتماعية أصبحت تستخدم كوسيلة تحريض من وجهة نظرهم.. أما نحن؛ فنراه وسيلة وعي، وتعبير عن شعور وطني غائب في الميدان، ولدى الأحزاب، وفي الحياة العامة".
وأضاف أنه "قبل مشروع قانون الفيسبوك الإسرائيلي؛ كان الاحتلال يتحرك بفاعلية لحظر ومنع أي صفحات يراها تحريضية، وهذا أمر تتيحه الشبكات والمواقع، والفلسطينيون أيضا فعلوا الشيء نفسه ولو بنسب قليلة"، مستدركا بأن "الأمر اليوم يتجه ليكون قانونا يجرَّم فيه من يحرض ويعاقب، وهنا الخطورة التي تفتح المجال واسعا لمعاقبة آلاف الناشطين على تحديثاتهم اليومية أو اللحظية في فيسبوك".
وتابع بأن "إسرائيل تثبّت فكرة أنها دولة محتلة؛ تصادر حقوق الأفراد في التعبير، وتتعامل على أنها شرطي شبكات التواصل الاجتماعي".
ازدياد أعداد المعتقلين
من جانبه؛ قال الناشط الشبابي والصحفي محمود حربيات، إن تركيز حكومة الاحتلال على "فيسبوك" سببه أنه الأكثر استخداما عند الفلسطينيين من بقية الشبكات، حيث إن عدد المستخدمين يقارب المليوني مشترك.
وأوضح لـ"
عربي21" أنه "لا يوجد عدد ثابت لمن تم اعتقالهم من الفلسطينيين بتهمة التحريض عبر فيسبوك، إلا أن بعض المراكز ذات العلاقة قالت إنهم بلغوا 140 معتقلا"، متوقعا ازدياد عدد الفلسطينيين المعتقلين بتهمة التحريض.