فتح الخطاب
الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة المجال لجدل واسع بين المهتمين بالسياسة في
المغرب، خاصة مع انقسام القراءات تجاهه بين من يراه دعم لرئيس
الحكومة المعين عبد الإله بن كيران في
المفاوضات، ورأي آخر يعتبره دليل توتر بين الملك ورئيس الحكومة، ورأي ثالث يعتبر الملك تجاوز صلاحياته
الدستورية.
ولقد كان الملك صارما في خطابه تجاه الحكومة، حيث دعاها إلى الاهتمام بأفريقيا، ورفض أن تكون الحكومة المقبلة مسألة حسابية، وشبهها بالغنيمة الانتخابية، مطالبا بحكومة برامج بكفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة.
دعم رئيس حكومة
قال بلال التليدي الكاتب والمحلل السياسي: "إن خطاب المسيرة كرس حقيقة نجاح
ابن كيران في الجولة الأولى من مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة".
وأضاف بلال في تصريح لـ"
عربي21": "رغم نجاح ابن كيران في الجولة من المفاوضات، فإن الجولة الثانية ستكون صعبة خاصة بعد إعلان الملك أنه سيكون صارما في اختيار الوزراء، وهذا ما قد يثير مشاكل داخل الأحزاب ويثير صعوبات لزعماء هذه الأحزاب بخصوص ملف الاستوزار".
وتابع التليدي: "الخطاب يجيب على المستويات الثلاث التي يمر منها تشكيل الحكومة، فعلى المستوى الأول، أي المشاركة في الحكومة من حيث المبدأ وإمكان تشكيلها طبقا للدستور، فثمة إشارة في الخطاب الملكي وجب التقاطها بقوة وهي أن الخطاب وضع نهاية للتكهنات التي كانت تدرج سيناريو الأزمة السياسية والفراغ الدستوري ضمن الخيارات الممكنة، فحسب نص الخطاب فالحكومة ستتشكل ورئيس الحكومة المعين لن يفشل في تشكيل حكومته".
وأضاف: "على المستوى الثاني الخاص بتوزيع الحقائب، فقد قدم الملك توجيها يصب في خانة دعم رئيس الحكومة لتسهيل تشكيل حكومته، إذ لفت الانتباه إلى أن المهم في تشكيل الحكومة ليس اعتماد العدد أو اعتماد معيار اقتسام الغنيمة، بقدر ما هو العمل على تشكيل حكومة منسجمة".
وهذا "التوجيه الذي يمكن قراءته على أساس أنه يقدم جوابا عن صيغة من صيغ تشكيل الحكومة، أي التحاق الاتحاد الاشتراكي، بحكم أن الخلاف مع الأحرار لا يزال في المستوى الأول وليس الثاني، كما يمكن قراءته على أساس أنه يقدم جوابا عن صيغة التحاق الأحرار بحكم أن هذا الالتحاق يطرح سؤال الوزن الانتخابي، وهل سيتم التعامل مع الأحرار بوزنه الانتخابي أم بوزنه ووزن الاتحاد الدستوري حليفه".
وأفاد: "أما المستوى الثالث، والمرتبط بالأسماء، فواضح أن التأكيد على المنهجية الصارمة التي سيعتمدها الملك في التسمية، يعتبر بمثابة دعم لرئيس الحكومة في إعمال مبدأ التشدد في قبول أسماء المستوزرين، وهو ما كان قد أشار إليه ابن كيران عند تعيينه، وجاء الخطاب الملكي ليدعم هذا التوجه، ويبرره بالإرادة الشعبية (المغاربة)".
وخلص إلى أن "الخطاب في مجمله، فيما يتعلق بالحكومة، يعكس ما تتطلع إليه الإرادة الشعبية من أن تكون الحكومة بانسجام مكوناتها، وبهندستها ووزرائها في مستوى التحديات والأولويات التي تطرحها المرحلة".
تجاوز الدستور
قال الباحث والمحلل السياسي عبد الرحيم العلام: "لقد تحدث الملك عن مسألة تشكيل الحكومة بخلفية ما قبل دستور 2011، وبعقلية الحسن الثاني الذي كان يقول بأن في مقدوره تعيين سائقه وزيرا أول".
وأضاف عبد الرحيم العلام في تصريح لـ"
عربي21": "فخطاب دكار يتحدث بلغة حاسمة تجعل رئيس الحكومة المعين مجرد منفذ للتوجيهات ولا حرية له في اختيار وزرائه الذين سيكون هو المسؤول عن تصرفاتهم خلال التدبير الحكومي".
