نشرت صحيفة "سلايت" الناطقة بالفرنسية تقريرا؛ تحدثت فيه عن تعميق التفجير الإرهابي الأخير في ملهى ليلي في إسطنبول من جراح
تركيا التي كانت على مدى سنتين مسرحا لعدة عمليات إرهابية خلفت أكثر من 400 قتيل.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه يتعدد المتورطون في هذه الهجمات التي استهدفت تركيا مؤخرا، نظرا لمركزها الحساس داخل دوامة الصراعات التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، فضلا عن صراعها الدائم مع حزب العمال الكردستاني.
وذكرت الصحيفة أن تركيا وجدت نفسها في خضم الصراع السني الشيعي، إضافة إلى دورها الفعال في محاربة تنظيم الدولة بالاشتراك مع التحالف الدولي واتفاقها مع الغرب في معاداة نظام بشار الأسد، المنتشي بدعم حلفائه الإيرانيين والروس.
وتجدر الإشارة إلى أنه مع تبني تنظيم الدولة تفجير إسطنبول الأخير، بالرغم من عدم تصريح هذا التنظيم بأن تركيا على لائحة أعدائه المستهدفين، يبقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يرى في حزب العمال الكردستاني عدو تركيا الأول.
من جهة أخرى، بينت الصحيفة أن تركيا لم تحدد موقفها من تنظيم الدولة بما أنها تقف جدار صد ضد أي طموح للأكراد في إعلان منطقة مستقلة بذاتها في شمال سوريا، تحديدا في مناطق مشرفة على الحدود التركية؛ مشيرة إلى أن وحدات حماية الشعب الكردي، التي تعتبرها أنقرة أحد فروع حزب العمال الكردستاني، تعمل على تحقيق هذا الطموح.
وقالت الصحيفة إن تركيا كانت في السابق بمثابة الجسر الذي يمر عبره السلاح والمقاتلون لدعم تنظيم الدولة، إضافة إلى اعتبارها سوقا لبيع النفط الذي سيطر عليه التنظيم خلال تقدمه في العراق.
وأضافت الصحيفة أن الوضعية قد انقلبت رأسا على عقب، تحديدا عندما دخل التحالف الدولي على الخط لوضع حد لتنظيم الدولة. مما جعل تركيا عرضة للضغوطات الدولية في ما يتعلق بموقفها الغامض من تنظيم الدولة.
في نفس الوقت، اتفق أردوغان مع الأوروبيين بغلق حدوده أمام تدفق اللاجئين نحو القارة العجوز بشرط تمتع الأتراك المتنقلين في أوروبا بامتيازات إضافية.
في المقابل، لم يف الاتحاد الأوروبي بكامل وعوده، ما جعل أردوغان يتوعد بإلغاء الاتفاق نهائيا. كما رفضت إدارة أوباما تسليم فتح الله غولن لأنقرة، وهو المسؤول عن جميع أزمات الأتراك والعقل المدبر للانقلاب الفاشل يوم 15 تموز/يوليو.
وأوردت الصحيفة أن العلاقات التركية الروسية ازدادت توترا مع نهاية سنة 2015 تحديدا عندما أسقط الطيران الحربي التركي مقاتلة روسية اجتازت المجال الجوي، أعقبه تبادل للخطابات اللاذعة بين كل من الرئيسين أردوغان وبوتين.
والجدير بالذكر أن الرئيس التركي أردوغان قدم اعتذاراته لعائلة الطيارين الروسيين المقتولين، من دون تقديم اعتذار رسمي للحكومة الروسية، وبحسب مصادر تركية، فإن الطيار التركي الذي أسقط المقاتلة الروسية، هو أحد الموالين لفتح الله غولن.
من جانب آخر، يعتبر بوتين الرئيس الوحيد الذي أعلن وقوفه إلى جانب الحكومة التركية خلال محاولة الانقلاب، بعكس الدول الغربية التي لم تبد أي تعاطف معها، حيث اتهم أردوغان المخابرات الأمريكية بالتورط فيه.
وعلى خلفية هذا الانقلاب، شهدت العلاقات التركية الروسية تقاربا كبيرا، بغض النظر عن التوتر الذي هز العلاقات بين البلدين، ما يدل أن أردوغان قد غير من سياسته الخارجية ليتحالف مع الروس والإيرانيين، كبديل عن حلفائه التقليديين من دول حلف الناتو.
وأشارت الصحيفة إلى تواصل الدعم التركي لبعض كتائب المعارضة المسلحة التي يمكن أن تكون شوكة في حلق بشار الأسد؛ مبينة أن
روسيا تنظر بعين الرضا إلى هذا الدعم لأنه يضفي شيئا من الشرعية على المفاوضات التي تقودها، والتي تستوجب حضور طرفي النزاع.
وترى أنقرة في هذا التحالف ضمانا لعدم إعلان منطقة كردية مستقلة مشرفة على حدودها الجنوبية مع سوريا، لكنه في المقابل، ينبغي عليها أن تقبل فكرة بقاء بشار الأسد في الحكم. أما إيران، فقد خرجت مستفيدة من هذا التحالف، فقد استطاعت وضع حد لطموحات أردوغان في قيادة القرارات السياسية للدول العربية في الشرق الأوسط.
وفي نفس السياق، لم يستطع بوتين أن يخفي ملامح السعادة عن وجهه بعد أن أصبح سيد اللعبة في الشرق الأوسط خصوصا بعد إقصائه للغرب نهائيا من المفاوضات التي تعنى بالأزمة السورية.
وحفاظا على تقاربه مع تركيا، علق بوتين على حادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة على يد شرطي تركي، بأنها محاولة "لتخريب" العلاقات بين البلدين.
وفي الختام، تحدثت الصحيفة عن
السياسة الخارجية التي أسسها أردوغان مع جيرانه والمعروفة بـ"صفر من الأعداء"، عندما كان رئيس حكومته أحمد داوود أغلو. لكن البعض رأى فشل هذه السياسة، فخلال سنة 2010، شعرت أنقرة أنها في الحقيقة محاطة بدول معادية لها، ولذلك قرر أردوغان الخروج من هذه العزلة ومواجهة أعدائه، رغم إدراكه بخطورة هذه الخطوة على أمن بلاده القومي.