تسيطر الحالة الأمنية المتردية في مدن شمال
سيناء على المشهد العام بفعل العمليات المتواصلة للجيش المصري ضد مسلحي "تنظيم الدولة"؛ وينعكس ذلك بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين في المدن الرئيسة الثلاث، العريش والشيخ زويد ورفح.
ويشكل تواصل عمليات الجيش المصري هناك وملاحقته للعناصر المسلحة "خلطا" في الأهداف؛ فالمواطن السيناوى يجد نفسه في مرمى الجيش أيضا.
كمائن الموت
وبحسب مصادر محلية فإن قوات الجيش المصري تنشر الكمائن الثابتة والمتحركة أو "كمائن الموت"، كما يطلق عليها أهالي سيناء، على طول الطريق الدولي بداية من غربي العريش حتى الحدود المصرية مع قطاع غزة شرقاً وصولاً لمناطق العمليات العسكرية جنوبي الشيخ زويد ورفح.
وقالت المصادر لـ
عربي 21 "الكمائن تمثل نقاط للإذلال والإهانة التي يتعرض لها المارون عبرها وأشهرها كمين الريسة الواقع في حي الريسة شرق مدينة العريش، ويربط بين عاصمة المحافظة ومناطق الشيخ زويد ورفح، ويطلق عليه السكان المحليون "معبر الريسة البري" من شدة الإجراءات الأمنيه الصارمة عليه". مشيرة أن "الجنود لا يتورعون عن إطلاق النار على الأهالي لمجرد "الاحتراز" حيث سقط العديد من الضحايا".
وأشارت بأن هذا الكمين أيضا يمنع مرور سيارات البضائع من الأغذية والأدوية والمواد الزراعية وغيرها من المستلزمات الضرورية للحياة دون سبب، وما يسمح بمروره منها يخضع لعمليات تفتيش دقيقه تستمر لأيام، حيث يتم إنزال البضائع على الأرض وتركها تحت أشعة الشمس بشكل متعمد، ما يجبر التجار القادمين من القاهرة ومدن القناة على عدم العودة مرة أخرى لنقل بضائع لتلك المناطق.
شهادات حية
ربيع سيد، شاب ثلاثيني يعمل سائقا لشاحنة تنقل مواد البناء، روى معاناته لـ"عربي21"، قائلا: "أعمل سائقا في شركة وأصحو مبكرا لأستطيع توصيل طلبات الزبائن باكرا، لكني أصطدم دائما بحظر التجوال الذي يفرضه الجيش الأمر الذي يؤخر عملنا كثيرا".
وأضاف ربيع: "أنتظر على مدخل كمين الريسة بالعريش حتى يسمح الضباط لنا بالمرور وفي إحدى المرات توجهت للكمين قبل رفع الحظر بـخمس دقائق فقط، ما دفع الجنود لإطلاق النار عليّ مباشرة وأصاب الرصاص الزجاج الأمامي للشاحنة ودخلت بعض الشظايا في عيني اليسرى".
وقال: "لم يكتف الجنود بذلك بل أنزلوني من الشاحنة وانهالوا على ضربا والدماء تنزف من عيني قبل أن تأتي سيارة إسعاف وتنقلني إلى المشفى ليتبين بعد ذلك أني فقدت عيني اليسرى للأبد".
قذائف عشوائية
من جهته أكد ناشط سيناوي لـ"
عربي21" رفض الكشف عن هويته -خشية تعرض أهله للأذى- "أن حياة المدنيين من أهل سيناء تأثرت بشكل كبير من تستمرار العمليات العسكرية دون تفرقة بين المذنب والبريء وبين المسلح والأعزل".
وأوضح الناشط الذي يعيش ذووه في مدينة الشيخ زويد أن "أكثر ما يتضرر منه المواطنون في المناطق الحدودية قذائف المدفعية التي يطلقها الجيش بشكل احترازي وعشوائي تجاه المناطق السكنية، وكثيرا ما يسقط منها على المنازل فيقتل ويصاب أطفال ونساء وشباب على أثرها، وكان آخرها قبل أيام حيث
قتل شخص وأصيب اثنان آخران إثر سقوط قذيفة على منزلهم جنوب الشيخ زويد".
