أحدث خبر مقتل الأمين العام لهيئة علماء
ليبيا، نادر
العمراني، صدمة كبيرة وردود فعل غاضبة في الوسط الليبي، فيما وصفت دار الإفتاء الليبية؛ العمراني بـ"فقيد السنة والوطن".
وأكدت دار الإفتاء أن "الراحل كان يتميز بالفكر الوسطي"، مطالبة "بالقصاص من كل من شارك وخطط ودبر للجريمة، إقامة لشرع الله، وردعا لأمثالهم من المجرمين"، بحسب بيان للدار الاثنين الماضي.
وتوالت ردود الفعل العربية والدولية حول جريمة قتل العمراني، والذي تمت، حسب التحقيقات الأولية ومقاطع فيديو، على يد من وُصفوا بـ"غلاة الفكر
المدخلي" في ليبيا، إلى اتهام بعض أفراد قوة الردع الخاصة التابعة لوزارة الداخلية الليبية، وهو ما نفته القوة بعد ذلك.
وأثارت حادثة
الاغتيال تساؤلات حول فكر "المداخلة" في ليبيا، وكيف وصل وانتشر هناك، إلى جانب علاقته بقائد عملية الكرامة في شرق ليبيا، اللواء خليفة حفتر، وبالمعارك العسكرية شرقا وغربا، علاوة عن السؤال: لماذا قتلوا العمراني تحديدا؟
تيار مؤيد للقذافي وحفتر
وذكر مصدر سياسي ليبي، رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية؛ عائلته تقيم في منطقة يسيطر عليها "المداخلة"، أن التيار المدخلي منتشر بشكل كبير في ليبيا، بسبب الاحتقان والاستقطاب ضد تيار "الإسلام السياسي"، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين.
وأشار المصدر، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أن نظام معمر القذافي احتضن هذا التيار منذ التسعينيات من القرن الماضي عن طريق ابنه الساعدي، "لما يسوق له هذا التيار من عدم الخروج عن الحاكم والترفع عن السياسة".
وأكد المصدر أن "التيار ينتشر في أوساط الناس ذات التعليم المحدود، ويغالي في عداء الإخوان، أسوة بإمام هذا التيار الداعية السعودي ربيع المدخلي، والذي قضى جزءا من عمره في تصيد ما يسميه بأخطاء رموز الإخوان، من أمثال الشيخ سيد قطب، ولهذا فقد تحالف هذا التيار مع حفتر في الشرق الليبي، وهم مع تيار الثورة المضادة في الغرب الليبي"، وفق قول المصدر لـ"
عربي21".
دعم خارجي
وقال عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ سالم الشيخي، إن "هناك دعما خارجيا يقدم لأبناء التيار المدخلي في ليبيا لبناء المدارس والمعاهد وإنتاج الكتب والأشرطة ونشرها في الداخل، ما جعلهم يسيطرون بقوة على المساجد وعلى وزارة الأوقاف، ومن ثم بدأ فكرهم في الانتشار".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "مشروع حفتر، والذي تقوده الأجهزة الأمنية في مصر، هو أيضا داعم قوي لهذه الفرقة الضالة"، ومن ثم فهم متورطون في قتل الشيخ حال ثبتت إدانة المداخلة بالأدلة القانونية والتحقيقات، وفق تعبيره.
وشدد الشيخي على أنه "إذا صحت نسبة الجريمة إلى المداخلة، فهذا انتقال خطير جدا في فكر هؤلاء.. انتقال من التكفير إلى التطبيق من قتل وخطف".
من جهته، رأى أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، وصفي عاشور أبو زيد، أن "اغتيال الشيخ العمراني، يأتي في إطار أن العلماء الربانيين الأحرار هم رأس الحربة في كل تغيير، وهم الآن يتصدرون المشهد الثوري في العالم العربي، تحميسا وترشيدا وتأصيلا وبيانا لما يجب"، كما قال.
وأكد أبو زيد لـ"
عربي21"؛ أن "اغتيال الشيخ عمل إرهابي خسيس، لا يُقدم عليه إلا من اتصفوا بصفات الخوارج، وهم لا فكر ولا فقه ولا حجة لهم حتى يناقشوا فيه، وإنما لا يليق لهم إلا القوة، فمتى اتضح بيقين وثبت بلا شك قاتلوه فلا يجوز أن تأخذ أبطال ومجاهدي ليبيا بهم هوادة في دين الله، حتى يكونوا عبرة لمن بعدهم؛ لأن هذا مخطط يستهدف العلماء، ليس في داخل ليبيا فقط وإنما خارجها أيضا"، وفق تعبيره.
ابحث عن "السلفية"
ورأى الباحث الليبي، نزار كريكش، أن "مقتل العمراني يمثل حالة من تصفية الحسابات سمحت بها قوى سياسية تحاول أن ترتدي عباءة السلفية كجماعة داعمة لصراعها على السلطة، وسُمح لهم بتثبيت نهجهم بعدما ناصروا عملية الكرامة بقيادة حفتر، وكذلك بفتواهم بولايته لهم وينزلون عليه آية سورة النساء في طاعة أولياء الأمر"، وفق تقديره.
وأضاف كريكش لـ"
عربي21": "أنا لا أجزم باتهامهم (المداخلة) بالقتل، لكن السياق يؤكد وجود عقد ضمني بمناصرة عملية الكرامة مقابل التغاضي عن أعمالهم، وهذا فتح لهم بابا من العنف السياسي؛ هو أكيد في بنغازي وله قرائن تقترب من الجزم في طرابلس، ونحن في انتظار التحقيقات حتى نطمئن لليقين".
أين الأدلة؟
ورفض الناشط الحقوقي الليبي، عصام التاجوري، "توظيف الجريمة وأي جريمة مشابهة واستخدامها سياسا، الأمر الذي يفتح المجال للعنف والعنف المضاد"، موضحا لـ"
عربي21": "وبخصوص مقتل العمراني، فمما لفت انتباهي من خلال المعلومات المتواردة بعد اكتشاف الجثة؛ خروج مقطع وصور لشخص قال إنه مع آخرين من نفذوا الأمر، لكن ما وردنا أن هذا الشخص الذي نُسبت له الاعترافات، وبشهادة جيرانه، تعرض لعملية خطف من أمام بيته بمنطقة الهضبة قبل واقعة اختفاء العمراني بفترة، وهو ما يشكك في الاعترافات"، وفق قول كريكش.
وقال، الكاتب الصحفي الليبي، عبد الله الكبير، لـ"
عربي21"، إنه "لا بد من إقامة الدليل على اتهام المداخلة، فالاعتراف من قبل أحد المنفذين وحده لا يكفي، والأمر نفسه ينسحب على معسكر حفتر، فلا بد من البرهان والدليل"، على حد قوله.