نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث والزميل في جمعية هارفارد والضابط في الجيش البريطاني سابقا، إميل سيمبسون، ابتدأه بالقول إن الزعماء الغربيين أجمعوا الأسبوع الماضي على أن سقوط
حلب وصمة عار على الضمير الجمعي لنا جميعا، وقالوا إنه كان يتوجب عليهم فعل المزيد لوقف المأساة الإنسانية في
سوريا.
ويعلق الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، قائلا: "من ناحية إنسانية بحتة، فإن هذا صحيح، فيمكن للحكومات أن تفعل المزيد دائما لإيصال المساعدات الإنسانية للناس، لكن من ناحية عسكرية، فإن فكرة أنه كان بإمكان الغرب (فعل المزيد) هي ضرب من الخيال، وتعكس عدم استيعاب للدرس من مهرجان المجازر".
ويقول سيمبسون: "إن كان هناك درس يجب أن يكون الغرب قد تعلمه من فترة حرية التدخل بعد الحرب الباردة، فهو: إما أن تتدخل بشكل حاسم، وتكن مستعدا للاستثمار في ذلك التدخل على المدى الطويل، أو أن تبقى بعيدا".
ويضيف الكاتب: "صحيح أنه كانت أمام الغرب فرصة الإطاحة برئيس النظام السوري بشار
الأسد عام 2011، بدعم الثورة، التي لم تكن بعد قد تلوثت بالمتطرفين الإسلاميين، وما يشك به أكثر من ذلك هو أن مثل هذا النصر العسكري كان سيضع سوريا على طريق الديمقراطية والاستقرار والسلام، وليت الأمور كانت بهذه السهولة".
ويتابع سيمبسون قائلا: "في الواقع، فإنه في ظل غياب قوات برية غربية تحفظ السلام في 2011، فإن انتصار الثوار في سوريا كان ربما يصبح مثل التدخل الفاشل في ليبيا في العام ذاته، فبعد الفرح العارم ابتداء، ستتشظى البلد مع قيام مليشيات محلية، كل منها ببسط سيطرتها على منطقته، وكان ذلك سيفتح الباب أمام الإسلاميين الراديكاليين، كما حصل في ليبيا، وسيكون على الغرب حينها قبول الفوضى والنفوذ الإسلامي المتزايد في دولة فاشلة أخرى".
ويشير الكاتب إلى أن "عكس ذلك، لو فرضنا جدلا أن الغرب نشر قواته على الأرض في سوربا عام 2011، فإنه كان من المحتمل أن تواجه قواتنا تمردا إسلاميا، إذا ما قسنا الأمر على أفغانستان والعراق، وكان ذلك سيكون على مدى طويل؛ ولا تحتاج سوى أن تنظر إلى أفغانستان، حيث لا تزال القوات الغربية هناك، وإلى
العراق، حيث اضطرت القوات للعودة لمنع انهيار تام للدولة".
ويقول سيمبسون: "على المعلقين الذين ينتقدون الغرب لعدم فعل المزيد بعد سقوط حلب، أن يشرحوا كيف كان يمكنهم حشد الرأي العام الأمريكي عام 2011 خلف مجهود حربي لمكافحة التمرد في سوريا، حيث كان قتل الآلاف من الجنود في أفغانستان والعراق، وكانت التكاليف تريليونات الدولارات، التي أدت إلى الأزمة المالية عام 2008، والتفكير يأن مثل هذه المهمة كانت ستحصل على دعم شعبي في أمريكا، هو ضرب من الخيال".
ويضيف الكاتب: "كما قال وزير الدفاع وقتها روبرت غيتس، أمام جمهور في كلية وست بوينت العسكرية في 2011، فإنه (يحب فحص عقل) أي شخص ينصح الرئيس بوضع قوة عسكرية أمريكية كبيرة في الشرق الأوسط في ذلك الوقت".
ويواصل سيمبسون قائلا: "في الواقع، فإن من يقولون بأنه كان على الغرب فعل المزيد يتفقون بأن وضع قوة عسكرية برية غربية كبيرة في سوريا أمر غير واقعي، لكن كان بإمكاننا التدخل بأعداد أقل، والمشكلة في هذا الطرح هو أن هذا ما فعلته أمريكا وحلفاؤها في الخليج عندما سلحوا الثوار".
ويستدرك الكاتب بأنه "مع دخول عام 2012، كانت الثورة قد أفسدت بانضمام المتطرفين الإسلاميين إليها؛ ولذلك ترجم الضغط لفعل المزيد إلى تقديم المساعدات العسكرية الأمريكية لعدد محدود من فصائل الثورة، في الوقت الذي أخذت فيه الثورة صبغة إسلامية، وهذا أدى بالاستراتيجية الغربية للوصول إلى طريق مسدود، متذبذبين بين تسليح الثوار أو مقاومة انتصار الثوار، الذي سيفتح بابا للإسلاميين للسيطرة".
ويتساءل سيمبسون قائلا: "ماذا لو طبقت إدارة أوباما (خطوطها الحمراء) بخصوص استخدام الأسلحة الكيماوية، وقامت بقصف الأسد عام 2013، أو أنها فرضت حظر طيران؟ فهل كان يمكن لأمريكا أن تضغط على الأسد حينها للتوصل إلى حل تفاوضي مع الثوار؟".