وأشار الناشط إلى أن "يوم 6 أكتوبر الجاري قتل وأصيب تسعة مواطنين في حوادث إطلاق نار متفرقة، وكان من بينهم محمد نجل الشيخ عواد أبو شيخه أحد رموز قبيلة الرميلات برفح، وقد أصيب اثنان من أبنائه وشخص آخر كان برفقتهم برصاص قوات تأمين كمين الماسورة جنوبي رفح".
وأضاف: "في نفس اليوم قتل شخص آخر يدعى لافي محمد سالم، برصاص الجيش في رفح، كما أصيب أيضا الطفلان الشقيقان علي وحسن مهدي سليمان (11 سنة و5 سنوات) وطفلة أخرى برصاص القوات العسكرية جنوب الشيخ زويد".
ولم يعف الناشط المسلحين من المسؤولية عن الأوضاع المتردية قائلاً: "يقوم مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية باختطاف الكثير من المواطنين من منازلهم وأمام أطفالهم للتحقيق معهم، ومن يثبت عليه التعاون بأي شكل، سواء بنقل أخبار ومعلومات أم بنقل مؤن ومياه أو غيرها لمعسكرات الجيش يقوم عناصر التنظيم بذبحه أو قتله بالرصاص".
حظر التجوال
وعن مدة حظر التجوال التي يفرضها الجيش والمناطق التي تمتد إليها قال الناشط: "هناك مناطق يطبق عليها حظر التجوال من الساعة السابعه مساء وهي تلك المناطق القريبة من الكمائن العسكرية جنوب الشيخ زويد ورفح وداخل مدينة الشيخ زويد، ويتعرض كل من يتحرك سيرا على الأقدام أو مستخدما سيارة بالقرب من مقار وارتكازات الجيش لإطلاق النار بشكل مباشر ويستمر الحظر حتى الساعه السادسة من صباح اليوم التالي".
وفي العريش عاصمة شمال سيناء "يبدأ حظر التجوال من الساعه الواحدة صباحا ويستمر حتى الساعة الخامسة، وكما هو الحال في رفح والشيخ زويد، فكل من يتحرك بالقرب من مقار وارتكازات الجيش والشرطة بعد منتصف الليل يتم إطلاق النار بشكل مباشر عليه".
وأشار الناشط إلى أن "أكثر ما يتضرر منه الأهالي أثناء حظر التجوال عجزهم عن نقل الحالات المرضية المفاجئة وحالات الوضع الطارئة للمستشفيات حيث يمنع الجيش سير سيارات الإسعاف على الطريق الدولي أثناء حظر التجوال، والتنسيق لدخول الاسعاف أمر شبه مستحيل حتى لو كانت الحالة معرضة للموت".
الاعتقال على الهوية
وأكد الناشط أن "حوداث إعتقال متكررة على الهوية سجلت على الكمائن فكل من يحمل بطاقة رقم قومي من الشيخ زويد أو رفح عند معظم الكمائن بشمال سيناء يتم اعتقاله خاصه كمين الريسة الذي يعتقل العشرات يوميا ويتم ترحيلهم للكتيبة 101 في العريش للتأكد من عدم تورطهم في أعمال عنف"، موضحا أن "من ينتمي لقبيلة السواركة غالبا ما يتم ترحيله لسجن العازولي في الإسماعيلية ويقضي هناك شهور دون أن توجه له أي تهم".
وعانت سيناء تاريخياً من معضلة التهميش التي مارستها الحكومات المصرية المتعاقبة حيث ترك سكانها يصارعون قسوة الصحراء وحدهم؛ فغابت مشاريع التمنية وانتشر الفقر والبطالة في هذه البقعة الجغرافية الواسعة التي حرم سكانها من أبسط مقومات الحياة، وجرى التعامل معهم من قبل الحكومة المركزية في القاهرة كمواطنين من "الدرجة الثانية".