نشرت صحيفة "نوفيل أبسرفاتور" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن معطيات جديدة حول
المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمة
الأمم المتحدة إلى مناطق النزاع في سوريا. وكشفت أن نظام الأسد هو المستفيد الوحيد من هذه الإمدادات.
وقالت الصحيفة في
تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن جدلا عالميا حول الدور الحقيقي للمنظمات العالمية في قضية الصراع السوري أثار تساؤلات عديدة بخصوص مآل المساعدات الإنسانية التي تقدمها منظمة الأمم المتحدة في سوريا. ووصل الأمر إلى التشكيك في نزاهة أهداف ونوايا هذه المنظمة.
وبعد تحقيق مطول دقق في مئات العقود الممنوحة من قبل الأمم المتحدة منذ عام 2011 إلى أطراف سورية، تم الكشف أن "عشرات الملايين من الدولارات ذهبت إلى جيوب منظمات تابعة للنظام أو إلى أقارب
بشار الأسد".
وأشارت صحيفة "نوفيل أبسرفاتور" إلى أن "سيدة سوريا الأولى" أو "المنبوذة من المجتمع الدولي" كما تسميها الصحافة الأجنبية، أسماء الأسد؛ زوجة الرئيس السوري الحالي، تتصدر قائمة الأطراف التي تتسلم مبالغ ضخمة من منظمة الأمم المتحدة، ذلك أنها تترأس جمعية خيرية تسمى "الأمانة السورية". وقد دفعت لها وكالتان للأمم المتحدة، على شراكة مع هذه الجمعية، ما لا يقل عن 8 ملايين ونصف مليون دولار.
وكشفت الصحيفة أن جمعية "آلبوتان" تلقت بدورها 268 ألف دولار من اليونيسيف. إلا أن مدير هذه الجمعية الخيرية هو ابن خال الأسد؛ رامي مخلوف، الذي فرضت عليه عقوبات دولية بسبب شبهات عديدة تحوم حول تورطه في قضايا فساد.
وإنه لمن الأمر الصعب أن نتخيل أن هذه الأموال الهائلة التي منحت لجمعيته ستُنفق على أطفال مناطق مناهضة للأسد، خاصة وأن مخلوف يقوم بتمويل ما لا يقل عن ثلاث ميليشيات موالية للنظام، شاركت إحداهن في الحصار المفروض على داريا السورية، التي عرفت على امتداد أربع سنوات سوء تغذية وأمراض عمقت أزمة الوضع الإنساني فيها.
وأشارت الصحيفة إلى أن 13 مليون دولار دفعت إلى وزارة الزراعة، المتواجدة أيضا على قائمة العقوبات الدولية، ويحظر على هذا الأساس التعامل معها.
وذكّرت الصحيفة أيضا بالملايين الخمسة التي أنفقت من قبل منظمة الصحة العالمية لمساعدة بنك الدم الوطني السوري. وفي هذا السياق، يجدر طرح التساؤل التالي: على من يتم توزيع هذه الدماء؟
لا مفر إذن من الوقوع في شكوك حقيقية يغذيها معطى أن بنك الدم يخضع لسيطرة وزارة الدفاع، كما أن المراكز الطبية التي تطلب التبرع بالدماء توجد تحت رقابة مشددة. بالإضافة إلى أن عائديها يخضعون أيضا إلى إجراءات صارمة، وقد تم إلقاء القبض على الكثير منهم نظرا لانتمائهم لفصائل المعارضة.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الفضائح قد ألقت بظلالها على عمل الأمم المتحدة في سوريا. ولكن لتبرير هذه المساعدات، قالت المنظمة إنه ليس لديها سوى خيار "التعامل مع جميع أطراف النزاع" لأن نطاق عملها محدود. فالحكومة، بالرغم من اختيارها المنظمات التي تتواصل وتلقى دعما من الأمم المتحدة، إلا أنه من الممكن أن تعارض تدخل هذه المنظمة في الشأن السوري. ولا يمكن للأمم المتحدة أن تجازف بخطر حرمانها من الوصول إلى سوريا، على حد مزاعمها.
ونقلت الصحيفة تصريحات المتحدث الرسمي باسم منظمة الأمم المتحدة التي قال فيها: "إذا تعلق الأمر بالاختيار بين تقديم مساعدات أو خدمات عن طريق شركات قد تكون تابعة للحكومة، وبين ترك المدنيين دون الدعم الحيوي التي يحتاجونه فالخيار واضح؛ واجبنا هو مساعدة المدنيين".
ونسجت تبريرات منظمة اليونسيف على هذه الوتيرة نفسها، وأعلنت أنها لا يمكن أن تقدم المساعدات إلا بالتنسيق مع
النظام السوري: "فالبديل صعب؛ المزيد من الأطفال يعانون ثم يموتون".
وأكدت الصحيفة أن الحجج التي قدمتها هذه المنظمات الدولية لا يمكن أن تقنع المراقبين الدوليين. فالباحث الهولندي في جامعة كينجز كوليدج في لندن والذي شارك في البحث والكشف عن هذه الفضائح، راينود يندرز، مثلا، نبه إلى أن إستراتيجية الأمم المتحدة "أثمرت تقاربا مقلقا ومثيرا للجدل مع النظام". ويشير الباحث إلى أن بعض مسؤوليها يظهرون علامات "متلازمة ستوكهولم" (التي تبين أن الرهينة تتعاطف مع مرور الوقت مع سجانها). وقد طرد بعض أعضاء الأمم المتحدة خارج سوريا لرفضهم تمجيد النظام دون أن يلقوا أي دعم من رؤسائهم.
وأضاف راينود يندرز لإحدى الصحف السويسرية أنه "سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن الأمم المتحدة لا تتعامل في سوريا إلا مع الهيئات المستقلة، ولكن إعادة التوازن صار أمرا ملحا".
وفي الختام، أوضحت الصحيفة أن سلمان شيخ، خبير في شؤون الشرق الأوسط وعامل سابق في الأمم المتحدة، يرى أنه قد حان الوقت لبان كي مون، الأمين العام للمنظمة الدولية، كي يتدخل من خلال فتح تحقيق في تعامل الأطراف العالمية مع الأزمة الإنسانية في سوريا لأن "الأمر صار خطيرا".