بالرغم من مرور أكثر من ثلاث سنوات على انقلاب تموز/ يوليو في مصر لا تزال الحملات الأمنية والملاحقات القضائية والاعتقالات العشوائية مستمرة بلا هوادة، في مؤشر على اتساع رقعة المعارضة ضد نظام قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
وشملت الحملات القمعية فئات المجتمع المدنية المختلفة، بداية من المعارضين السياسين الإسلاميين مرورا بالطلاب والصحفيين والإعلاميين والقضاة وحتى المواطنين العاديين.
وبات تدخل الأجهزة الأمنية في القضاء والصحافة والإعلام والعمل الطلابي مؤشرا واضحا على تراجع مصر إلى أدنى خطوط الحريات والتعبير عن الرأي، وتحقيق أكبر درجات الاضطهاد والتنكيل بالمعارضين، وفق حقوقيين وقانونيين وصحفيين ومعارضين.
عندما يكون القضاء أداة
وقال وزير العدل الأسبق المستشار أحمد مكي، إن "منصة القضاء اكتوت بنيران السياسة في مصر، بل قضت عليها"، وأضاف لـ"
عربي21" أن الهدف من وراء تدخل السلطة التنفيذية في القضاء هو "استعمال القضاء كأداة لتصفية الخصوم السياسيين".
وأكد أن "القضاء أداة في يد الحكومة، وأخطر ما أصاب القضاء ليس عزل عشرات القضاة منذ تموز/ يوليو 2013، إنما استعمال نماذج سيئة للفصل في قضايا سياسية، للتنكيل بالخصوم".
واستبعد أن توجد هيئات أو مؤسسات مستقلة في الدولة، قائلا: "في ظل النظم غير الديمقراطية ليس هناك لا جهة ولا هيئة مستقلة"، مشيرا إلى أن أصل تسمية "تيار الاستقلال" في صفوف القضاء المصري إبان عهد حسني مبارك سببه "المطالبة باستقلال القضاء، ولو كان لدينا استقلال لما سميناه تيار الاستقلال".
عودة الخطوط الحمراء
وفيما يتعلق بحرية
الصحافة والإعلام، قال الباحث في المرصد العربي لحرية الإعلام، الصحفي أحمد أبو زيد، إن "حملة ملاحقة أصحاب الرأي، وفي القلب منهم الصحفيون، بدأت في وقت مبكر من الانقلاب، وارتبطت بخفض سقف المعالجة الإعلامية، وعودة المحرمات والخطوط الحمراء".
وأضاف: "صاحب ذلك المسار شن النظام حملة لا هوادة فيها ضد الصحفيين الميدانيين الذين ينقلون الحقيقة من الشارع وباتت الكاميرا جريمة"، مشيرا إلى اعتقال الصحفيين حمدي الزعيم، وأسامة البشبيشي، ومحمد حسن أثناء عملهم الميداني في الشارع، وتعرضهم للتعذيب.
وفي سبيل تشديد التضييق على حرية الرأي والتعبير، لفت أبو زيد إلى أن "النظام استخدم آلته التشريعية في إصدار تشريعات وقوانين لتقييد العمل الصحفي والإعلامي، فضلا عن تلفيق قضايا لمنتسبي كيانات إعلامية وصحفية بعينها، وإغلاق مقراتها"، مشيرا إلى "اعتقال أكثر من 300 صحفي خلال ثلاث سنوات لا يزال منهم قيد الحبس 100 على الأقل".
استهداف أصحاب الرؤى
من جهته، علق الكاتب الصحفي قطب العربي على تصعيد حملات سلطة السيسي ضد السياسيين المعارضين بدءا من الإسلاميين وانتهاء بالليبراليين واليساريين وأيضا الإعلاميين وحتى بعض القضاة، قائلا: "هو استهداف مباشر لأصحاب الرأي الذين يدركون خطورة الأوضاع في مصر في ظل الحكم العسكري والذين يحملون رؤى حقيقية لإصلاح الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في البلاد".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "هؤلاء هم القادرون على توعية وتحريك بقية فئات الشعب وقيادتهم نحو التغيير؛ ولذا فأي نظام قمعي يسعى لاستقطاب هذه الفئات الواعية صاحبة الرؤية لكنه غالبا ما يفشل فيلجأ إلى قمعها وملاحقتها حتى تنشغل بنفسها ويغيب تأثيرها".
قمع الحراك الطلابي
على الصعيد الحراك الطلابي، قال الناشط السياسي، ونائب رئيس اتحاد طلاب مصر السابق، أحمد البقري، لـ"
عربي21": "عادة النظام القمعي المستبد يقوم باستخدام كل قوته لأجل قمع الطلاب، وملاحقتهم، وإفشال حراكهم؛ باقتحام الجامعات واستباحة دمائهم وحرياتهم، وتمدير مستقبلهم".
ولكنه توقع فشل محاولات إجهاض الحراك الطلابي، قائلا: "سيظل الطلاب هم الشوكة الأصعب في حلق كل مستبد، فالطلاب يخوضون معركة وعي مع نظام فاشي اتخذ السلاح منهجا له، فالاتحادات الطلابية تم إلغاؤها، والأنشطة الطلابية تم حظرها، وعاد الأمن إلى حرم الجامعات".
هدوء يسبق العاصفة
وانتقد مدير مركز هشام مبارك للقانون مصطفى أبو الحسن، اعتماد الأسلوب الأمني في مواجهة الرأي الآخر، وأكد لـ"
عربي21" أن "القمع الأمني هو الأساس في التعامل مع الطلاب أو العمال أو الصحفيين أو حتى تحركات الجمهور"، منتقدا "إغلاق كل منفذ لحرية التعبير".
ووصف حالة الهدوء الذي يروج له النظام بأنه "هدوء مصطنع يسبق العاصفة، ما لم يتم السماح بفتح المجال العام أمام حرية التعبير سواء في الصحف أو الإعلام التي تسيطر على معظمها الأجهزة الأمنية، أو التظاهر السلمي الذي كفله الدستور للمصريين".
وقلل أبو الحسن من نجاح فرص النظام في استمرار الاعتماد على الأسلوب الأمني، قائلا إنه "مع تصاعد الأزمات الاجتماعية في مصر، يجب إطلاق سراح جميع الحريات، وهو الحل الوحيد للأزمة المستحكمة؛ لأن الحلول الأمنية مصيرها الفشل وتم تجريبها لعقود طويلة".