قال زعيم حزب يساري في
تونس إنّ إنقاذ البلاد يستدعي تحالفا مؤقتا بين اليسار وحركة
النهضة الإسلامية، منتقدا الجبهة الشعبية "التي فوّتت على القوى الديمقراطية واليسارية فرصة المشاركة بفعالية أكبر في حكومة الوحدة الوطنية"، وفق تعبيره.
وتابع الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري، محمد الكيلاني، في حوار له نشرته صحيفة "القدس العربي"، الأربعاء، بأنّ "الجبهة الشعبية قررت عدم المشاركة في مشاورات قرطاج؛ انطلاقا من الموقف الاستراتيجي الذي يقتضي عدم
التحالف مع أحزاب إسلامية، خاصة حركة النهضة"، بحسب قوله.
وأضاف: "رغم أنني أعتقد أن عملية إنقاذ تونس تتطلب تقديم تنازلات كبيرة، واختيارات تكتيكية بحتة، من بينها الالتقاء مع النهضة في مهمة محددة، ولفترة زمنية مؤقتة".
أخرج من سياقه
لكن الكيلاني نفى في مؤتمر صحفي عقده، الخميس، أن يكون دعا إلى تحالف بين النهضة واليسار من أجل إنقاذ تونس، معتبرا ذلك أمرا مستحيلا.
وأكّد الكيلاني أنّ كلامه "أخرج من سياقه.. فأنا لم أدع إلى تحالف بين اليسار وحركة النهضة"، موضّحا أنّه تحدث عن "ضرورة تحقيق تحالف واسع يلتقي فيه اليسار والنهضة وكافة القوى السياسية من معارضة وأحزاب حاكمة ومنظمات اجتماعية في حكومة الوحدة الوطنية، وليس تحالفا بين النهضة واليسار فقط".
وحول إمكانية تحالف النهضة واليسار، قال الإعلامي والمحلل السياسي صلاح الدين الجورشي إنّه، بقطع النظر عن النوايا والخلفيات لتصريح الكيلاني، فإنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل في عالم
السياسة.
ليست مستقرة
وتابع، في تصريح لـ"عربي21"، بقوله إنّ السياسة تقوم على المتغيرات، وتحوّل المواقف حسب المصالح والضرورات، "وبالتالي ما يبدو لنا اليوم أمرا مستبعدا أو مستحيلا، يمكن أن يصبح غدا ممكنا وضروريا إذا ما تغيرت المعطيات"، وفق تعبيره.
ولفت الجورشي إلى أن علاقة اليسار والإسلاميين ليست مستقرة، مبينا أنّه حصلت فيها بعض المتغيرات في عدد من المحطات، خاصة أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات.
وقال: "حين كان الإسلاميون يطلقون على أنفسهم حركة الاتجاه الإسلامي، حصلت اجتماعات في مقر حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في تونس، عندما كان يقودها أحمد المستيري، وجمعت ممثلين عن قيادة الاتجاه بنظرائهم عن الحزب الشيوعي التونسي، وصدرت بيانات مشتركة".
التقاء واضح
وأشار الجورشي إلى التجربة التي أطلق عليها عام 2005 "حركة 18 تشرين الأول / أكتوبر"، التي جمعت بشكل واضح بين النهضة وبين حزب العمال الشيوعي التونسي، وهو من أهم فصائل أقصى اليسار بقيادة حمّة الهمامي، الناطق باسم الجبهة الشعبية اليوم، الذي يرفض التحالف مع النهضة علنا".
ولاحظ الجورشي أنّ التطورات الأخيرة التي شهدتها تونس فرضت حكومة يوسف الشاهد أو ما تعرف بحكومة الوحدة الوطنية، "فرأينا ضمن الحكومة الواحدة عناصر كانت لها أصوات مرتفعة جدا ضدّ الالتقاء أو العمل المشترك مع حركة النهضة".
ولفت إلى مشاركة عبيد البريكي (وزير الوظيفة العمومية والحوكمة)، وهو أحد مؤسسي حزب الوطنيين الديمقراطيين (حزب المعارض اليساري شكري بلعيد، الذي اغتيل في 6 شباط/ فبراير 2013)، كذلك سمير الطيب (وزير الفلاحة)، وهو أمين حزب المسار اليساري
تغيّر في المواقف
وخلص الجورشي إلى أنّه، بقطع النظر عن الدوافع التي جعلت اليساري محمد الكيلاني يُغير أو يعدّل موقفه، لا يستبعد حصول تغيّر في المواقف خلال المرحلة القادمة، فتلتقي حركة النهضة مع جزء هام من اليسار، سواء في شكل الحكومة أو في صيغة أخرى.
وقال: "يكفي أن العديد من المؤسسات الدستورية كالبرلمان شهدت منذ الثورة تعايشا ملموسا بين هذين التيارين، وبالتالي قد تتغير المعطيات في المرحلة القادمة، وتفرض على الجميع التحالف، لا أقول إنّهم سيضعون اليد في اليد، ولكن أن يلتقوا على أرضية حكومية تقتضي عليهم العمل معا؛ من أجل وضع حد للوضع الخطير الذي تعيشه تونس"، وفق تعبيره.
يُشار إلى أنّ محمد الكيلاني سياسي تونسي بارز، له كتب تتحدث كلها عن اليسار والشيوعية، على غرار "الحركة الشيوعية في تونس"، و"الماوية معادية للشيوعية"، و"في الحكم الفردي"، و"التروسكية والتروتسكيون في تونس"،