نشرت صحيفة "هآرتس"
الإسرائيلية، تقريرا للكاتب يوتام بيرغر، تقول فيه إنها حصلت على مواد أرشيفية، تظهر التفكير الإسرائيلي عام 1956، بمحاولة ضم الأراضي التي سيطرت عليها أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، لكن خوف ديفيد
بن غوريون من رد الفعل العالمي، دفعه للتخلي عن الفكرة، وقرر في اللحظة الأخيرة سحب القوات.
ويقول الكاتب إن "رئيس الوزراء في حينه بن غوريون شعر بالنشوة في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، بعد حملة
سيناء العسكرية، التي ضاعفت فيها إسرائيل حجم الأراضي التي سيطرت عليها بنسبة أربعة أضعاف، وكتب بن غوريون رسالة لرئيس هيئة الأركان في حينه، أعلن فيها عن (ولادة مملكة إسرائيل الثالثة)، وفي 7 تشرين الثاني/ نوفمبر أخبر بن غوريون الكنيست أن (وضع سيناء تم تجديده هذه الأيام)، وأشار إلى سيناء في خطاب محفوظ فيه داخل أرشيف راديو الجيش الإسرائيلي بأنها (مركز أمننا وحمايتنا الداخلية وعلاقاتنا الخارجية مع العالم والشرق الأوسط)".
ويضيف بيرغر أن "
وثائق سرية تعود إلى تلك الفترة، واطلعت عليها صحيفة (هآرتس) تكشف عن الخطط الإسرائيلية لتطبيق القانون الإسرائيلي على المناطق في سيناء وقطاع
غزة، بشكل كان سيجعل من الإعلان الإسرائيلي باعتباره ضما فعليا لهذه المناطق، بحسب مسؤولين من تلك الفترة، وتكشف الوثائق عن المخاوف في تلك الفترة، فيما يتعلق بالأثر الدبلوماسي النابع من الخطوة الإسرائيلية بعد الحرب، واستطاع معهد (أكيفوت)، وهو معهد أبحاث النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، الكشف عن نية واضحة فيما يتعلق بالسيطرة على الأراضي التي تمت السيطرة عليها عام 1956 في العملية التي أطلقت إسرائيل عليها (عملية قادش)، وقال مدير المعهد ليور يافين: (كانت الوثائق، التي تم العثور عليها متجعدة في أسفل الأرشيف، بداية لعلاقة طويلة بين الدولة والقانون الدولي فيما يتعلق بالاحتلال)".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن الوثائق تكشف عن قيام النائب العام في حينه بإعداد مسودة قرار حول تطببق القانون الإسرائيلي في المناطق المحتلة، وسلمه إلى بن غوريون، وكتب لبن غوريون في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر: "أرفق هنا مسودة تنظيمات طارئة، وإعلانات تتعلق بإدارة المناطق، وأطلب منك توقيعها"، وأضاف أن "الحاجة لتنظيمات نبعت من حقيقة أن القانون الحالي يعترف بالمناطق المحتلة، التي كانت في الماضي جزءا من أرض إسرائيل، وتريد وزارة المالية تطبيق قوانين الصرف الخارجي في هذه المناطق المحتلة، وطلب وزير العدل مني لفت نظرك إلى التداعيات السياسية للجانب القانوني، وليس العسكري، لاحتلال هذه الأراضي، ومن جانبه فهو ليس ضدها".
وتذكر الصحيفة أن من بين الوثائق التي أرفقها النائب العام، ولم يوقعها بن غوريون أبدا، إعلانا من وزير العدل بأن "شبه جزيرة سيناء هي منطقة يسيطر عليها جيش الدفاع الإسرائيلي"، وأنه "يجب اعتبار القانون الإسرائيلي صالحا للتطبيق في كل المناطق التي أعلن وزير الدفاع أنها تحت سيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي"، لافتة إلى أن المستشار القانوني لوزارة الخارجية في حينه شباتاي روزين حذر من أن هذه الوثائق تعني من ناحية عملية ضم قطاع غزة وسيناء إلى إسرائيل، في خرق للقانون الدولي.
ويكشف الكاتب عن أنه ورد في رسالة مؤرخة يوم 5 تشرين الثاني/ نوفمبر، وجهها روزين لوزراء الدفاع والخارجية والعدل: "في هذا الصباح رأيت في مكتب وزير العدل إعلانا يتعلق بحكم جيش الدفاع الإسرائيلي في شبه جزيرة سيناء، وتنظيمات طارئة تتعلق بالمناطق المحتلة، التي أعدها يوم أمس النائب العام ليوقعها وزير الدفاع، وشرحت لوزير العدل ونائب الدولة العام أن رأيي حول هذه الوثائق هي أنها خرق للقانون الدولي"، وأضاف: "أخشى أننا في حال عدم اتباعنا القانون الدولي فإننا سنخلق مشكلة معقدة لأنفسنا".
