مرَّت عملية اندماج فصائل المعارضة المسلحة السورية شمالي البلاد بشكل عابر دون أن تحدث أي أثر سواء أكان سياسيا أو إعلاميا، وكأن الأمر مجرد تفصيل صغير في مسار الأزمة السورية، وليس متعلقا بأهم وأكبر فصائل المعارضة المسلحة في البلاد (أحرار الشام، جيش الإسلام، أجناد الشام، صقور الشام، تجمع فاستقم كما أمرت، فيلق الرحمن، فيلق الشام، جبهة أهل الشام).
ولو حدث هذا الاندماج قبل عام لضجت وسائل الإعلام العربية والدولية به، أما في هذه المرحلة فإن الأمر مختلف لثلاثة أسباب رئيسية:
ـ أن عملية الاندماج جاءت متأخرة جدة، حيث أعقبت خسارة هذه الفصائل لموقع حلب الاستراتيجي، وأن الاندماج الأخير إن اكتمل لن يغير الواقع العسكري الجديد في شمال غربي البلاد.
ـ فقدان الثقة بأي اندماج بعدما فشلت كل عمليات الاندماج السابقة، وكأن الاندماج الأخير سيلقى مصير سابقيه.
ـ عملية الاندماج لم تأت نتيجة وعي الفصائل بأهمية الاندماج، بقدر ما جاءت نتيجة تحولات عسكرية في الميدان لم تكن في صالح المعارضة، ونتيجة تحالفات إقليمية ـ دولية جديدة (روسيا، تركيا) فرضت بالقوة ضرورة تمايز جميع الفصائل غير المنضوية تحت قائمة الإرهاب عن تلك المنضوية تحتها.
النقطة الأخيرة في تقديري هي الأهم، وهي التي ساهمت في خلق حالة من الستاتيكو السياسي والإعلامي، في ظل الحذر المتبادل بين الفصائل المندمجة من جهة، و"جبهة فتح الشام" ومثيلاتها من جهة ثانية، خصوصا أن بعض الفصائل المندمجة وتحديدا "أحرار الشام" (الفصيل الأقوى) يتقاسم مع "فتح الشام" محافظة إدلب.
ويخشى الطرفان الأخيران مواجهة بعضهما البعض ليس فقط لأنهما متقاربان في القوة فحسب، بل لأن مثل هذه المواجهة ستقضي عليهما نهائيا وعلى الفصائل في إدلب، وبالتالي على قوة المعارضة المسلحة.
ترفض "جبهة فتح الشام" ابتعاد الفصائل الإسلامية المعارضة عنها، لأن من شأن ذلك أن يبقيها وحيدة في الميدان عندما تحين ساعة المعركة في إدلب، ولذلك تسعى الجبهة إلى محاولة عرقلة نجاح أو استمرار الاندماج وإن بوسائل غير مباشرة، كما حدث في تفجير كفر سوسة الأخير.
تحاول الجبهة جر النظام وروسيا إلى فتح معركة إدلب قبل أن يكتمل المشهد العسكري والسياسي في البلاد، فمن شأن المعركة حاليا أن تشربك أوراق الفصائل الإسلامية وأهمها "أحرار الشام" التي ستجد نفسها بين مطرقة خسارة المحافظة لصالح النظام أو سندان القتال مع الجبهة.
الجغرافيا العسكرية لإدلب والتداخل العسكري بين الجانبين على الأرض لا يسمحان بتمييزهما عن بعضهما بالنسبة لمن يريد استهداف "فتح الشام"، ويمكن أن يتحول هذا التداخل الجغرافي إلى فرصة لضرب الحركتين معا وإن كانتا متباعدتين في المواقف.
صحيح أن الحركة قررت الاندماج بعيدا عن "جبهة فتح الشام"، لكن الحركة ما تزال تشهد صراعا داخليا بين تيارين: الأول معتدل يسعى منذ فترة إلى الابتعاد عن الجبهة، وآخر متشدد يرفض ذلك، وهذا الصراع ما يزال يلقي بظلاله على الحركة، وليس رفضها المشاركة في اجتماع الاستانة المقبل إلا تعبيرا عن هذا الصراع.
في المقابل، يرفض النظام وإيران اعتبار هذه الفصائل و"أحرار الشام" جزءا من أي عملية سياسية أو عسكرية لترتيب البيت الداخلي، وما يزالان يعتبرونهم فصائل "إرهابية"، وتصريح الأسد واضح في هذا الشأن "حتى الآن نعتقد أن استانة سيكون على شكل محادثات مع المجموعات الإرهابية لوقف إطلاق النار والسماح لها بالانضمام إلى المصالحات".
هذا الواقع يعقد العلاقة بين "أحرار الشام" و"جبهة فتح الشام" وإن تقولبا بقوالب عسكرية متباعدة، ويجعل المشهد العسكري للمعارضة المسلحة بشكل عام شمال غربي البلاد غير واضح ومفتوح على كل الاحتمالات بانتظار ما سيؤول إليه اجتماع الاستانة، ومدى قدرة الروس على فرض رؤيتهم على النظام.