نشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية تقريرا حول
الانتهاكات التي يرتكبها عناصر الجيش
العراقي والمليشيات الشيعية المساندة لهم، في أثناء سيطرتهم على القرى المتاخمة لمدينة
الموصل في شمال العراق، مشيرة إلى أن تلك الانتهاكات ترتكب من قبل من يفترض أنهم يقاومون الإرهاب، وحذرت من أن هذه الجرائم سوف تعمق الانقسام في العراق وقد تؤدي لفشل هذه الحرب.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن مقطع فيديو تم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي، أظهر طفلا ملقى على الرمل، غير قادر على تحريك رجليه، فيما كان جندي يقوم بسحله وهو مستسلم تماما، حتى وضعه أمام دبابة، ثم قام بقية الجنود بإطلاق النار عليه من مسافة قريبة قبل أن تدوسه الدبابة.
وأضافت الصحيفة أن هذا المقطع قام بتصويره جندي بهاتفه الجوال، وبسرعة انتشر بين رواد شبكات التواصل الاجتماعي خلال الأسبوع الماضي، ليكون دليلا آخر على "جرائم الحرب التي يرتكبها الجيش العراقي وحلفاؤه من المليشيات الشيعية، في أثناء اقترابهم من مدينة الموصل التي تعد معقل
تنظيم الدولة في العراق.
ولاحظت الصحيفة أن أحد هؤلاء الجنود الذين ارتكبوا الجريمة يحمل على لباسه العسكري العلم العراقي، ما يعني أنه ينتمي للجيش النظامي، إلا أن المتحدث باسم الجيش، نجيم الجبوري، نفى تورط جنود عراقيين في جريمة قتل هذا الطفل، بل إنه ادعى أن من ظهروا في ذلك الفيديو هم مقاتلون تابعون لتنظيم الدولة ينتحلون صفة جنود عراقيين لتشويه الجيش، رغم أن الوقائع تكذبه، خاصة أن الفيديو ظهر لأول مرة على صفحات ومواقع تابعة لمقربين من الجيش العراقي، وليست مواقع تابعة لتنظيم الدولة، كما تقول الصحيفة.
كما أشارت الصحيفة إلى تقارير أخرى تؤكد وقوع انتهاكات جسيمة في حق سكان بلدات أخرى، مثل القيارة وناحية الشورى، وهو ما أكده موظفون تابعون لمنظمة العفو الدولية، التي أصدرت تقريرا قالت فيه إن رجالا يرتدون زي الشرطة العراقية قاموا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، بتعذيب ستة أشخاص أولا، قبل أن يعدموهم بحجة أنهم ينتمون لتنظيم الدولة.
كما نقلت الصحيفة عن سكان مناطق أخرى في محيط مدينة الموصل، وصفهم لهذه الجرائم، حيث أكدوا أن هنالك رجالا بلباس الشرطة النظامية، قاموا بالاعتداء بالعنف على أقاربهم باستعمال أسلاك كهربائية وبنادق، فيما تم إشعال لحية أحد الأشخاص.
وقالت الصحيفة إن رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، انتقد تقارير منظمة العفو الدولية، معتبرا أنه يعرض أمن الناس في الموصل للخطر، باعتبار أن هذه التقارير التي تفضح جرائم الجيش العراقي تدفع سكان الموصل من المدنيين للهروب وعدم الامتثال للأوامر، وهو ما سيوقعهم في مرمى نيران الجانبين المتقاتلين.
وأضافت الصحيفة أن رئيس الوزراء انتقد أيضا تقريرا لهيومن رايتس ووتش، أكدت فيه المنظمة أن قوات حكومية قتلت ما لا يقل عن مقاتل واحد من تنظيم الدولة في القيارة في بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، رغم أن هذا الأخير استسلم بشكل واضح. كما تم الاعتداء على جثث أربعة مقاتلين آخرين من تنظيم الدولة، رغم أن القوانين والمعاهدات الدولية تؤكد أن قتل أسرى الحرب الذين استسلموا، والاعتداء على جثث القتلى، يمثل جرائم حرب، رغم تمسك حيدر العبادي بالادعاء بأن هذه حالات فردية قليلة.
كما أشارت الصحيفة أيضا إلى جرائم حرب أخرى يرتكبها
الأكراد في حق العرب في بعض القرى القريبة من الموصل، حيث قالت إن الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي ليست الطرف الوحيد الذي يرتكب انتهاكات في الموصل، حيث إن مقاتلي البشمركة الكردية قاموا بتدمير قرى بأكملها، بعد أن نجحوا باستعادتها من تنظيم الدولة. وكانت عمليات التدمير هذه ممنهجة وتستهدف بشكل خاص مناطق كان يعيش فيها العرب، ولذلك اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش القيادات الكردية في العراق بأنها تسعى لطرد السكان العرب من هذه القرى لتغيير الواقع الديمغرافي، ثم في مرحلة لاحقة ضم هذه القرى إلى إقليم كردستان الذي يحظى بالحكم الذاتي.
وقد برر مقاتلو البشمركة عمليات التدمير التي قاموا بها؛ بأنهم كان مجبرين على تدمير بعض المنازل خشية أن يكون قد تم تفخيخها من قبل مقاتلي تنظيم الدولة قبل المغادرة، إلا أن رئيس إقليم كردستان، مسعود البرزاني، أكد بشكل واضح لمنظمة هيومن رايتس ووتش بأنه لن يسمح للعرب بالعودة لهذه القرى؛ لأنه يعتبر أنها في الأصل كردية وأن صدام حسين قام بتعريبها قسريا.
وذكرت الصحيفة أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كان في سنوات السبعينيات قد نقل عشرات الآلاف من السكان العرب إلى منطقة كركوك الغنية بالنفط، وأجبر مئات الآلاف من الأكراد على مغادرة قراهم، إلا أن ذلك لا يبرر ما يفعله البرزاني، الذي يريد التعويض على جرائم الماضي بارتكاب جرائم جديدة، كما تقول الصحيفة.
وكان البرزاني قد أكد يوم الأربعاء الماضي أن قواته لن تنسحب من المناطق التي استعادتها من تنظيم الدولة في شمال العراق.
وختاما، اعتبرت الصحيفة أن هذه الانتهاكات التي يقوم بها الجيش العراقي والمليشيات الشيعية والأكراد، لا تبشر بالخير فيما يخص نتائج الحرب على الإرهاب، خاصة أن الخاسر الوحيد في هذه المعركة إلى حد الآن هم العراقيون السنة، أما القوات الكردية التي كانت دائما تدعي أنها الحل الوحيد للدفاع عن الأقليات في العراق، فإنها أيضا بهذه الطريقة ورطت نفسها في عمليات التعذيب والانتهاكات، ولم يعد هنالك فرق بينها وبين تنظيم الدولة.