عكس الخطاب الملكي من السنغال في ذكرى المسيرة الخضراء، التحول الاستراتيجي الذي يطبع نظرة
المغرب إلى جيرانه جنوب
الصحراء، ويظهر أهمية المدخل الأفريقي في حسم قضية الصحراء المغربية.
الملك الذي ألقى خطابا لأول مرة من خارج المغرب، حرص في خطابه على التذكير بالأولوية الديموقراطية حيث أشاد بالنموذج الديموقراطي لجمهورية السينغال، كما شدد على إصرار المغرب على دخول منظمة الاتحاد الأفريقي.
رسائل ودلالات
قال محمد بودن رئيس "مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية": "تعد خطوة توجيه خطاب ملكي بمناسبة وطنية من خارج أرض الوطن خطوة محسوبة بدقة ولحظة غير مسبوقة ولها عديد
الرسائل والدلالات".
وأضاف بودن في تصريح لـ"
عربي21" أن "ذكرى المسيرة الخضراء هذه السنة مطبوعة بسمتين أساسيتين، الأولى تتعلق بمخاطبة الملك للشعب لأول مرة من خارج المملكة المغربية وهو أمر قد رفع من مستوى التعبئة، والثانية تتعلق بمخاطبة
أفريقيا من عمق أفريقيا".
وبخصوص رسائل الخطاب الملكي، قال رئيس مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية: "فهي رسالة الصورة جسدتها خلفية مكان إلقاء الخطاب التي رسمت بوضوح الانتماء المغربي لأفريقيا وألقت الضوء على المجال الأفريقي بأرضه وبحره وتضاريسه ومناخه، وهي رسالة بليغة لا تحتاج إلى تفكيك".
وتابع: "رسالة أخوية تؤكد العلاقة الخاصة بين المغرب والسنغال، إذ ليس بالظرفي إلقاء خطاب سيادي بمناسبة لها رمزية عميقة خارج أرض الوطن".
و"رسالة روحية تتجسد في العلاقة المتينة التي تجمع الملك أمير المؤمنين بدول غرب أفريقيا ومن بينها السنغال التي يقطنها عدد كبير من المسلمين".
و"رسالة إنسانية من ملك بلد أفريقي لسكان أفريقيا تؤكد التاريخ المشترك والمصير المشترك".
"رسالة وجدانية تؤكد مكانة المغرب في بلدان أفريقيا وخطاب رئيس دولة برسائله المتعددة لا يمكن أن تسمح به دولة أخرى ليلقى من فوق ترابها دون أن تكون العلاقة بين البلدين مطبوعة بالخصوصية النادرة".
"رسالة تتعلق بمشاطرة المغرب لعدد من أصدقائه الأفارقة وعلى رأسهم السنغال في عدد من القضايا في إطار احترام قواعد العلاقات الثنائية".
وأفاد أن "إلقاء الخطاب الملكي بالسنغال هو بمثابة اعتراف ملكي بالسنغال كدولة حكيمة ونموذج ناجح ومستقر في غرب أفريقيا".
وأضاف: "ثمة رسالة تؤكد ميل المغرب لأفريقيا والزيارات الملكية لبلدان أفريقيا ستتبعها جولات أخرى لحشد الدعم وتجسيد مقاربة جنوب _ جنوب وهو ما يؤهل المغرب للتحدث باسم أفريقيا".
العمق الاستراتيجي
من جهته، اعتبر أستاذ العلوم السياسي والباحث الجيو استراتيجي في جامعة محمد الخامس بالرباط، أن "الخطاب الملكي من دكار، هو محاولة من الملكية بالمغرب للتأكيد على أن اختيارها العودة للاتحاد الأفريقي، هو رهان استراتيجي، وهو يحمل دلالات سياسية للخارج، والداخل، تكسر الصورة النمطية حول ارتباط المؤسسة الملكية ببعض البروتوكولات التقليدية، ومنها؛ توقيع قرارات سيادية، أو توجيه خطابات للشعب من الخارج".
وشدد خالد يايموت في تصريح لـ"
عربي21"، على: "أما من ناحية الدلالات الدبلوماسية، فالخطاب هو (إعلان عرفي) عن الرجوع للاتحاد الذي غادره المغرب منذ 1984م، في انتظار أخذ المسطرة القانونية لمجراها العادي".
العلاقات مع أفريقيا
وتابع يايموت: "من الواضح أن توجيه الخطاب من دكار، يأتي في سياق اعتبار المغرب أن غرب أفريقيا عمقه الاستراتيجي؛ وأنه عازم على أن تحويل الثقل الاقتصادي والديني والثقافي في القارة الأفريقية، إلى تموقع سياسي جديد للمغرب بالقارة، يخدم يضمن مصالح الشركاء وينتصر لمصالح المملكة الخاصة بدعم مقترحها للحكم الذاتي في الصحراء المغربية".
