تتجه مدينة عدن جنوبي
اليمن، نحو مزيد من الاحتقان، بعدما دخل الملف الديني في دائرة الصراع نتيجة إبعاد عدد من الخطباء والأئمة من مساجد المدينة من قبل مسؤول أوقاف عدن، المقرب من القيادي السلفي المثير للجدل، هاني بن بريك والإمارات.
قرارات تغيير أئمة وخطباء المساجد في عدن واستبدالهم بمحسوبين على تيار بن بريك، قوبلت باستياء وسخط واسعين، وسط مناشدات للحكومة الشرعية بالتدخل لإيقاف عملية الإقصاء هذه التي طالت 32 مسجدا، ووضعت التعايش والتنوع على حافة الخطر في ظل تعالي أصوات تحذر من نقل الفوضى إلى
دور العبادة، وفقا لمحليين.
وتنطلق فكرة إزاحة وإقصاء أئمة وخطباء المساجد في مدينة عدن، التي يتخذ منها الرئيس عبد ربه منصور هادي وفريقه الحكومي مقرا لهم، من بقائها في ظل وضعها الحالي تمثل "بؤر للمفجرين و"فقاسة للانتحاريين"، ولذلك لابد من تجريدها من "التكفيريين والحزبيين". كما صرح بذلك وزير الدولة، بن بريك في كانون أول/ ديسمبر 2016.
وكان مسؤول أوقاف عدن، محمد الوالي، قد أصدر قبل أيام، قرارات بإزاحة وإبعاد أكثر من 30 خطيبا وإماما من مختلف التيارات السلفية والصوفية وغيرها، من عدد دور العبادة، بل وصل الأمر إلى فرض موالين له بقوة السلاح فيها واعتقال بعض الأئمة الرافضين لقراراته.
إقصاء يهيئ مناخ التطرف
من جهته، قال الداعية اليمني، جمال السقاف إن مدينة عدن تعيش بعد تحررها من الانقلابيين، أي الحوثيين وصالح، حالة من القلق والترقب والحذر، نظرا لاستمرار الممارسات الخاطئة في إدارة عدد من المرافق فيها، وعدم الجدية لاستعادة المؤسسات الحكومية وتمكينها من العمل.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي 21" أن سياسة الإقصاء التي تنتهجها أطراف فاعلة ومؤثرة في عدن لصالح طرف كما يحصل في المساجد اليوم من تغيير الأئمة لا تدويرهم دون مبرر أو مسوغ، بل لمخالفته فكر مدرسة من ينتمي لها المسؤول المباشر عن المساجد. في إشارة منه إلى مدير أوقاف عدن، محمد الوالي.
وأكد الداعية السقاف وهو من أبناء عدن، أنه في الوقت الذي يشعر الناس فيه بالطمأنينة في المسجد بعد أن فقدوها في الشارع ، تأتي مثل هذه الممارسات الخاطئة فتقلق سكينتهم وتفقدهم راحتهم وطمأنينتهم بتغييرات طالت أئمة المساجد الذين عرفهم الناس في السلم والحرب.
واعتبر أن هذه الظاهرة تسهم في تمزيق النسيج الاجتماعي، وتهيئ مناخا للتطرف وتساعد على نشر الأحقاد والضغينة بين سكان مدينة عدن المعروفة بالتعايش بين كل الأطراف.
وأشار السقاف إلى أن المنصب في الأصل، ليس ملكا للمسؤول فيه، بحيث يعبث به كيفما شاء، بل هو حق لكل مواطن بما يخدم الجميع انطلاقا من مبدأ "الرجل المناسب في المكان المناسب" دون النظر لحسبه أو نسبه أو حزبه.
وحذر من تداعيات الإجراءات التي اتخذت بحق عدد من أئمة مساجد عدن، وقال: "إن على الجميع وخصوصا المسؤولين أن يعرفوا حقيقة عدن، أنها "عاشت وستعيش دوما بلدا للتعايش مع الكل"، والمدينة على حافة فتنة وهاوية جراء تنصيب من ليسوا أهلا للمسؤولية.
ممارسات فوضوية
وفي هذا السياق، أوضح نائب رئيس صحيفة 14 أكتوبر (حكومية)، عبد الرقيب الهدياني أن قرارات أوقاف عدن، تمثل ممارسات فوضوية تزيد من احتقان الأوضاع في المدينة، بل قد تعمل على ضرب التعايش داخل مساجدها. مضيفا أن الأمر المؤسف هو أن تحدث بأدوات محسوبة على الشرعية يفترض أن تكون عامل استقرار وليس عاملي توتير وخلق بؤر للصراع، وفق تعبيره.
وأضاف في حديث خاص لـ"
عربي21" أن صناعة الفوضى في دور العبادة بقرارات إقصائية وانتقامية وجميعها تسيء للحكومة الشرعية التي فشلت حتى الآن في إدارة المحافظات الخاضعة لها تخدم الانقلابيين الحوثيين وجناح صالح الموالي لهم، الذين يسيطرون على صنعاء.
