سؤال كبير يدور داخل إيران وخارجها: هل سيُسمح للرئيس حسن روحاني بالفوز بولاية رئاسية ثانية، أم يخفق ليكون أول رئيس للجمهورية الإسلامية تنتهي ولايته بدورة واحدة؟
إسقاط حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية ليس مسألة مبرمجة، أو كما يُقال «وصفة طبية يتم استحضار الأدوية فيها من أقرب صيدلية». مثل هذه الواقعة، نجاحا أو إخفاقا، ستكون نتيجة صراعات طويلة وواسعة في قلب «إيران العميقة»، وصولا إلى الدوائر الشعبية الواسعة.
باكرا بدأت الحملة، بعد تقديم موعد الانتخابات شهرا كاملا، حيث ستجري رسميا في التاسع عشر من أيار 2017 بدلا من نهاية حزيران من العام نفسه. استكمالا لهذا، تُجرى بسرعة عملية فرز للمواقف، وكأن كل ذلك استكمال لمعركة الانتخابات التشريعية ومجلس الخبراء. عدم وضوح بيان تشكّل موازين القوى ساهم في التعجيل في فتح المعركة.
«الأصوليون» الذين لا يريدون التجديد للرئيس حسن روحاني يحاربونه بكل قواهم، مستهدفين من خلاله التحالف القوي الذي يُشكل روحاني فيه «قمة جبل الجليد» الضخم المُشكّل منه ومن الرئيسين هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي (الزعيم الحقيقي والفعلي للإصلاحيين، في حين أن محمد عارف الذي ترشح لرئاسة مجلس الشورى وأخفق يشكل الوجه الرسمي والعلني لهم).
كما كان الاتفاق النووي والمفاوضات حوله في قلب الحملة لضرب روحاني وفشلت، فإن هذا الاتفاق وما نتج عنه في صلب الحملة على روحاني ومَن معه. عودة الخطاب العدائي للولايات المتحدة الأمريكية بعد هدنة قصيرة تميزت بإسقاط لقبها «الشيطان الأكبر» هو الأقوى حاليا. موقف المرشد آية الله علي خامنئي يصب الماء في «طاحونة» الأصوليين. خامنئي صاغ خطابه العدائي على بند ونتيجته:
*عدم رفع «العقوبات الظالمة» يجعل الخلافات بين إيران وواشنطن «غير قابلة للحل».
*عدم ظهور «تأثير ملموس للاتفاق في حياة المواطنين»، ومن الواضح تحريض المرشد للشعب على روحاني، بالعزف على الوتر المعيشي الحسّاس للإيرانيين.
طبعا، روحاني لا يقف «مكتوف اليدين» أمام هذا الهجوم الأصولي الخامنئي. لذلك رد بسرعة على المرشد في لقاء تلفزيوني طويل فقال: «لو لم ينفّذ الاتفاق النووي لما كنا قادرين على بيع النفط. حاليا نحن نبيعه باليورو، ولدينا أربعمائة مصرف نتعامل معها، كما أزلنا حالة الخطر عن الضمان والملاحة وصناعات البتروكيماويات والسيارات والمعادن».
تبادل «الكرات» بين المرشد والرئيس وضع الحملة على نار حامية. من جديد جرى تعويم أحمدي نجاد، والتهديد بإعادة ترشحه وفوزه في الانتخابات الرئاسية، وهو بعد أن أغرق الاقتصاد الإيراني خلال رئاسته، يتساءل الآن بأسف عن «عدم امتلاك إيران نموذجا لإدارة الاقتصاد، رغم مرور قرابة أربعة عقود على الثورة».
ما لا يُقال علنا، شائع في الأوساط الإيرانية، وهو أن جميع القوى من «أصوليين» و«وسطيين» و«إصلاحيين» تركز خطاباتها على الداخل، وعيونها متوجهة إلى الخارج، وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية. الجميع يعمل وفي حساباته نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية في مطلع تشرين الثاني المقبل. ويتفق الإيرانيون، على أن فوز هيلاري كلينتون بالانتخابات سيدفع الجميع في إيران من المرشد إلى الناخب العادي إلى انتخاب حسن روحاني رئيسا لولاية ثانية؛ إذ لا يمكن انتخاب متشدد، سواء كان أحمدي نجاد أو حتى الأصولي المعتدل علي لاريجاني رئيسا للجمهورية؛ لأنه ليس واردا نقل المواجهة من الخطابات إلى الميادين، إضافة إلى أنه بعد الاتفاق النووي لا يمكن مواجهة كلينتون «النصف أوبامية» أو أكثر أو أقل، برئيس إيراني متشدد. بالعكس يمكن لحسن روحاني الرئيس، الحوار الهادئ والمنتج كما فعل ونجح في المفاوضات النووية.
أما إذا انتخب دونالد ترامب فإن مواجهته -ولو لإقامة توازن متكافئ مع خطابه- تكون في انتخاب أصولي من نوع وحجم أحمدي نجاد. في جميع الأحوال، فإن أمام القيادة والقوى الإيرانية ستة أشهر من متابعة ترامب «الرئيس» لتحديد الموقف منه أو معه. ويبدو واضحا رغم غرابته، ورغم العداء الخطابي، أن الأصوليين قبل الوسطيين والإصلاحيين يصوغون حركتهم على وقع «الكراسي الموسيقية» الأمريكية.
الترابط والتكامل بين الانتخابات الأمريكية والإيرانية ونتائجهما قائمان في تشكل مسارات الحروب والحلول في الشرق الأوسط؛ لذلك تبدو كل المسارات حاليا جامدة ومعلّقة على محاولات رسم للحدود بمزيد من التصعيد السياسي والحربي، من دون الأخذ في الاعتبار الخسائر الإنسانية والاقتصادية والتنموية.