ومضى يقول: "وهذا يفرض على المغرب ترك سياسة المقعد الفارغ، وتشبيك العلاقات مع مختلف أقطار دول جنوب الصحراء، في إطار استراتيجية جديدة، تنشط من داخل مؤسسات الاتحاد، وفي الوقت نفسه تطور علاقات الثنائية مع دول القارة وتكتلاتها مثل المجموعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا، مجموعة شرق أفريقيا وهي منظمة دولية تضم خمس دول بشرق إفريقيا، وهي بروندي وكينيا وأوغاندا وروندا وتانزنيا، وكذلك المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس)".
وأردف محمد بودن أن الخطاب الملكي حمل أيضا "رسالة سياسية تفيد أن المغرب يعمل من أجل عودة قوية إلى الاتحاد الأفريقي كإطار مؤسسي معروف، وملف الصحراء سيحسم عبر هذا المدخل ودفع الاتحاد الأفريقي إلى تصحيح مسار تعارضه مع قرارات عدد من البلدان الأعضاء فيه ومع الشرعية الدولية فيما يتعلق بمقاربته للحل المتعلق بملف الصحراء".
و"رسالة جيوستراتيجية من السنغال لبعض القائلين بتغلغل المغرب في أفريقيا مفادها أن العلاقات البينية لا تبنى على مستوى واحد فقط بل هناك عدة أنماط يعكسها سلوك المغرب التضامني والتشاركي مع عدد من بلدان أفريقيا، كما أن المغرب لا ينطلق في بناء سياسته الخارجية من استغلال ضعف بلدان ليفرض عليها أجندات معينة".
و"رسالة جيو _ سياسية تأخذ في الحسبان معطيات الجوار المعقد والذي يحتاج لسياسات تعتمد على بلدان مرتكزات والسنغال ظلت مفتاحا لمنطقة غرب إفريقيا".
و"رسالة مستقبلية تفيد أن المغرب يملك السند القوي للعودة إلى الاتحاد الأفريقي، وفي الآن نفسه لا يستعجل نتائج عودته للاتحاد الأفريقي وأن العلاقات لن تصبح طبيعية منذ البداية، بل على الأرجح سيستمر الاشتباك بين الطرفين مع محاولات الانفتاح والتفاهم في نفس الوقت، وهذا الوضع يحتاج لدول صديقة بقيمة السنغال ودول أخرى صديقة تشكل الأغلبية الساحقة لترسيم العودة كما عبر عنها الملك في خطابه".
خطاب السنغال
أشاد الملك في خطابه إلى المغاربة بالستغال وتاريخ السنغال ومواقفها من قضية الوحدة الترابية والدفاع عن مصالح المغرب العليا.
وقال إن المغاربة لن ينسوا موقفه التضامني الشجاع، أثناء خروج المغرب من منظمة الوحدة الأفريقية، سنة 1984، حيث اعتبر الرئيس السابق، عبدو ضيوف، أنه لا يمكن تصور هذه المنظمة بدون المغرب.
وأضاف: "لقد اخترت السنغال أيضا، لمكانته المتميزة في أفريقيا، بفضل نموذجه، الديمقراطي التاريخي، واستقراره السياسي والاجتماعي، وديناميته الاقتصادية".
وتابع: "إذا كنت قد خاطبتك، في مثل هذا اليوم من السنة الماضية، من العيون بالصحراء المغربية بخصوص أفريقيا، فإني أخاطبك الآن من قلب أفريقيا، حول الصحراء المغربية. فهذا الخطاب من هذه الأرض الطيبة، تعبير عن الأهمية الكبرى التي نوليها لقارتنا".
وأوضح أن "السياسة الأفريقية للمغرب، لن تقتصر فقط على أفريقيا الغربية والوسطى، وإنما سنحرص على أن يكون لها بعد قاري، وأن تشمل كل مناطق أفريقيا".
وشدد على أن "عودة المغرب للاتحاد الأفريقي ليست قرارا تكتيكيا، ولم تكن لحسابات ظرفية. وإنما هو قرار منطقي، جاء بعد تفكير عميق. وعندما نخبر بعودتنا، فنحن لا نطلب الإذن من أحد، لنيل حقنا المشروع".
وزاد أن "القرار تتويج لسياستنا الأفريقية وللعمل الميداني التضامني الذي يقوم به المغرب مع العديد من دول القارة، على مستوى النهوض بالتنمية الاقتصادية والبشرية، في سبيل خدمة المواطن الأفريقي".
وتابع: "إضافة إلى التعاون الثنائي ومع المجموعات الإقليمية، سيتيح هذا الرجوع لبلادنا، الانخراط في استراتيجيات التنمية القطاعية بأفريقيا، والمساهمة الفعالة فيها، وإغنائها بالتجربة التي راكمها المغرب في العديد من المجالات".
وكان ملك المغرب قد دشن قبل أيام زيارات لثلاث دول أفريقية، هي رواندا وتنزانيا وأثيوبيا، نحجت اثنتان منها قبل أن يتم تأجيل زيارة أثيوبيا لتاريخ لاحق، في إطار السياسية الأفريقية التي اعتمدها المغرب بعد 2011.