ويجيب الكاتب قائلا: "أعتقد أن كلتا الفرضيتين كانتا ممكنتين، فعلى الدول العظمى أن تفرض عدم تجاوز خطوطها الحمراء، وإلا فإنها تفقد مصداقيتها، ومن المعقول أن نفترض أن موقفا معقولا من أمريكا على شكل قصف قوات الأسد، كان يمكن أن يشجع الديكتاتور على التفاوض".
ويستدرك سيمبسون قائلا: "لا أستطيع تخيل كيف يمكن لحل تفاوضي (وواضح أن العديد من فصائل الثوار المتشددة لم تكن لتشارك فيه على أي حال)، أن يوصل إلى أي شيء غير النتيجة التي وصلت إليها ليبيا في مناطق الثوار، حيث يقوم المسلحون الإسلاميون بفرض سيطرتهم، ما لم يضع الغرب جيشا على الأرض".
ويرى الكاتب أن "هذه هي النقطة الحساسة التي تقود إليها السبل كلها، فبالرغم من تعقيدات الوضع في سوريا ومأساويته، إلا أن المحصلة تتمثل في إجابة السؤال: هل الغرب مستعد لأن ينشر قواته على الأرض لكسب الحرب وتأمين السلام؟".
وينوه سيمبسون إلى أنه "كان يمكن لهذا أن يكون فاعلا عام 2011، عندما كان الثوار في حالة صعود، وكان يمكن العمل عام 2013 لدعم حملة قصف، بعد أن تم تجاوز الخط الأحمر، بالإضافة إلى أن نشر قوات برية غربية نجح بشكل جيد في العراق وشمال شرق سوريا، حيث هناك تعاون مع الجبهة الديمقراطية السورية، التي يتشكل معظمها من الأكراد".
ويقول الكاتب: "لكن توقعي هو أنه إن لم تبق القوات الغربية في شمال شرق سوريا بعد التطهير من تنظيم الدولة، بالإضافة إلى خطة سياسية واضحة لتأمين منطقة حكم ذاتي في سوريا للأكراد، فإنه سيكون هناك فوضى واقتتال داخلي بين مختلف الفصائل الجبهة الديمقراطية السورية".
ويبين سيمبسون أنه "إذا كان على الغرب تقديم المزيد عسكريا، فإن الطريقة الوحيدة التي كان بإمكانه فيها فعل ذلك دون التسبب بمشكلات للسوريين والغربيين، هي بنشر قوات غربية، مع الاستعداد للبقاء عدة سنوات في حملة حرب على التمرد، لكن يجب على من يقول هذا أن يثبت أن عامة الناس في أمريكا كانت ستوافق على مثل هذا التحرك عام 2011 أو عام 2013، وهو ما لم يكن ممكنا".
ويشير الكاتب إلى أن "هناك من يرى بأنه كان على الغرب التدخل مهما كان الثمن، ويرون أن الغرب مذنب بالتقصير في إيقاف الجرائم التي قام بها آخرون، وأنا أعتقد أن هذا كلام فارغ، فالأسد وموسكو وطهران هم المسؤولون عن الجرائم في سوريا، وليست أمريكا ولا الغرب، فليس على الغرب مسؤولية إصلاح السياسات الفاشلة لدول الشرق الأوسط الفاسدة، التي تسبب حكامها بثورة شعوبهم عام 2011".
ويؤكد سيمبسون أن "الحقيقة الأساسية هي أنه وبالرغم من التقدم التكنولوجي، فإن الحرب اليوم لا تزال تكسب عن طريق القوات البرية على الأرض، وهناك حدود لما تستطيع أي قوات بالنيابة القيام به، ويتبع ذلك القول إنه إن كان الغرب جادا حول فكرة التدخل العسكري في الشرق الأوسط فإنه بحاجة إلى إرسال قواته، وأن يكون مستعدا للبقاء فترة طويلة".
ويذهب الكاتب إلى أن "الأصوات المنادية بالتدخل العسكري الإنساني ستختفي عندما تبدأ أجساد الجنود المنشورين بالتمزق في القنابل المصنعة يدويا، في محاولات لا نهاية لها لإصلاح السياسات الفاشلة لدول أخرى".
ويقول سيمبسون: "أنا لست ضد التدخل بشكل عام، لكني أعتقد أن مستقبل التدخل العسكري الغربي يكمن في تأييد حكومات الدول الهشة لا الإطاحة بها، والتدخل الفرنسي في مالي عام 2013 مثال جيد على هذا الأمر، مع معرفة جيدة بالسياسة المحلية (مثل التمييز بين الثوار الطوارق وتنظيم القاعدة، بدلا من جمع الكل تحت مسمى "إرهابيين")، لكن ليست الحالات كلها مثل مالي، وليس هناك حل عسكري لكل مشكلة".
ويخلص الكاتب إلى القول إنه "مع أن الغرب ليس مسؤولا عن الجرائم في حلب، إلا أننا مسؤولون أخلاقيا لإعطاء الثوار أملا كاذبا عام 2011، عندما قدمنا لهم الدعم الكلامي أولا، ثم المادي، لكن لم تكن لدينا الإرادة لتأييدهم بقواتنا".