جاءت زيارة رئيس حكومة
الوفاق الوطني فائز
السراج لباريس بدعوة من الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، الثلاثاء الماضي، بعد اجتماع دولي على مستوى وزراء الخارجية بنيويورك دعا إليه وزيرا الخارجية الأميركي والإيطالي، وبعد سيطرة مسلحين تابعين للواء المتقاعد خليفة
حفتر على مرافئ الهلال النفطي الليبي.
السراج أطلق عدة رسائل في
باريس للدول الإقليمية الداعمة لمعسكر شرق
ليبيا بجناحيه العسكري الذي يقوده حفتر، والسياسي بزعامة رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، خاصة دولتي مصر والإمارات.
وكانت أولى هذه الرسائل دعوة خليفة حفتر كقائد مليشيا في شرق البلاد إلى الانضواء تحت شرعية وسلطة حكومة الوفاق الوطني الليبي، وذلك ضمن دعوة المصالحة الوطنية الشاملة، التي أطلقها رئيس الحكومة السراج من نيويورك.
مراقبون ليبيون ودوليون يقولون إن الداعمين الإقليميين لعملية الكرامة لن يقبلوا أن يكون حفتر ضمن معادلة حكومة الوفاق، طالما أن تيار الإسلام السياسي ممثل في الحكومة الليبية، خاصة حزب العدالة والبناء صاحب التوجه الإسلامي.
ويضيفون أن مصر تمارس ضغوطا دولية وإقليمية للعودة إلى المسودة الرابعة من الاتفاق السياسي الموقعة في حزيران/ يونيو من العام الماضي، والتي تنص على مجلس رئاسة حكومة يتكون من رئيس ونائبين.
كما تسعى القاهرة ليس فقط إلى تمكين خليفة حفتر من قيادة الجيش الليبي، بل إلى أن يكون مقر الحكومة في شرق ليبيا، حيث تستطيع أن تمارس نفوذها عليها، كما تفعل حاليا مع حكومة عبد الله الثني الضعيفة والواقعة تحت سيطرة خليفة حفتر.
لا شك أنه بسيطرة مسلحين موالين لحفتر على مرافئ النفط الليبي، سترتفع أسهم حفتر وعقيلة صالح في التفاوض حول مستقبل الاتفاق السياسي، إلا أن ذلك يصطدم برغبة أميركية مؤقتة وخلافات أوروبية بشأن دور حفتر ومصر في الشرق الليبي.
ففي الوقت الذي تدعم فيه باريس وموسكو خليفة حفتر والراعيان الإقليميين له "مصر، والإمارات" فإن بلدا ذا تاثير كبير في ليبيا كإيطاليا ترفض هذا التدخل في الشأن الليبي.
إلا أن باريس تسعى في ظل التراجع الأميركي بسبب الانتخابات إلى لعب دور متقدم من خلال التوسط بين أطراف الأزمة الليبية والدول الداعمة لحكومة السراج، والأخرى الرافضة لها، أو المتحفظة عليها.
وسارعت إيطاليا بإصدار قرار ينص على إرسال 200 جندي إيطالي يرافقون مستشفى ميداني مزمع الإنتهاء منه منتصف تشرين الأول/ أكتوبر القادم، وذلك كرسالة سياسية إذا ما حاول خليفة حفتر وقواته زعزعة استقرار غرب ليبيا أو التدم نحو مدينة مصراتة.
إلا أن إيطاليا لا تستطيع بمفردها لعب دور متقدم في ليبيا بدون مساندة أميركية، ولذا ليس متوقعا منها اتخاذ إجراءات ذات طابع عدائي ضد خليفة حفتر إذا ما حاول التقدم غرب البلاد. إذ أن السلطات الإيطالية تنتظر من الإدارة الأميركية القادمة في نوفمبر/تشرين الثاني القادم.
من جانبه يحاول حفتر الضغط على روسيا لتزويده بأسلحة متطورة وطائرات، انتهازا للظرف الأميركي الداخلي، قد يحقق به مكاسب سياسية على الأرض، خاصة إذا ما استطاع الموالون له السيطرة على الحقول النفطية بالجنوب الليبي، والذي سيصطدم برغبة جزائرية رافضة لأي نفوذ مصري على حدودها الممتدة مع ليبيا قرابة تسعمائة كيلو متر.
روسيا بدورها ليست مستعدة للتورط في الملف الليبي أكثر مما يمكنها من المناروة به في الملف السوري، إذ تسريبات أفادت بأن إدارة الروس بوتين وعدت حفتر بمساندته حتى منطقة بن جواد شرق مدينة سرت، حيث النفوذ على الهلال النفطي الليبي، رافضة أن تمتد مساعداتها العسكرية له في الغرب أو الجنوب الليبي.
في نهاية المطاف ستحدد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني/ نوفمبر تموقع الملف الليبي بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، إذ من المتوقع في حال فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب، سيحظى نظام رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي بدور أكبر في ليبيا، بينما من الممكن أن تتخذ المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون خطوات أكثر جراءة من الرئيس الحالي باراك أوباما مستخدمة العصا والجزرة لمعرقلي الاتفاق السياسي الليبي.
إلا أن مراقبين لا يعولون على فوز أي من المرشحين الديمقراطي أو الجمهوري لدفع الملف الليبي إلى مزيد من التأزيم أو الحلحلة، لأن حسابات منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا السياسية أضحت متداخلة ومعقدة ومرتبطة بأمن دول إقليمية على رأسها إسرائيل، إذ لن تضغط أي إدارة أميركية قادمة بشكل يكبح جماح طموح السيسي أو محمد بن زايد، لأنهما يتفقان مع الدول الغربية والولايات المتحدة في كل القضايا المتعلقة بمكافحة الهجرة والإرهاب وأمن إسرائيل.