وأردف قائلا: "عندما تفتعل الفوضى والصراع وتجعل الناس يتعاركون في 32 مسجدا وتستفز الصوفيين والسلفيين والمصلين والصلوات...فأنت أحد أسباب الهدم وليس البناء يا مدير أوقاف عدن".
واعتبر الهدياني هذه القرارات جزءا من حالة التمرد التي تقوم بها بعض الجماعات المحسوبة على الشرعية، بعدما أوكل إليها إدارة بعض المرافق الحكومية، لا تختلف عن التمرد الذي حدث في شباط/ فبراير الماضي في مطار عدن الدولي.
ووفقا لنائب رئيس تحرير "أكتوبر" الصادرة من عدن قبل توقفها، فإن هناك عبثا واضحا في عدن يتنافى مع أهداف الشرعية والتحالف، وكأن الأدوات القائمة فيها لا تريد لهذه المحافظة أن تتعافى وتستقر وتكون بحق العاصمة المؤقتة للبلاد.
أوقفوا
الحرب على مساجد عدن من زاوية أخرى، احتج خطباء وأئمة مساجد عدن على قرارات مسؤول الأوقاف الوالي الأخيرة ووصفوها بـ "التعسفية" و"الغير قانونية".
وقال بيان وجهه خطباء وأئمة طالهم التغيير بعنوان: "أوقفوا حرب مكتب الأوقاف على مساجد عدن" لحاكم عدن، عيدروس الزبيدي الثلاثاء، إن أوامر تعسفية وإجراءات غير قانونية من قبل مكتب الأوقاف في المدينة، أزاحت وأقصت أكثر من ثلاثين إماما وخطيبا في مختلف مديرياتها".
وأضاف البيان الذي وصل "
عربي21" نسخة منه، أن هذه الإجراءات تستند على "مبررات واهية" و"مزيفة" و"إتهامات كيدية ملفقة". مؤكدين أنه جرى استخدام القوة المسلحة وعشرات المركبات العسكرية والأمنية لمهاجمة "بيوت الله" دون مراعاة لحرمتها.
وبحسب البيان الموجه لحاكم عدن فإن إرهاق عدن بمزيد من الأزمات وإشعال المزيد من الحرائق عمل لا يخدم إلا المتربصين بعدن والمتآمرين عليها.
هيمنة على المساجد
وربط كثيرون إجراءات مسؤول أوقاف عدن، محمد الوالي، وبين مساعي الهيمنة التي دأب عليها القيادي السلفي"هاني بن بريك" المدعوم إماراتيا على دور العبادة وإقصاء المخالفين له.
وكان الوزير السلفي في حكومة أحمد بن دغر، بن بريك، قد خرج في كانون الثاني/ ديسمبر نهاية العام الماضي، بتصريح مثير يحرض على المساجد اعتبر أنه "أحدث هجوم على مناوئيه من الإسلاميين" ويتهمها -أي المساجد- بأنها بؤر للمفجرين و"فقاسة للانتحاريين"، وطالب في الوقت نفسه بتجريدها من ما وصفهم بـ"التكفيريين والحزبيين".
ماذا قال ابن بريك؟
وكتب وزير الدولة في الحكومة اليمنية، هاني بن بريك على حسابه بموقع "تويتر" في شهر ديسمبر أن بؤر المفجرين المنتحرين هي "المساجد" الحاضنة لفكرهم ... ومن المؤسف أن نجد من يقف ضد تطهير المساجد من دعاة هذا الفكر الإجرامي، فلا بد من وقفة حزم صارمة.
وأضاف في تغريدة ثانية أن الحكومة ممثلة بوزارة الأوقاف إن لم تقف بقوة لتجريد المساجد من تبعية الأحزاب ومن التكفيريين التفجيريين، فسيستمر التفريخ لهؤلاء مادام الفقاسة شغالة (أي تعمل).
لكنه في تدوينة ثالثة، برأ الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، واتهم من أسماهم بمشايخ التكفير، وقال إن "عفاش (كنية تطلق على صالح) يملك تصنيع قادة للقاعدة، ويملك الدعم المالي والمعلوماتي لها، لكن لا يملك الإقناع بالانتحار للصغار، وهذا ما يملكه مشايخ التكفير للحكومات".
ويسعى بن بريك الذي يقود قوات الحزام الأمني التي توصف بـ"الذراع الأمني والعسكري للإمارات في الجنوب"، وفقا لمراقبين، من خلال اللعب على هذا الوتر بعد كل حادثة تفجير في عدن، لـ"تكريس خط الهيمنة الذي ينتهجه الرجل على دور العبادة وإبعاد المناوئين له فكريا من منابرها".