سيواجه المرشح لتولي وزارة الخارجية الأمريكية،
ريكس تيلرسون، صعوبة كبيرة في مهمته، حتى قبل أن تبدأ، بسبب تحركات البيت الأبيض التي استعدى بها دولا إسلامية، وحلفاء أوروبيين والمكسيك بل وكبار الموظفين الأمريكيين، حسب ما قال مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون.
ومن المتوقع أن يوافق مجلس الشيوخ الأمريكي، الأربعاء، على تعيين تيلرسون الرئيس التنفيذي السابق لشركة "إكسون موبيل" في منصب وزير الخارجية التاسع والستين ليصبح المستشار الرئيسي للرئيس دونالد
ترامب في الشؤون الخارجية.
وكان من المنتظر أن يرث تيلرسون مسؤولية التعامل مع عالم مضطرب يعاني من حرب أهلية في سوريا، وتهدد فيه كوريا الشمالية التي تمتلك سلاحا نوويا باختبار صاروخ باليستي عابر للقارات، ويشهد تحديات من الصين الصاعدة وروسيا الساعية لتأكيد دورها.
غير أنه في الأيام الإثني عشر التي انقضت منذ تنصيب ترامب اتخذ البيت الأبيض خطوات يعتبرها المتخصصون في السياسة الخارجية بمثابة إيذاء للذات.
وقال مسؤول أمريكي كبير طلب عدم نشر اسمه: "لقد سجلنا سلسلة من الأهداف في مرمانا. دائما ما تحدث حالات من الفوضى والاحتكاك مع الإدارات الجديدة. وهذا ليس جديدا. (لكنه) أسوأ من المعتاد".
ويوم الخميس الماضي أخذ الرئيس المكسيكي إنريكي بينيا نييتو خطوة غير معتادة فألغى زيارة كان من المقرر أن يقوم بها للقاء ترامب الذي طالب المكسيك مرارا بسداد تكاليف بناء جدار على الحدود المشتركة بين البلدين.
ويوم الجمعة، وقع ترامب أمرا تنفيذيا فرض حظرا لمدة أربعة أشهر على دخول اللاجئين إلى
الولايات المتحدة ومنع بصفة مؤقتة دخول أغلب المسافرين من إيران والعراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن.
ولم يتسبب هذا الأمر في استياء الدول المعنية فحسب بل أثار سخطا بين دول إسلامية أخرى وحلفاء مثل ألمانيا وبريطانيا كما أثار استياء كبار المسؤولين في وزارة الخارجية.
فقد قال مصدر مطلع إن حوالي 900 من المسؤولين بالوزارة وقعوا مذكرة يتبرؤون فيها من هذه السياسة فيما يمثل تمردا غير معتاد على سياسات رئيس جديد.
اقرأ أيضا: 900 دبلوماسي أمريكي يوقعون مذكرة تعارض "حظر الدخول"
ومع انتشار أنباء التمرد الداخلي يوم الاثنين قال شون سبايسر المتحدث باسم البيت الأبيض إن الموظفين الذين يختلفون في الرأي مع السياسة عليهم "إما التعامل مع البرنامج أو بوسعهم الاستقالة".
وكانت النتيجة أن ركنين أساسيين في الوزارة التي سيديرها تيلرسون وهما الدول الأجنبية والسلك الدبلوماسي الأمريكي أبديا اسيتاءهما الشديد قبل أن يؤدي اليمين الدستورية.
وأفادت صحيفة "ذي غارديان"، أن البيت الأبيض في ظل رئاسة ترامب نفذ "عملية تطهير مفاجئة لكبار قيادات وزارة الخارجية" الأسبوع الماضي، إذ أقال كبار المسؤولين من المناصب الضرورية لإدارة الأعمال اليومية في الوزارة والبعثات الأمريكية في الخارج.
وقال جون بيلنجر المستشار القانوني لوزارة الخارجية في عهد الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش: "سيبدأ بداية غير مواتية وسيتعين عليه اللحاق بما فاته لبناء الثقة مع نظرائه وزراء الخارجية ومع العاملين في وزارة الخارجية".
وقال مسؤول سابق آخر بوزارة الخارجية مشترطا عدم نشر اسمه: "تيلرسون يسير إلى وضع لديه فيه بيت أبيض غير راض ومرتاب ولديه موظفون غير راضين ومرتابين. الوضع كان صعبا بما يكفي في ضوء حالة الفوضى".
وقال عدد من المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين إنهم ارتاعوا بسبب سلسلة الخطوات التي أدت إلى صدور الأمر التنفيذي دونما أي دليل يذكر على إجراء مشاورات واسعة داخل الحكومة بل ومع الكونجرس والدول الأجنبية الحليفة.
وتردد أن وزير الأمن الداخلي جون كيلي لم يتم إشراكه في إعداد الأمر التنفيذي. وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إنه كان يشارك في مؤتمر عبر الهاتف بالبيت الأبيض لتلقي أول شرح كامل لمهمته عندما وقع ترامب الأمر التنفيذي.
وقالت لورين دي جونج شولمان المسؤولة السابقة بمجلس الأمن القومي ووزارة الدفاع إن الاعتقاد بأن ترامب لم يشرك كبار مستشاريه في الحوار حول هذه المسألة سيمثل في حد ذاته عائقا أمام وزير الخارجية الجديد. تعمل شولمان الآن بمركز الأمن الأمريكي الجديد وهو مؤسسة بحثية في واشنطن.
وأضافت شولمان "سلطة وزير الخارجية ونفوذه يشتقان في الأساس من فكرة أنه يتحدث باسم الرئيس"، وقالت إنه سر مفضوح أن البيت الأبيض قد لا يتشاور مع المسؤولين الوزاريين في هذه المسائل، وتابعت: "ومجرد إدراك الأطراف الخارجية لذلك في اليوم الأول سيضعف موقفه بكل تأكيد".