ويفيد التقرير بأنه في اليوم التالي، 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 1956، أرسل روزين رسالة مفصلة "سرية"، وحذر فيها من توقيع الوثائق التي أعدها المستشار القضائي آنذاك، حاييم كوهين، وقال إنها ستقود إلى ضم فعلي للمناطق المحتلة، وأكد أن ضم غزة سيكون قانونيا؛ لأنها جزء من أرض إسرائيل في فترة الانتداب، لكن ضم سيناء سيؤدي إلى مشكلات قانونية ودولية خطيرة، وأضاف روزين: "هناك قاعدة في القانون الدولي تفيد بأنه لا يمكنك فرض السيادة دون وجود اتفاقيات دبلوماسية، والإشارة الواضحة إلى تطبيق السيادة على الأراضي المحتلة تكون عندما تطبق قانون المحتل على الأرض المحتلة، وتقوم بإلغاء القوانين التي كانت تطبق في السابق"، وتابع قائلا: "لو طبق القانون الإسرائيلي على منطقة، فإنه لن يكون متطابقا مع البنود التي تنص عليها مواثيق لاهاي".
وبحسب الصحيفة، فإن روزين كتب فيما يتعلق بغزة محذرا، وقال: "في الوقت الذي ليس لدي فيه شك في سلطة وزير الدفاع وتحديده القطاع كله، من خلال الحدود الدولية السابقة، فيجب أن يكون واضحا بأنه بعمل هذا الأمر، فإنه يقوم بضم القطاع إلى إسرائيل".
ويلفت بيرغر إلى أنه في ذلك اليوم، أرسل مدير وحدة الادعاء في وزارة الدفاع الدكتور مير زوهر رأيا قانونيا للنائب العام، مراجعا عددا من المواقف المتعلقة بغزة وسيناء، وحدد زوهر أن القطاع يمكن ضمه من الناحية القانونية، أو يمكن الإعلان عنه بصفته منطقة متروكة وتمت استعادتها، أما فيما يتعلق بسيناء، فإنه أعلن أنه بناء على الوثائق، التي أعدها كوهين لبن غوريون، فإنه "ليست هناك إمكانية للإعلان عن منطقة سيناء بصفتها أرضا تسيطر عليها إسرائيل، ويمكن تطبيق القانون الإسرائيلي في حال ضمها، وعلى ما يبدو فإن تطبيق القانون ربما كان خرقا لمواثيق جنيف".
وينقل التقرير عن البروفيسور موتي غولاني، من دائرة التاريخ في جامعة تل أبيب، تعليقه قائلا إن "نشوة بن غوريون كانت وراء طلبه تحضير هذه الوثائق"، وأضاف: "من جانب آخر، فإن عمل الموظفين هو عمل الموظفين، ولا أعرف إن كان بن غوريون أو أي شخص قام نيابة عنه بإصدار أمر لتحضير هذه الأوراق".
وتورد الصحيفة نقلا عن المؤرخ في شؤون الشرق الأوسط في جامعة بار إيلان، الدكتور يهودا بلانغا، قوله إنه لا يتذكر "توثيقا رسميا نشر حول نية ضم سيناء"، منوهة إلى أن مدير المعهد يافين يرى أن الوثائق تكتسب أهمية تاريخية؛ لأنها لا تكشف فقط ما جرى وراء الستار بعد عام 1956، لكنها تقدم صورة جديدة عن علاقة إسرائيل بالاحتلال، ويقول يافين: "الخطأ الذي قاد إلى محاولة ضم سيناء وغزة من إسرائيل عام 1956، هيأ الطريق للتفسير الإسرائيلي لقانون الاحتلال، الذي كان جزءا من التحضير لاحتلال عام 1967، الذي لا يزال قائما حتى اليوم".
ويقول غولاني: "القصة مهمة؛ لأن الناس يعتقدون أن 56 كانت عملية سريعة، وأن بن غوريون أصدر قرارا سهلا (الانسحاب من غزة وسيناء)، لكن قرار بن غوريون كان مهما؛ لأنه كان قائدا غير رأيه وتعامل بسرعة مع الواقع".
وينوه الكاتب إلى أن بلانغا يتذكر كثافة اللحظة التي تصرف فيها بن غوريون، حيث كان "منتشيا ويعلن عن مملكة جديدة لإسرائيل، وفي الوقت ذاته كان تحت ضعوط كبيرة من الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين طلبتا منه الانسحاب"، ويقول بلانغا: "عندما كان يلقي خطابه كان قد وافق على الطلب الأمريكي الانسحاب من سيناء، وكل شيء حدث بسرعة، فقد كان دوايت أيزنهاور (رئيس الولايات المتحدة) معارضا تماما لهذه العملية، وتعامل معها كونها خطوة قد تدفع جمال عبد الناصر (رئيس مصر) إلى أحضان الاتحاد السوفيتي، وعليه فإنه قام بفرض الضغوط على إسرائيل للانسحاب".
وتختم "هآرتس" تقريرها بالقول إن "التاريخ أظهر كم كانت تحذيرات روزين صحيحة، فالوثائق التي وضعها كوهين لم توقع، وفي 7 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن بن غوريون عن انسحابه من الأراضي التي احتلها، وانتظر الجيش الإسرائيلي عقدا من الزمان ليعود مرة أخرى، وخلال حرب الأيام الستة".