على شاشات ومواقع عربية؛ تظهر وجوه الناطقين باسم
الاحتلال، وأسماؤهم العبرية المرسومة بخطوط عربية، ليرددوا عبارات من قبيل "إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط" و"الجيش الإسرائيلي لا يقتل المدنيين".
وبينما تدافع وسائل الإعلام العربية عن نفسها بأنها تستضيف هذه الشخصيات لتقديم الرأي الآخر، ولجعل تغطياتها الإعلامية متوازنة فحسب؛ فإن أصواتا كثيرة أخرى ترى في مثل هذا الظهور توفيرا لمنبر إعلامي مجاني؛ يروّج فيه الاحتلال روايته وأكاذيبه، بالإضافة إلى استغلاله منابر التواصل الاجتماعي المختلفة بكثافة.
استراتيجيات الناطقين باسم الاحتلال
ووفق ما أشارت إليه دراسة أعدتها "دائرة سليمان الحلبي للدراسات الاستعمارية والتحرر المعرفي" فإن الناطقين باسم الاحتلال طوروا استراتيجيات خطابة إعلامية، تبدأ بالإنكار، وتنتهي بالاعتذار وما بينهما، وذلك من أجل إعطاء شرعية لما يدافع عنه المتحدّث.
وبينت الدراسة، نقلا عن مقال للكاتب الإسرائيلي يونتان جونان، بعنوان "استراتيجيات ناطقي الجيش في
القنوات العربية"، أن الناطقين باسم الاحتلال يبدأون بإنكار تنفيذ جيش الاحتلال لأية جرائم، أو تعرضه لأعمال مقاومة، ثم ينتقلون بعد ذلك إلى الاستراتيجية الثانية، وهي توجيه التهم بشكل ينطوي على ترويج "الدعاية إسرائيلية".
أما ثالث الاستراتيجيات التي يلجأ إليها الناطقون باسم الاحتلال، وفق جونان؛ فهي توجيه الأسئلة المضادة للمذيعين، ومواجهتهم بمواد أو أخبار قاموا بنشرها، محاولين من خلال ذلك إثبات وجهة نظرهم وتوجهاتهم، ممّا يضع المحاوِر في موقف حرج.
البعد الخامس للحروب "الإسرائيلية"
ويرى الكاتب والمحلل الفلسطيني خالد عودة الله، أن الوسائل الإعلامية العربية التي تستضيف الناطقين باسم الاحتلال؛ تنطلق من أحد سببين، أحدهما سبب سياسي يرمي إلى صناعة قبول لـ"إسرائيل" في المنطقة، من خلال التعاطي مع الناطقين باسمها بإظهارهم مثل أي ناطقين باسم دولة أو جهة في المنطقة.
أما السبب الثاني الذي قد تبرر من خلاله هذه الوسائل الاستضافات فهو -حسب عودة الله- "مقولة (معرفة إسرائيل من الداخل)، وهو أمر قصّر فيه العرب كثيرا. ومن هذه المقولة تأتي دعوة الاستماع المباشر لما يقوله الاحتلال والمتحدثون باسمه، وهي دعوة متهافتة" وفق رأيه.
وأضاف عودة الله لـ"
عربي21" إن "من يريد معرفة العدو؛ فبإمكانه ذلك من خلال البحث والاطلاع على ما يُنشر في إعلامه والإعلام والدراسات العالمية من تحقيقات وتقارير تتناول قضايا حساسة في بعض الأحيان، وليس من خلال استضافة أشخاص يحترفون البروبوغندا والدعاية الإعلامية، ويروجون للرواية الإسرائيلية"، مؤكدا أنه "لا يجوز اعتبار أمثال هؤلاء مصادر معرفية بحال من الأحوال".
وتابع: "بالإضافة إلى الرسالة الواضحة التي يراد إيصالها للمشاهد العربي بأن إسرائيل جزء من هذه المنطقة، وأن ما بينها وبين العرب هو مجرد خلاف وجهات نظر قد يحتدم أحيانا، وليس صراعا دمويا؛ فإن حالة القتل والدمار المنتشرة في العالم العربي؛ تجعل الجو مواتيا لتمرير رسالة أخرى، وهي أن إسرائيل هي واحة الحرية والأمان، وسط هذا الطوفان".
ودعا عودة الله إلى مواجهة هذه "الاستضافات" بحملة إعلامية تنظمها الوسائل الرافضة لاستضافة الناطقين باسم الكيان الإسرائيلي، ثم الانتقال إلى مقاطعة من يسمح للمتحدثين باسم الاحتلال في الظهور على وسيلته الإعلامية، "لا سيما أن هذا الأمر يعبّر عن سياسة راسخة، لا عن موقف فردي" على حد قوله.
وحذر من استخدام الاحتلال لوسائل التواصل الاجتماعي من أجل صناعة حالة اختراق في صفوف الفلسطينيين والعرب، واصفا هذا الأمر بـ"البعد الخامس للحروب الإسرائيلية".
وقال إن "قوة النظام الاستعماري لا تقاس بقدرته على البطش، بل بقدرته على خلق حالة من الهدوء والقبول له، وهو ما يسعى الاحتلال إليه عبر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال سياسة كسب القلوب والأفئدة التي يتبعها".
صوت الجلاد
من جهته؛ قال أستاذ الإعلام في جامعة القدس، أحمد رفيق عوض، إن المقابلات مع الناطقين الإسرائيليين مرفوضة من منطلق مبدئي، مضيفا أن "إسرائيل تقتل وتأسر وتستوطن وتقطع أوصال المدن، ويكفي أن نرى هذا منها، ولا داعي لسماع صوتها".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "من يخرج على وسائل الإعلام العربية من الناطقين باسم الاحتلال؛ يمثلون وجهة نظره المتطرفة، ويسوّقون لروايته الرسمية المليئة بالدعاية والأكاذيب، وليسوا موضوعيين ولا صادقين".
ورأى أن "هذا التوجه الإعلامي هو جزء من المنظومة العامة في الإقليم، والتي يبني كثير من دوله علاقات مع الاحتلال، بالسر أو بالعلن".
وشدد على أن التذرع بالحياد والتوازن لتبرير هذه الاستضافات "كلام فارغ" إذ إن "الحياد والتوازن كذبة وخديعة غربية؛ يراد من خلالها تبرير الاستعمار وروايته، ومساواتها برواية الشعوب التي تقع تحت الاحتلال، وإظهارهما على أنهما مجرد وجهتي نظر، مما يُسقط القيمة الأخلاقية للحق والعدالة، ويساوي بين القاتل والقتيل".
وحول استخدام الاحتلال لوسائل التواصل الحديثة؛ لفت عوض إلى أنه يهدف من خلال ذلك إلى جملة من الأهداف، بينها "صناعة القبول له، والتطبيع معه شعبيا، وجعله جزءا أصيلا من القصة، واختراق وعي الناس، ومعرفة اتجاهاتهم، وتحقيق أهداف أمنية".
وأشار عوض إلى أن توجه الجماهير نحو هذه المنابر؛ هو "تعبير عن حالة الضياع والهزيمة، وتقليد المغلوب للمنتصر"، مؤكدا أنه "لا يمكن مواجهته إلا من خلال التربية الوطنية، والتوعية، وصناعة إنجازات وانتصارات حقيقية، وتقديم رموز ونماذج قوية، وتغيير المزاج السياسي العام السائد في فلسطين والعالم العربي، والذي يتوجه نحو القبول بالاحتلال، والتطبيع معه".