نشرت صحيفة الغارديان البريطانية رسالة كتبها نيدجاد أدفيتش، الذي نجا من مذبحة
سربرنيتشا، والتي راح ضحيتها 8 آلاف بوسني من المسلمين، اعتبر فيها أن هذه المجزرة تتكرر مرة أخرى في
حلب، ومن يتحمل المسؤولية هو المجتمع الدولي الذي كان تعهد بعدم السماح بحدوث مثل هذه الفظاعات مرة أخرى.
وفي هذا المقال، الذي ترجمته "
عربي21"، قال نيدجاد أدفيتش: "لقد كنت في سن المراهقة عندما واجهت أسوأ ما في الإنسانية. أذكر جيدا كيف كان منزلنا يحترق ويتهاوى، وعائلتي تفر من سربرنيتشا على أمل النجاة من ذلك الجحيم، أتذكر أيضا التعذيب ورائحة الدماء. وفي خضم تلك المحنة، لم أكن أدرك أنني في وسط ما سيتبين لاحقا أنه أسوأ مذبحة تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. كما أنني أذكر جيدا كل تلك الأصوات التي تعهدت بعد ذلك بعدم السماح بتكرار تلك الأشياء مجددا".
"أمام هذه الوعود كلها يتم التخلي عنها الآن؛ إذ إنه ساعة بعد ساعة، ويوما بعد يوم، تتعمق مأساة شرق حلب؛ فأكثر من 500 ألف شخص سقطوا منذ بداية الحرب السورية في سنة 2011، هل يمكنكم أن تتخيلوا شعبا يعاني كل هذه السنوات من القنابل العنقودية والصواريخ والغازات السامة التي تتهاطل على المناطق المدنية، والجنازات التي تقام يوميا، ورائحة الموت، بينما يكتفي العالم بمشاهدة هذا البلد وهو يتعرض للتدمير".
وأضاف الكاتب: "في كل مرة اعتقدنا فيها أن الأمر لا يمكن أن يزداد سوءا، حصل العكس. والآن مرة أخرى يصل الرعب في حلب إلى مستويات غير مسبوقة؛ حيث إن العائلات تعاني من نفاذ الغذاء والماء والدواء، ولم تعد هنالك مستشفيات قادرة على توفير الخدمات في حلب، ولم تبق أي سيارة إسعاف لإنقاذ الجرحى والمرضى. في هذه المدينة التي يخيم عليها شبح الموت، حتى المهرجون يموتون، إذ إن الرجل الذي حاول مقاومة الرعب من خلال الترفيه عن الأطفال ورفع معنوياتهم، تعرض بدوره للقتل، فهل كانت تلك هي نهاية الأمل؟"
"آمل ألا يكون الأمر كذلك، لأنني عشت هذا من قبل، الوقوف وجها لوجه أمام الموت، والشعور بالوحدة واليأس. ففي إحدى ليالي شهر تموز/ يوليو من سنة 1995، اقتادنا الجنود الصرب إلى حقل؛ لكي يتم إعدامنا، وقاموا بتجريدنا من ثيابنا، وربط أيدينا وراء ظهورنا، ثم تصفيفنا في خطوط مكون كل منها من خمسة أشخاص، وشاهدت الصفوف واحدا تلو الآخر يسقط، والناس يموتون أمام عيني".
"لقد تعرضت لإطلاق النار في معدتي وذراعي اليمنى وقدمي اليسرى، وشعرت بألم لا يطاق بينما كنت أكافح للبقاء على قيد الحياة، كنت أستمع لأصوات الرجال من حولي يلفظون أنفاسهم الأخيرة. وعندما رحل المجرمون، اكتشفت أنني لست ميتا، وتمكنت من الهرب رفقة رجل آخر. لأيام طويلة بقينا نركض ونختبئ في الغابات، وننام في المقابر، حتى وصلنا إلى بر الأمان في منطقة يسيطر عليها البوسنيون. وبقيت بعد ذلك متعجبا، كيف يسمح العالم بحدوث هذا".
"وفي سنة 2005، أصدر البرلمان الأوروبي بيانا يندد فيه بمذبحة سربرنيتشا، ويتعهد بعدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى، وهذا منحنى الأمل بأن ما عانيناه في ذلك الوقت لم يذهب سدى، وأننا كبشر تعلمنا الدرس من آلام الماضي، وأن المجتمع الدولي في المستقبل سيتدخل لحماية المدنيين في أوقات الحرب، ولكن خابت آمالي".
"أنا أثق في الإنسانية، وفي كل الناس حول العالم، أعرف أن معظمهم يريدون مساعدة سكان حلب لو أمكنهم ذلك، ولكنهم لا يستطيعون فعل ذلك بمفردهم، فقط قادتنا هم القادرون على وقف
المجازر التي يتعرض لها المدنيون في حلب وفي مختلف أرجاء
سوريا. وأقل شيء يمكنهم فعله هو التأكد من وصول المساعدات الإنسانية إلى أولئك الذين يحتاجونها، بما في ذلك إسقاط المساعدات من الجو فوق المناطق المحاصرة. إن الفشل في القيام بذلك يعد خيانة، ليس فقط لسكان حلب وسوريا، بل أيضا لكل الناجين وكل ضحايا المذابح السابقة التي قلنا إننا تعلمنا منها الدروس".
"ولكن، عوضا عن ذلك، يبدو أن الجانب الأسوأ في الإنسانية أصبح هو الوجه الاعتيادي، فنحن عندما نشيح بنظرنا إلى الجانب الآخر، نفتح الباب بتجاهلنا أمام أسوأ الاحتمالات، تلك التي ستؤدي لتكرار التجربة المأسوية التي عشتها في سربرنيتشا".
"أنا أعرف جيدا مدى خطورة ما يحصل، وأؤكد أن الإنسانية لا يمكنها تحمل تبعات ما يحدث الآن، استمعوا للحقيقة من شخص نجا من مذبحة في السابق، إن المسألة الآن أخذت أبعادا تتجاوز مدينة حلب بكثير".
تقرير: نيدجاد أدفيتش (أحد الناجين من مذبحة سربرنيتشا، التي تعرض فيها للتعذيب وإطلاق النار ثلاث مرات قبل أن يتمكن من الفرار).
ترجمة: يحيى بوناب
الرابط:
https://%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D8%B7:%20https//www.theguardian.com/commentisfree/2016/dec/13/aleppo-people-slaughtered-srebrenica-genocides-atrocities-syria?CMP=share_btn_tw