لماذا يظهر
المجتمع الدولي خوفه وقلقه على الموت الحاصل في
سوريا؟ لا أعلم. هل هم لا يستطيعون فعل شيء غير ذلك، أم أنهم متفقون على ذلك؟ بعد صمتهم الذي استمر طيلة خمس سنين لم نعد نتكلم عن أوجاعنا نخاف أن يزعجهم منظر موتنا أو أن يعكر صفوهم.
آيلان الكردي الطفل الذي مات غرقا على شواطئ البحر المتوسط تكلم عنه العالم وعن قصة موته، رغم أنه مات بصمت، لم يكن يهتم بما سيحصل بعد موته، حاول ألا يموت بالداخل السوري لكي لا يزعجهم صوت الصاروخ الذي سيقتله أو مشهد الدم المتناثر من جسده، بل قرر رغم كل الظروف أن يبحث عن الحياة بداخل الموت، وفشل في تحقيق ذلك، ولكن الفاشل الأكبر هنا كان المجتمع الدولي، الذي لطالما غرد عن حقوق
الأطفال والذي لم يكتف بالمساعدة بقتل آيلان والكثير من أمثاله في سوريا بصمته عن جرائم الأسد، بل نشر قصصهم على أنها حوادث مقلقة لم تحدث من قبل، والغريب أنهم هم من صمتوا وفتحوا المجال للوصل إلى هنا.
أوليس كل النازحين مثل آيلان هربوا من الظلم إلى الموت، حاصروهم في كل البلاد التي نزحوا إليها ولم يتركوا أمامهم إلا البحر كي يخوضوه، وعند غرق أحدهم سارعوا لنشر قلقهم على أساس القيم والإنسانية؟
هل حقا لا يمكنهم مساعدتنا؟ هل حقا يقلقهم موتنا، أم تقلقهم مشاهد الموت الجديدة فقط؟ ما يقلقهم حقا انتشار صور موتنا ليشاهد جميع العالم كيف نموت، يريدون أن نموت بصمت دون أن يسمعنا أحد، ولكن كيف وصمتنا لغةً أسمعت العالم مطلبنا؟
عمران أيضا لم يبك لكي لا يعكر صوت بكائه سهراتهم أو أن يوقظ أطفالهم، بعد أن
قصف منزله في مدينة حلب ليلاً من قبل الطيران الروسي، حاول أن يوصل رسالته لهم بصوره التي انتشرت في وسائل الإعلام ألا تقلقوا فنحن نموت بشكل جيد، ورغم ذلك لم يخفوا قلقهم، بل ذكروه في كل مكان، هل ذكروه لأنهم فشلوا في قتله، أم لأنهم فشلوا في أن يخيفوه بطائراتهم، وكان صمته من يقلقهم، فهم يقلقون منه لا عليه.
أوليس كل الأطفال الذين قتلوا بالقصف مثل عمران، هل الطيران الحربي يميز بقصفه أم أنه يقتل الحجر والبشر، هل شاهدوا عمران ولم يشاهدوا من سبقوه؟
حقاً قلق مجلس الأمن والمجتمع الدولي أصبح يخيفنا، فبعد كل خطاب أو تصريح لمسؤول أمريكي وخصوصا "بان كي مون" يبتكر نظام الأسد طرق جديدة في القتل والقصف بعد أن تأكد بأنهم لن يخرجوا بغير الكلام والخطابات، بالمقابل يزيد الروس بدعمهم للأسد ضد الثورة.
أصبحنا نخاف من قلقهم أكثر من القصف نحاول أن ننتصر على جراحنا لنريهم أننا مستمرون في ثورتنا كما هم مستمرون في تخاذلهم، فالجميع يعلم الآن أنهم ليسوا دعاة حرية ولا حقوق إنسان ما يهمهم فقط مصالحهم، وإن كان موتنا لمصلحتهم ليس لديهم مشكلة، بل المشكلة كيف نموت، يريدون ألا نقتل بسلاح الكيماوي، ولكن ليس هناك مشكلة بأن نقتل بالصواريخ الفراغية والطيران الحربي.
سيرحل بان كي مون قريبا ولم يحمل في جعبته غير القلق دون أن يحرك ساكناً لمحاسبة المجرمين والقتلة، الآن نحن من سيقلق على رحيله، هل من سيأتي بعده يقلق مثله أم حتى قلقهم من موتنا سيختفي؟
الأكيد في كل الأمر أنهم لم يتوقعوا الوصول إلى هنا، فهم قلقوا من موتنا وليس على موتنا، وراهنوا أننا لن نصبر على كل هذا. ولكن تحول قلقهم إلى حقيقة، فلا يمكن أن نعود بعد كل ذلك ليس هناك أنصاف حلول ولا يوجد حل من دون رحيل من قتل ودمر.