تقوم مصانع الغرب بصناعة النجوم والساسة والزعماء، ومن تسميهم الحداثة "بالكواكب" كي نهتدي بها في الظلام الطامس. وتصنع لنا من العجوة البشرية "أيدولات" لا تؤكل، لحومها حرام، فالإنسان لا يأكل لحم أخيه الإنسان حيا وميتا. مصانع كثيرة في هوليود والتايم ومهرجان “كان"، ياما كان، والبيت الأبيض والبنتاغون ... أما مصانع الأولمبياد وكرة القدم وسواها فالخداع فيها يجري قبل الأولمبياد، وأبطالها أنبياء عضلات، فكيف تفوز الشعوب المقهورة بنجوم وميداليات ذهبية، إذا كانت تركض وراء اللقمة، وتلعب الغميضة مع المخابرات؟ لو كانت الغميضة لعبة في الأولمبياد لفزنا بميداليتها.
مؤسسات كهينة مكينة تمنح الجوائز، وتسمي الشوارع بأسماء من تختارهم من أصحاب كراماتها. رأينا جوائزهم تسقط رطبا جنيا على كاتبة سورية مستواها الأدبي وسط، ومعتقل سوري سابق اهتبل بالشحم واللحم في المعتقل فسمت أمريكا شارعا باسمه، وكلاهما: الكاتبة والمعتقل من الأقليات المقدسة. ويمنح الغرب" نوبل" ختما من أختام نبوتها. نوبل هي أهم جوائز آلهة الغرب لرسلها، من ينال جائزة مخترع آلة القتل الكبرى في العالم هو نبي من أنبياء الحداثة، لكن مصانعها لم تدخر جهدا حتى في الفقه والشريعة والدعاة. البيت الأبيض يحبُّ منافسة الأزهر: البيت الأبيض الشريف.
أشهر نبي معاصر ادعى النبوة هو هندي من البنجاب، وجد آلهة الغرب له ما عدَّته خلوا في مقعد شاغر، فجلس عليه. لم يكتف البنجابي الطماع بصفة النبي، وادعى صفتين: إنه المهدي المنتظر والمسيح! إنه "الرصة المزدوجة"، أو ما يقال في لغة الدعاية والتجارة: اشتر واحدة وخذ أخرى مجانا. وقد قرأت بعض أهم كتب رواة هذا المتنبئ وصحابته وتابعيه، فوجدت أن جهدهم ينصبُّ على أمرين هما إلغاء الجهاد، وحوار الأديان وهذه من تلك. المسيح المنتظر حسب النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة سيأتي في نهاية الزمان لأمور كثيرة أهمها: كسر الصليب وقتل الخنزير. لم نر منهما شيئا مذكورا من الغايتين وقد مضى على نبوة الرجل أحداث وأزمان. ويمكن قراءة الحديث النبوي حرفيا أو تأويله تأويلا، لكن الرجل لم يأت بشيء منهما، بل فعل النقيض، وخليفته الخامس، الملقب بأمير المؤمنين يعيش منفيا، في ظلال الصليب، وفي جوار الخنزير! أتباعه قوم مرحب بهم في الغرب ويحظون برعاية خاصة، فهم أقليات مضطهدة. عقيديا: انصرف كتابهم إلى إلغاء معنى العداوة مع الصليب، فصاحبوه، وانشغلوا بدعوتهم وتثبيتها في عصمته! ليس لنبيهم معجزات لذا فهم ينكرون المعجزة: موسى عليه السلام لم يفلق البحر إنما كان مدّا وجزرا، الإسراء والمعراج كان حلما، لا انشقاق للقمر، وهي أحيانا معجزة لنبيهم أيضا! نبيهم ليس وسيما، يذكر بجد سمير غانم في مسرحية المتزوجون: يا عم أنت باصص فين؟ لكن الخليفة الخامس قمر "أربعتا عش".
لا يعرفون أن الله أرسل أنبياءه قبل عصر الكاميرا، تكريما لهم من بأسها وحيلها. يظهر خليفتهم الخامس المختار بعناية النظر السينمائية، فهو فوتو جونيك، وسيم، يستمع إلى التلاميذ الصغار وهم يحفظون الصلوات الإبراهيمية على الفضائية الخاصة بهم، تصور عزيزي القارئ، خليفة أمة يقوم بواجبات شيخ كتاب أو زاوية، الرجل له رسالة هي حوار الديانات. الحق مهمته هي في مزجها على طريقة ابن عربي الحلولية التي يهواها الغرب "المؤمن": فمَرْعًى لغِزْلاَنٍ وديرٌ لرُهْبانِ، وبَيْتٌ لأوثانٍ وكعبة طائفٍ، وألواحُ توراة ومصحفُ قرآنِ، وعبادة نيران، وولاية لخلفي ضحيان أو محمد دحلان.
له نظرات من "تحت لتحت"، أو كما يقول أحمد حلمي في فلم "عسل أسود": من كعك لكعك، النظرة هذه لا تليق بالكرماء، لا يعرف أنه ليس للأنبياء خائنة الأعين ولا للخلفاء. له عمامة صنعتها أكبر محلات الأزياء، الناس تنخدع بالمظاهر والأبهة والزينة، لعل عمامته التي لها ما يشبه الزعنفة من أعلاها مثل زعنفة سمكة الرعاد: إحدى علامات الخلافة!
