في
مصر نستخدم كثيرا كلمة (عزوة) للدلالة على المِنعة والعزة والمكانة ويكثر استخدامها في الريف حيث وُلدت. وربما كانت الكلمة تحريفا ريفيا لكلمة (عزة). المهم أن هذه الكلمة العامية العبقرية تعبر بشدة عن شعورك خارج مصر بعد انتخاب الرئيس مرسي.
أنت كنت فردا ممن انتخبوا الرئيس مرسي الذي تُفرش له البسط الحمراء تحت سلم الطائرة في أوروبا. واحد من الذين اختاروا ذلك الرئيس الذي وقف مرعدا متوعدا العدو الصهيوني محذرا إياه من غضبة الشعب المصري، الذي تمادى وفعل ما لم يفعله أي من العسكر بدءا بالمقبور عبد الناصر وانتهاء بالنكتة الحالية، فأرسل رئيس وزرائه إلى غزة بينما الطائرات الصهيونية تصب نيرانها على منازلها.
أنت واحد من هؤلاء الذين اختاروا رئيسا يجتمع به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وقت العدوان على غزة، فيرتعد الكيان الصهيوني بعد أن كان جنوده يبدلون ضباط جيش عبد الناصر بالبطيخ والشمام كما روى لواء المخابرات الحربية السابق فؤاد حسين في كتابه (الخيانة الهادئة).
وحتى في حروب الوهم التي تاجر بها العسكر على المصريين وحكايات الربابة التي مارسوا النصب عن طريقها على الشعب لعقود كمهزلة أكتوبر، لم تشعر بتلك العزة. في نهاية تمثيلية أكتوبر بعد أن أسر العدو 8 آلاف أسير، وأصبح على مرمى حجر من العاصمة، ولم يكن لهذا أن يحدث لولا تآمر الطغمة العسكرية.
قالوا لنا إن العدو كان يرتعد من جيشهم، ولكننا ما إن نضجنا وقرأنا، حتى أدركنا سخف وتهافت دعايتهم وكذبها. أبو لمعة، تلك الشخصية الكوميدية التي لا تكف عن الكذب وادعاء الإنجازات والانتصارات الوهمية.
حسنا كان العسكر دائما ومازالوا (أبو لمعة). وما إن زال الوهم وأدركنا الحقائق وقرأنا، حتى عرفنا أننا لم نحقق إنجازا واحدا، ولم ننل عزا إلا حين امتلكنا قرارنا واخترنا رئيسنا.
لم يرتعد العدو إلا حين امتلكنا قرارنا.
لم يشعر الكيان الصهيوني بالقلق إلا حين اخترنا رئيسنا، كان اختيارا حقيقيا هذه المرة. رئيس لم ينتخب في الغرف المغلقة في البنتاجون، ولم يوقع على ورقة اختياره ضابط مخابرات صهيوني ما.
نعم في تلك اللحظات كنا نخيفهم.. كانوا يخشوننا، أرادوا إعادة ذلك الشعب إلى القمقم الذي خرج منه. فقط أنت لم تكن ترى حقيقة من يحكمونك، لا تدرك أهمية مصر الحقيقية. أنت مخيف..
قوة سكانية مسلمة ضخمة ومساحات واسعة وثروات طبيعية.
أنت في حسابات من يخططون منذ أكثر من 500 عام.
لا تستغرب كثيرا، ففكرة قناة السويس التي تفصل بين شطري الخلافة وتفصل مصر عن فلسطين، قد عرضتها جمهورية البندقية على مصر منذ 500 عام، نابليون نفسه جاء لمصر ليحتلها ومعه تكليفان؛ الأول هو حفر قناة بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
هم يخشونك منذ زمن، يخشونك أنت لا ذلك الجيش بريطاني النشأة الذي أدمن الهزيمة ويتاجر في الألبان وأجهزة الكفتة. يخشون ذلك الشعب الذي فتح لهم أبواب المنصورة وهاجم جيشهم فانتهت المعركة بأسر ملكهم.
يخشون الشعب الذي كان يسير في الطرقات يهتف حي على الجهاد، ويهاجم معسكرات نابليون في الأزبكية.
كان لابد من إخماد ذلك الشعب وتغييب قيادته وإحلال قيادة بديلة صُنعت في مكاتب مخابرات العدو. خدروا الشعب بزعامات زائفة قرنين من الزمان، حتى إذا عاد الشعب وامتلك إرادته واختار ممثلا عنه، عاد ليصبح خطرا يهدد بابتلاع الكيان الصهيوني مع اشتعال ثورة سوريا، التي أراد الرئيس مرسي إمدادها بالمجاهدين من مصر.
رأى العدو في مصر وسوريا فكين قد يلتهمانه، فكان الانقلاب في مصر.
الرئيس مرسي نفسه كان مدركا لهذا، كان يتصرف مسندا ظهره إلى (عزوته)، الشعب الذي اختاره. كان يرى حقيقة المعركة التي لا يراها الكثيرون، فكان أن رفض لقاء أوباما على هامش اجتماع الأمم المتحدة، ولم لا ؟
رئيس منتخب يرى أن جدوله مزدحم، أما مندوب بوفيه الموساد في مصر، فكان من الطبيعي أن يشتري تذكرة لحضور قمة لم يدعه أحد إليها، ليقف متذللا متسولا في نهاية الصف أمام أوباما؛ ليحظى منه بمصافحة وليشاهد العالم كله فضيحته ولتسخر منه مصر كلها.
ببساطة هذا هو الفرق بين المنتخب الذي يعلم أن شعبه قد انتخبه ليمثل مصالحه، وبين مندوب الموساد الانقلابي الذي يدرك في قرارة نفسه أنه مجرد موظف يشغله ضابط مخابرات، تفصل بينه وبين أوباما رتب ودرجات عسكرية وإدارية بطول المسافة من القاهرة إلى واشنطن.