فتح حادث غرق مركب رشيد بمحافظة البحيرة شمال
مصر أواخر الشهر الماضي، والذي راح ضحيته أكثر من 200 مهاجر مصري وأفريقي، جميعهم من الشباب، الباب أمام تساؤلات عديدة حول تحول السواحل المصرية إلى مركز للهجرة غير الشرعية نحو
أوروبا.
كما سلط الضوء على مدى قدرة السلطات المصرية على حفظ حدودها من تسلل عناصر أخرى لأغراض قد تهدد الأمن القومي المصري، ما ينذر بمزيد من عدم الاستقرار الأمني وفق بعض المتخصصين وأرباب مهنة الصيد.
وغرق القارب الذي كان على متنه نحو 600 مهاجر غير شرعي؛ بعد وقت قصير من مغادرته شواطئ محافظة كفر الشيخ على البحر المتوسط.
الهجرة "على المكشوف"
"خلال الفترة الماضية، زات وتيرة الهجرة غير الشرعية عبر السواحل المصرية بشكل كبير، وغير مسبوق"، وفق قول أحمد الشافعي، أحد المواطنين المتابعين لحركة الهجرة في قرية الجزيرة الخضراء، بمحافظة كفر الشيخ، المطلة على بحيرة البرلس.
وأشار الشافعي، خلال حديث لـ"
عربي21"، إلى أن تكلفة هذه الرحلة تتراوح ما بين 20 ألفا و80 ألف جنيه مصري، مضيفا: "التجارة في الهجرة غير الشرعية تحولت إلى بيزنس مربح".
ولفت إلى دور الصيادين في مسألة الهجرة، لكنه أكد أن "غالبية الصيادين غير متورطين في تلك العمليات، ودور بعضهم ينحصر في لعب دور الوسيط الثاني أو الثالث، ولكنه لا يتحول إلى سمسار"، وفق تعبيره.
وأضاف: "تجارة الهجرة تحولت إلى سوق شبه مفتوح، فالسماسرة والوسطاء في كل مكان"، وأوضح أن عملية الهجرة "تمر من خلال أكثر من وسيط وسمسار، في نهاية المطاف تصب في جيب كبيرهم، الذي يتمتع بشبكة علاقات قوية"، مشيرا إلى "تحول الكثير من القرى إلى مراكز لتخزين
المهاجرين لحين تجميع الأعداد المطلوبة".
وعن طرق دفع المال، بيّن الشافعي أن "المهاجرين يدفعون المال على قسطين، الأول عند الاتفاق، والآخر بعد الوصول، ويُدفع من قبل طرف ثالث، كأحد والديه (المهاجر)، أو أقربائه أو أصدقائه".
ولفت الشافعي إلى أن "بعض الرحلات تتم على مراحل، يستخدم خلالها المهربون المراكب الخشبية، والزوديك (المطاطية)، وكلها غير آمنة، ومهترئة، وفي حال عدم وصول المركب لا يتم دفع باقي المبلغ، ويمر الأمر مرور الكرام".
حكومة متورطة أو مقصرة
من جهته، حمّل الحقوقي المختص بشؤون الهجرة غير الشرعية، نور خليل، الحكومة المصرية "مسؤولية استمرار وتفاقم عملية الهجرة".
وقال لـ"
عربي21": "هناك آليات لتقليل الهجرة، ولكن الحكومة لا تنفذها، كتوفير فرص عمل، وتمويل مشاريع الشباب، بل على العكس الوضع الاقتصادي يزاد سواء، ومستوى التعليم منخفض، ولا توجد بدائل"، وفق تعبيره.
وأكد أن "عدم وجود قوانين رادعة أدى إلى تفاقم الحالة"، معتبرا في الوقت نفسه أن "المشكة ليست في القانون إنما في تطبيق القانون، فهناك قانون مغلظ للاتجار بالمخدرات، ولكنها لا تتوقف ولا تقل"، مشيرا في الآن ذاته؛ إلى عدم "وجود قانون حتى الآن يجرم عمليات التهريب".
وأوضح أن "هناك إجراءات أخرى غير القوانين يمكن اتخاذها للحد من مسألة الهجرة؛ كمراقبة الحدود والسواحل"، واعتبر أن "العديد من المهربين أصحاب نفوذ كبير، لا يقعون تحت طائلة القانون والمساءلة"، مطالبا جهات التحقيق "بالتحقق من الأسباب التي سمحت بتهريب هذا الكم الكبير من المهاجرين".
وأعرب عن تخوفه من "تحول سواحل مصر إلى مركز أساسي لتهريب المهاجرين، بسبب الاضطرابات الموجودة في ليبيا"، واتهم الحكومة المصرية بأنها "إما أنها متورطة أو مقصرة، وفي المحصلة نحن بحاجة إلى جهة تحقيق لكشف الحقائق، لو كانت هناك حكومة تحترم حياة الإنسان لتقدمت باستقالتها بعد تلك الكارثة"، وفق تقديره.
اختراق الحدود المصرية
بدوره، تساءل رئيس جمعية اتحاد الصيادين ونائب رئيس الاتحاد التعاوني للثروة المائية، حسام خليل، عن دور الدولة "في حماية وتأمين حدودها وسواحلها، واستباحتها من قبل مهربين".
وقال لـ"
عربي21": قبل أن تبحث الدولة عن الصيادين والسماسرة، عليها الحفاظ على مخارجها ومداخلها"، متسائلا عن دور الأجهزة الأمنية وخفر السواحل والمخابرات في حفظ الحدود ومتابعتها. وحذر من استمرار "غياب قانون يجرم الاتجار في الهجرة"، قائلا: "هل عجزت الدولة عن سن قوانين تجرم هذا الأمر؟".
وكشف عن أن خطورة المهاجرين لا تكمن في الهجرة، "إنما الخطورة في كيف دخل هؤلاء المهاجرون إلى البلاد؟ فأين هي الدولة من كل هذه الأعداد التي تدخل من كل لغة ولون؟"، مشيرا إلى أن "من تمكن من إدخال هؤلاء من أجل الهجرة، قادر على إدخال أضعافهم للقيام بأغراض أخرى غير سلمية"، كما قال.
ودعا السلطات المصرية لـ"التركيز على التسلل إلى مصر، وليس الهجرة منها فقط"، منوها إلى أن "السمسرة في عمليات الهجرة والتسلل والتهريب تحقق مكاسب سريعة". ولفت إلى أنه "في ظل أجواء الإغراء المادي وزيادة تكاليف الحياة؛ هناك أعداد قليلة من الصيادين قد يساعدون السماسرة في جذب بعض الزبائن أو التعاون معهم".
وكشف تقرير للمنظمة الدولية للهجرة، عن وصول نحو 1815 مهاجرا مصريا للسواحل الإيطالية، خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير إلى أيار/ مايو 2016، لتحتل مصر بذلك المركز العاشر بين البلدان المصدرة للمهاجرين غير الشرعيين على مستوى العالم.