أثارت البيانات التي أصدرها عدد من الرؤساء السابقين بموريتانيا، والتي عبروا من خلالها عن رفضهم للتعديلات
الدستورية المقرر أن تعرض على البرلمان مساء الأربعاء، تساؤلات بشأن إمكانية عودة الرؤساء السابقين للمشهد السياسي بعد طول صمت، وما إذا كانت البلاد على شفا مواجهة سياسية جديدة أبطالها هذه المرة رؤساء حكموا البلاد في فترات ماضية.
وقد جاء البيان الأكثر حدة، الثلاثاء، من الرئيس الأسبق، أعل ولد محمد فال، الذي حكم البلاد في الفترة ما بين 2005 و2007، إذ رأى أن التعديلات الدستورية المرتقبة بأنها تعكس مستوى الارتباك الذي يتخبط فيه البلد بفعل سياسة الرئيس الحالي محمد ولد عبد العزيز، متهما الرئيس بأنه يحاول تعميق الأزمة السياسية التي أحدثها بانقلابه العسكري سنة 2008.
ولم تكد تمضي ساعات على بيان ولد محمد فال شديد اللهجة، وما أثاره من ضجة في الأوساط السياسية، حتى أطل الرئيس الأسبق، محمد خونه ولد هيداله، الذي حكم البلاد في الفترة بين عامي 1980 و1984، ببيان مشابه حذر فيه من مخاطر تعديل الدستور، ورسم لوحة قاتمة لواقع البلاد في ظل حكم الرئيس عبد العزيز.
الرئيس السابق، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي توارى عن الأنظار منذ الإطاحة به في انقلاب عسكري قاده ولد عبد العزيز عام 2008، فضّل تسريب مواقفه للصحفيين دون إصدار بيان حتى الآن، وأكد وقوفه في صف المناهضين للمساس بالدستور.
وفي السياق، لم تستبعد مصادر صحفية، وأخرى مقربة من محيط ولد الشيخ عبد الله، تحدثت لـ"
عربي21"، أن يُصدر الأخير بيانا مشابها لسابقيه، يؤكد من خلاله موقفه الرافض لأي تعديل الدستوري.
شعور مكتوم داخل المؤسسة الصلبة
ويرى سيد أعمر ولد شيخنا، الباحث في العلوم السياسية، ومؤلف كتاب "
موريتانيا المعاصرة شهادات ووثائق"، أن بيانات رؤساء البلاد السابقين ستكون لها تأثيرات واضحة على المشهد السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة، وستعقد مهمة تعديل الدستور بالسهولة التي كانت متوقعة.
وتحدث ولد شيخنا عن شعور عام "مكتوم" داخل مؤسسة النظام الحالي، التي وصفها بـ"الصلبة" على رفض التعديلات الدستورية، وهو ما قال إنه قد يساهم في تعقيد مهمة تمرير التعديلات الدستورية، المقرر أن تعرض على البرلمان خلال دورة استثنائية تفتتح مساء اليوم الأربعاء.
صيف ساخن أطل برأسه
وأشار الباحث الموريتاني، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أن بيانات رؤساء البلاد السابقين تدخل في إطار تعزيز الممانعة الآخذة في التبلور والتحدي.
وأضاف: "نظرا لرمزية الرؤساء السابقين، وانتمائهم السابق للمؤسسة العسكرية، فإن هذه المواقف تمثل رسائل مزعجة للنظام، وإذا ما تعززت ببيان من الرئيس المدني السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، والتصعيد المرتقب من معارضة الخارج والداخل، في ظل التصدعات المرتقبة داخل النظام والتربص الإقليمي، فإن صيفا ساخنا قد أطل برأسه سيجعل البلاد على مفترق طريق حاسم"، وفق تعبيره.
لكن المحلل السياسي، أبو بكر أحمد الإمام، اعتبر أن رفض رؤساء سابقين للتعديلات الدستورية في موريتانيا ليس مفاجئا، بحكم موقف هؤلاء الآن ضمن قوى المعارضة المناهضة لحكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
وقال أحمد الإمام لـ"
عربي21" إن من بين هؤلاء الرؤساء الموريتانيين السابقين الأحياء الآن؛ من انقلب عليه الرئيس الحالي، "ومن يواجه أبناؤه قضايا في العدالة الموريتانية"، في إشارة منه لاعتقال ابن الرئيس الأسبق ولد هيداله على خلفية اتهامه بتجارة المخدرات.
وبينما رأى أن البيانات الصادرة عن الرؤساء السابقين "ستجد دون شك صداها في الرأي العام بحكم رمزية هؤلاء الرؤساء وعلاقات بعضهم الواسعة في المجتمع الدولي ونفوذه المالي"، استدرك قائلا: "لكن لا أحد من هؤلاء يتمتع بشعبية ذات وزن سياسي مؤثر، وباستثناء رئيس الدولة الأسبق أعل ولد محمد فال الذي شغل منصب المدير العام للأمن طيلة 20 عاما فليس لهؤلاء أي تأثير من أي نوع على الفعل السياسي، وبالتالي لا أتوقع تأثير كبيرا لبياناتهم"، وفق تقديره.
هل هي بداية مواجهة؟
أما الإعلامي والمحلل السياسي، سيد أحمد ولد باب، فقد رأى في بيانات الرؤساء السابقين، تحولا واضحا في مسار العمل المعارض في البلاد، مؤكدا أنه لا يستبعد تصعيدا متبادلا بين نظام ولد عبد العزيز، والرؤساء السابقين المناهضين لتعديل الدستور.
وأشار ولد باب أشار، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أن "هذا التصعيد المحتمل سيبدأ إعلاميا، وقد يتطور للتضييق على الرؤساء الرافضين لتعديل الدستور، خلال الفترة القادمة".
ولفت إلى أن بيانات رؤساء البلاد السابقين "كان لها تأثير واضح، وشغلت الرأي العام الوطني منذ أمس، وأقلقت قوى الأغلبية الحاكمة، خصوصا أن المعارضة تحتاج فقط أربعة أصوات بمجلس الشيوخ من خارج فريقها البرلماني لإسقاط التعديلات الدستورية"، وفق قوله.