قررت سلطات الانقلاب في
مصر، وضع قيود على سفر أعضاء هيئات التدريس بالجامعات الحكومية للخارج، وجعلته مشروطا بموافقة وزير التعليم العالي، في قرار قال مراقبون إنه يخالف بند استقلال
الجامعات المنصوص عليه دستوريا.
وتقدمت وزارة التعليم العالي بخطاب رسمي لوزارة الخارجية، السبت الماضي، طالبت فيه بعدم السماح لقيادات وأعضاء هيئة التدريس بالجامعات الحكومية والمراكز البحثية بالسفر للخارج دون قرار وزاري، أو موافقة من وزير التعليم العالي.
واعتبر محللون القرار انتهاكا جديدا للحريات، واستمرارا لتدخلات سلطة الانقلاب والأجهزة الأمنية في الجامعات، وتقييدا لحرية الأساتذة في حضور الندوات والمؤتمرات الدولية، أو إجراء دراسات علمية، أو التدريس بالجامعات خارج مصر، وهو ما يغضب آلاف
الأكاديميين، وينذر بصدام وشيك مع النظام.
وأضافوا أنه ليس من صلاحيات وزير التعليم العالي اتخاذ مثل هذا القرار، حيث إن سفر الأساتذة منوط بموافقة رؤساء الجامعات.
مخاوف النظام و"استبداد" عبدالناصر
وعلق عضو فريق التعاون الدولي بمؤسسة الرئاسة في عهد الرئيس محمد مرسي، المهندس أسامة فتحي، بقوله إن "مخاوف النظام من هروب بعض أساتذة الجامعات، وانضمامهم لمعارضة الخارج؛ دفعت قادته لاتخاذ هذا القرار"، موضحا أن "النظام العسكري يخشى اتصال أساتذة الجامعات بالخارج، أو حصولهم على تمويل خارجي، أو فتح ملفات فشل الانقلاب، من الحريات إلى الاقتصاد، في المحافل الدولية".
وحول احتمالية الصدام بين الجسم الأكاديمي وبين النظام الانقلابي؛ رأى فتحي أن "المواجهة لم يحن موعدها بعد"، مضيفا أن "أغلب القطاعات الحكومية أصابها الخوف من سطوة العسكر، وبالتالي ليس هناك أمل على المستوى القريب في حدوث أي مواجهات".
وأكد فتحي أن "ما يجري من تضييق؛ من الطبيعي أن يصدر عن نظام استبدادي قمعي"، مذكرا بفرض الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر "تأشيرة خروج على المصريين".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "النظام الحالي يتجه لتطبيق قواعد سلفه العسكري عبدالناصر، ويقوم بمنع هذا وذاك بسبب مخاوفه"، مشيرا إلى أن "النظام لو استطاع حاليا وقف وسائل التواصل الاجتماعي لفعل، وسيقوم بذلك بالفعل لاحقا".
حق دستوري ومخالفة للقانون
من جهته؛ قال رئيس اللجنة القانونية في حزب الحرية والعدالة، المحامي مختار العشري، إن "تقييد سفر الأكاديميين مخالف لحرية التنقل داخل وخارج البلاد".
واعتبر أن "سفر المواطنين حق دستوري لصيق بالشخصية، ولا يجوز تقييده بسبب الوظيفة بأي شكل من الأشكال"، مؤكدا أن "مصير هذا القرار هو الإلغاء قضائيا".
وأضاف العشري لـ"
عربي21" أن "دوافع النظام لاتخاذ مثل هذا القرار هي الخوف من هروب أعضاء هيئات التدريس بالجامعات من جحيم الانقلاب، وكشف مخازيه"، مستدركا بالقول إن "العالم بات على علم بهذه المخازي، وبوضع حقوق الإنسان المزري في مصر".
حجب ومنع وخسائر
من جانبه؛ أكد أحد أساتذة الإعلام بجامعة حلوان، أن "أكثر الفئات التي تضررت من النظام الحالي في مصر؛ هم أساتذة الجامعات، وذلك مقارنة بالقضاة وضباط الشرطة والإعلاميين والعاملين بوزارات المالية والبترول"، مشيرا إلى "حجب زيادة رواتب أساتذة الجامعات، والتي أقرها برلمان الثورة في 2012".
وقال الأستاذ الذي رفض ذكر اسمه خشية الملاحقة الأمنية، إن "خسارة الأكاديميين المصريين كبيرة، حيث إن أغلب الجامعات العربية والخليجية ستضطر لاستكمال كادرها التدريسي من خلال الاستعانة بجاليات غير مصرية، نظرا للتعقيدات التي يفرضها النظام على سفر الأساتذة المصريين".
وحول حلول الأزمة؛ قال الأكاديمي: "ليس هناك خطة عمل للأساتذة، والجميع سيضطر إلى اتخاذ حلول فردية، كالسفر بطرق غير شرعية، أو الاستقالة من الجامعات الحكومية في حال وجد عرضا مغريا، لا سيما وأن المصريين لهم الحضور الأكبر في التعليم العالي بالدول العربية والخليج".
إحكام غلق الصندوق
أما الناشطة الحقوقية نيفين ملك؛ فاعتبرت أن تقييد حق أساتذة الجامعات في السفر بموافقة الوزير "إجراء معيب من الناحية القانونية والدستورية، وغير متصور عمليا".
وقالت عبر صفحتها في "فيسبوك" إن "القرار يعد جزءا لا يتجزأ من سلسلة إجراءات إحكام غلق الصندوق"، مضيفة: "لا عزاء لبقايا الأمل في منظومة البحث العلمي والأكاديمي".
ويوجد في مصر 27 جامعة حكومية، وأربع جامعات أهلية، و20 خاصة، و12 أكاديمية، بإجمالي 63 جامعة وأكاديمية داخل مصر، بجانب ثلاث جامعات وخمسة أفرع خارج البلاد؛ تعاني جميعها من أوضاع مالية وإدارية صعبة، بحسب مصادر مطلعة.
وتجدر الإشارة إلى أن تقرير التنافسية العالمية لعام 2015 أكد حصول مصر على المركز 139 من أصل 140 دولة حول العالم في جودة التعليم.