كتب الصحافي البريطاني جدعون رخمان مقالا في صحيفة "فايننشال تايمز"، عن الأشهر الثلاثة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي باراك
أوباما، واصفا إياها بأنها خطيرة؛ نظرا لانشغال الولايات المتحدة.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "الهجوم على مدينة الموصل هذا الأسبوع يؤشر إلى حقيقة أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون فترة محفوفة بالمخاطر في السياسة الدولية، زاد القتال في الشرق الأوسط، وصاعد التوتر بين
روسيا والغرب، كما أصبحت علاقة
الصين مع جيرانها الآسيويين منفعلة بدرجة كبيرة، يحدث هذا كله في وقت انشغلت فيه الولايات المتحدة يالميلودراما التي أشعلها التنافس بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، وفترة التحول للرئاسة الجديدة".
ويضيف رخمان: "بالنسبة لكل من روسيا والصين، اللتين تعبران عن ضيق واضح من النظام العالمي، الذي تتسيده الولايات المتحدة، فإن انشغال أمريكا بنفسها يعد فرصة لهما، وتنظر كل من موسكو وبكين بعين الشك لكلينتون، وتعتقدان أن وصولها المحتمل إلى المكتب البيضاوي سيكون إيذانا بمرحلة من التشدد (الصقورية) في السياسة الخارجية الأمريكية، وقد تحاول العاصمتان المنافستان فعل شيء قبل أن تستقر في البيت الأبيض".
ويعلق الكاتب قائلا إن "انشغال أمريكا بنفسها في الأوقات العادية لا يدعو للقلق، إلا أن هناك قرارات كبيرة وخطيرة تلوح في الأفق، وتستدعي موقفا أمريكيا، ففي الشرق الأوسط، كاد القصف الروسي وجيش رئيس النظام السوري بشار الأسد على حلب أن يؤدي إلى انهيار العلاقات بين موسكو والغرب، ودون مشروع دبلوماسي مشترك يجمعهما، فقد ينزلق الطرفان نحو المواجهة الحقيقية، وأكثر من هذا، فإن هناك عقوبات جديدة ضد روسيا يتم التفكير بها، كما تتم مراجعة خيارات عسكرية أيضا".
ويشير رخمان إلى أن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يظن أن الولايات المتحدة، التي امتنعت عن القيام بعمل عسكري ضد نظام الأسد منذ عام 2011، لن تغير من مسارها في الثلاثة أشهر من حكم أوباما، إلا أن دفع روسيا بشدة للأمور في
سوريا قد يؤدي إلى رد فعل أمريكي، وهذا هو الوضع؛ لأن إدارة أوباما تشعر بالغضب بسبب الحرب الإلكترونية الهادفة للتأثير في
الانتخابات الرئاسية، وأشار نائب الرئيس جوزيف بايدن إلى أن بلاده تنوي الرد في الفضاء السايبري".
ويتوقع الكاتب أنه "حتى دون تدهور الوضع في سوريا، فإن القتال سيزداد في الشرق الأوسط في الأسابيع المقبلة، حيث بدأت القوات العراقية المدعومة بالقوة الجوية للتحالف الدولي، الذي تقوده الولايات المتحدة، بالدفع باتجاه استعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة، وسيكون أوباما سعيدا بتحقيق انتصار في الأسابيع المقبلة، خاصة أنه يريد حماية إرثه وتأمين الانتخابات الرئاسية".
ويعلق رخمان قائلا إن "اختيار الهجوم على الموصل بدلا من سوريا يظل جذابا للأمريكيين؛ لأن فرصة المواجهة مع الروس تظل قليلة، بالإضافة إلى أن نجاح الهجوم على الموصل سيقضي على الانطباع السائد بشأن ضعف أمريكا في المنطقة".
ويحذر الكاتب من مخاطر المقارنة بين الموصل وحلب، ويقول إنه "في الموصل هناك أكثر من مليون نسمة يعيشون تحت سيطرة تنظيم الدولة، وقد يجدون أنفسهم في وسط الحرب، كما أن المعركة في المدينة قد تؤدي إلى اندلاع مواجهة بين الحكومة التركية والعراقية، كلاهما حليف لأمريكا، وإن من الناحية الاسمية".
ويلفت رخمان إلى أن "الروس قد يحسبون أن الأشهر الثلاثة القادمة تمثل فرصة لهم في أوروبا الشرقية وأوكرانيا، في وقت ينشغل فيه الاتحاد الأوروبي بالخروج البريطاني من المنظومة الأوروبية في بروكسل، والتحضير للانتخابات الرئاسية في فرنسا، وكانت روسيا تأمل بإنهاء العقوبات التي فرضتها أوروبا عليها، بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم عام 2014، وبدلا من هذا، فقد قرر الغرب بشكل جماعي تقوية موقفه، وتحريك قوات جديدة للناتو إلى دول بحر البلطيق، التي تقع على حدود روسيا، وردت الأخيرة بتحريك الصواريخ المحملة برؤوس نووية إلى كالينغراد، وهي جيب روسي بين ليتوانيا وبولندا، ويهدف التحرك الروسي إلى إخافة الجميع، لكنه تحرك خطير".
ويبين الكاتب أن "الصين متحفظة وغامضة أكثر من موسكو، إلا أن تحركاتها في الأشهر الأخيرة أخافت جيرانها الآسيويين، وتشعر بكين بالغضب من قرار المحكمة الدولية في تموز/ يوليو، من أن مزاعمها في بحر الصين الجنوبي مزيفة، ومنذ ذلك الوقت اتسم الإعلام الرسمي بالشدة حيث يوجهون اللوم والتهديد للدول الصغيرة والصديقة، مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى أستراليا؛ لأنها تتبع أمريكا في القضايا الأمنية، ويقول اليابانيون إنهم شاهدوا نشاطات متزايدة للصين في المناطق المتنازع عليها في شرق بحر الصين".
وينوه رخمان إلى أنه "في الوقت ذاته تراقب أمم جنوب شرق آسيا النشاطات الصينية بحالة من القلق، خاصة بعد بناء الصين جزرا اصطناعية في بحر الصين الجنوبي، وفي الوقت الذي تقدمت فيه الفلبين بشكوى ضد الصين، إلا أن ميول رئيسها رودريغو دوترتي، المعادي للولايات المتحدة، قد تخفف من نشاطات بكين في المحيط الهادئ".
ويخلص الكاتب إلى أنه "في الوقت الذي يحزم فيه أوباما حقائبه لمغادرة البيت الأبيض، فإنه قد ينظر للوراء إلى أجندة السياسة الخارجية، التي وضعها قبل ثمانية أعوام، فقد كان هناك طموح لتعديل طبيعة العلاقة مع روسيا، وإنشاء علاقة عمل جديدة مع الصين، وإنهاء الحروب في الشرق الأوسط، ولم يتحقق أي من هذه الأمور، وبدلا من ذلك، فإن أوباما سيكون محظوظا لو قضى الأشهر الأخيرة في البيت الأبيض دون مواجهة أزمة دولية كبيرة".