وشدد العلام على أن "الدستور الحالي لا يوجد فيه أي نص يعطي للمك الحق في رفض اختيارات الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة، فقط يمكنه أن يقيل الوزراء بعد استشارة رئيس الحكومة، أما أن يكون شريكا في تقرير هوية الوزراء فهذا يعيدنا إلى ما قبل دستور 2011 عندما كان الوزير الأول المعين آخر من يعرف وزراء حكومته (نتذكر جيدا حكومة سيدنا قدر التي سُلمت لائحتها لعباس الفاسي)".
واعتبر الباحث أن "مصطلح "الكفاءة" الذي جاء في الخطاب الملكي، يشير في العرف السياسي المغربي إلى "التكنوقراط"، وهذا يؤشر على "أن الحكومة الحالية ستكون مثقلة بأمثال هؤلاء سواء تم إلباسهم رداء أحزاب سياسية من قبيل التجمع الوطني للأحرار أو الاتحاد الدستوري، أو تم الاستغناء عن هذه التقنية".
وأفاد: "فالحديث عن الغنيمة والمحاصصة وعدم إرضاء الرغبات الحزبية خلال تشكيل الحكومة من المفروض فيه أن يعمّ الجميع، لأن الرغبات الحزبية تقابلها رغبات القصر، والمحاصصة الحزبية تقابلها رغبات التكنوقراط وأحزاب الإدارة".
خطاب أزمة
قال محمد الزهراوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض: "إن خطاب الملك في ذكرى المسيرة الخضراء حمل عدة رسائل، بالموازاة مع التحولات الجديدة التي همت العقيدة الخارجية للدولة المغربية".
وأضاف محمد الزهراوي في تصريح لـ"
عربي21"، أن "الملك أشار إلى السياسات المقبلة للحكومة تجاه أفريقيا، وذكر باتخاذ منهجية صارمة في اختيار الوزراء وبالتالي فخطاب الملك لخص ثلاث رسائل ودلالات".
وأوضح الباحث والمحلل السياسي، أن "الرسالة الأولى تتجلى في تضمين الخطاب للحديث عن الحكومة في هذا السياق الذي يعرف تعثر مفاوضات تشكيل الحكومة، ما يؤشر على وجود أزمة بين رئيس الحكومة المعين ابن كيران وبين الملك".
وتابع أن "هذه الأزمة ظهرت من خلال رفض ابن كيران مقترحات رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار المقرب من القصر عزيز أخنوش".
"ثاني الرسائل" بحسب الزهراوي، أن "هذه الإشارة عادية وهي جزء من صلاحيات الملك وهي بمثابة توجيه إلى رئيس الحكومة من أجل مراعاة بعض المعايير والشروط في مسطرة اقتراح الوزراء، لأن الظرفية الحالية داخليا وخارجيا تقتضي البحث عن كفاءات لرفع التحديات".
وزاد: "ثالثا التوجيه يأتي في سياق محاولة الضغط على ابن كيران لتقديم تنازلات لإشراك حزب الأحرار وفق شروط رئيسه أخنوش، خاصة وأن ابن كيران لا يملك خيارات أخرى، وفي ظل الوضع المتعثر الذي أبان أن ولادة الحكومة سيكون صعبا إن لم يكن مستحيلا".
خطاب الملك
قال الملك في خطاب وجهه إلى المغاربة الأحد: "إننا نتطلع لأن تكون السياسة المستقبلية للحكومة، شاملة ومتكاملة تجاه إفريقيا، وأن تنظر إليها كمجموعة".
وأضاف: "كما ننتظر من الوزراء أن يعطوا لقارتنا، نفس الاهتمام، الذي يولونه في مهامهم وتنقلاتهم للدول الغربية".
وسجل: "إن المغرب يحتاج لحكومة جادة ومسؤولة. غير أن الحكومة المقبلة، لا ينبغي أن تكون مسألة حسابية، تتعلق بإرضاء رغبات أحزاب سياسية، وتكوين أغلبية عددية، وكأن الأمر يتعلق بتقسيم غنيمة انتخابية".
وشدد على أن "الحكومة هي برنامج واضح، وأولويات محددة، للقضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها إفريقيا. حكومة قادرة على تجاوز الصعوبات التي خلفتها السنوات الماضية، فيما يخص الوفاء بالتزامات المغرب مع شركائه".
وزاد: "الحكومة هي هيكلة فعالة ومنسجمة، تتلاءم مع البرنامج والأسبقيات. وهي كفاءات مؤهلة، باختصاصات قطاعية مضبوطة".
ومضى يقول: "سأحرص على أن يتم تشكيل الحكومة المقبلة، طبقا لهذه المعايير، ووفق منهجية صارمة. ولن أتسامح مع أي محاولة للخروج عنها. فالمغاربة ينتظرون من الحكومة المقبلة أن تكون في مستوى هذه المرحلة الحاسمة".