المثال الثاني: الخميني لم يدع النبوة، عاش في الغرب، فرنسا خلت سبيله، فهو من طائفة الشيعة، وهي طائفة تعظم أئمتها تعظيم الأنبياء، ولهم عصمة الأنبياء. تعرف فرنسا أن عداء الخميني للسنّة أكبر من عدائه للغرب. عاد الرجل من الغرب وأسقط البهلوية الشاهنشاهية، فبكينا عليها لكثرة ما نعاني من منتجات "الثورة الإسلامية" الإيرانية المصدرة إلينا بالمجان. لن نفتئت على الرجل. معاهد الدارسات الغربية تختار الأنبياء بملقط حواجب النساء، وتزن العقائد بموازين الذهب. اشترى الرجل صفقة أسلحة من إسرائيل إبان حربه مع صدام، فلما فضحت الصفقة زعموا أنهم وُرّطوا فيها توريطا، ليس نبيا، ولم يدع النبوة، كان السادات يسخر منه قائلا: الله أكبر خميني أكبر. الشعار الحقيقي هو: الله أكبر خميني رهبر، رهبر أي مرشد، لكن المرشد يحلل ويحرم وله فتاوى منكرة، ومفاتيح جنة وزَّعها على الناس! عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ, أَنَّهُ جَاءَ وَفِي عُنُقِهِ وَثَنٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا، سورة التوبة آية 31, فَقَالَ عَدِيُّ: وَاللَّهِ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَيْسَ إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَيْئًا اسْتَحَلُّوهُ، وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا حَرَّمُوه؟ “، فَقَالَ عَدِيُّ: بَلَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ".
المشهد السياسي الغربي يظهر أن الغرب يفضل الشيعة على السنة، فهم يأتمرون بأمر رجل واحد، أما السنة فهم لا يأتمرون بأمر أحد، وهذه مشكلة يبحث لها الغرب عن حل!
المتنبئ الثالث والأحدث هو السيد غولن. لم يدّعِ الرجل الذي يصف نفسه "بالعبد الفقير" النبوة، ربما ادعى "ما فوقها" بقليل، لعله من النمط الأول الذي يرى أن الولاية أولى من البنوة وأكرم، برهانهم في سورة الكهف وقصة العبد الصالح، الذي ذهب إليه النبي موسى عليه السلام للتعلم منه. تابعنا شهادتين مهمتين على الجزيرة: واحدة للسيد لطيف أردوغان كاتب سيرة غولن، على جزأين، والثانية للسيد إبراهيم كولن. شهادة لطيف مليئة بالتفاصيل المثيرة والمعلومات، وربما كان الأولى أن تكون شهادة على العصر، في حلقات مطولة. ردّت العربية، فضائية "كايداهم" راعية الأوثان الغربية عربيا: الصاع صاعين، ردت الفضائية على المقابلتين بحوار مع نبي بنسلفانيا غولن، "العبد الزاهد" الذي يقيم في قصر منيف، وله مفاتيح كنوز ما تنوء العصبة أولي القوة بحمله، معتكفا لعبادة الله قريبا من البيت الأبيض، حيث يهبط عليه الوحي "دايركتلي".
الحوار الذي حذفته العربية بعد ساعات: أسئلته فجة، بعضها أجوبة مثل الرز بحليب للأطفال، يزقُّها الصحفي في فم "العبد الفقير"، حضور العبد الفقير الباهت الكاذب واضح، كثرة التلفيق، ودفاع صاحب الخدمة عن عضوية تركيا في الناتو التي عرضها أردوغان للخطر دفاع عجيب، بكاؤه على عقوبة الإعدام، وهي عقوبة إسلامية منصوصة بنصوص صريحة في القرآن، عجيب، إنه نسخة باكية من محمد دحلان. عجيب والله عجيب، والله ما أكبر غلاك.
يقول العارفون وأولو الطول والقسط، إنّ العربية حذفته بعد وسم اجتاح أقطار تويتر ومدائنها، لكنّ أغلب الظن أن الوسم حذف لسببين: أحدهما أن القديس الكاردينال غولن اعترف بولاية رجب طيب أردوغان مع شكّه في شهادته الجامعية! الثاني أنه لم يبكِ في المقابلة، ما عيطش! نسيت العربية أن تنعله جزمة ضيقة قبل المقابلة، فقالت له: سلم لي على جوزك يا إسماعيل بيه.
الغرب يصنع الرؤساء، الجنرالات، في بلادنا المباركة، ويلمعهم كما تلمع الأحذية: زهرة الصحراء، الرئيس المحبوب، خامس أقوى جيش في العالم... البغدادي الذي لا نعرف له أصلا وفصلا، ويشبه مجرمي مسلسلات الرعب في الأفلام الأمريكية، صار بطلا معكوسا .... وكنا نرى يوميا على التلفزيونات البريطانية مقابلات مع دعاة مسلمين مثل السباعي وأبو حمزة المصري الذي اختارته عناية المخابرات الغربية للتصدير "ايزو"، رجل بلحية طويلة، يؤم الصلوات، وله يد مقطوعة في آخرها عقفة معدنية مثل شخصية القرصان النمطية في الأفلام البحرية!
الأنبياء الثلاثة ظهروا في أمم عندها مشكلة مع فهم العربية، وقراءة نصوصها، خداع العرب أكثر صعوبة. الأمية في مصر تجعله شعبا أعجميا، الشيخ حسان ليس نبيا، هو شيخ سلفي، داعية، مشغول بجملته وبيانه الساحر الذي يشبه أحيانا سجع الكهان، ومشغول إلى جانب بيانه الساحر، بقواعد المرور في حيِّ النهضة، ودياّت القتلى الذين ذهبوا ضحايا المرور. صفَّر الشيخ للمرور متطوعا لإماطة الأذى عن الطريق، وقال: إن لحوم العلماء مسمومة! فهل لحوم الإنسان غير العالم؛ حلال؟
يالحبِّ هؤلاء للمتغلب. وفرارهم من المغلوب؛ مسكينا ويتيما وأسيرا.