كتب الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات غرانت روملي، مقالا نشره موقع مجلة "فورين أفيرز"، تحدث فيه عن التغييرات الجديدة في سلم القيادة داخل أكبر حركتين فلسطينيتين، وصعود "الدماء الجديدة" إلى قمة هرم السلطة في حركتي
فتح وحماس، مناقشا ما يعنيه صعود كل من محمود
العالول ويحيى
السنوار، وأُثره في المسار السياسي للحركتين.
ويقول الكاتب، وهو مؤلف كتاب سيصدر حديثا تحت عنوان "الفلسطيني الأخير: صعود وعهد
محمود عباس"، إن "السياسة الفلسطينية تتعامل في غالب الأحيان مع أفكار محدودة المدى كونها مفاهيم عرضية، مثل نقل السلطة بطريقة غير مبالية، وهذا واضح في تصرفات حركة فتح العلمانية، التي تدير السلطة الوطنية في الضفة الغربية، وحركة
حماس، التي تهيمن على قطاع غزة".
ويجد روملي في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، أن اختيار السنوار ليكون قائدا لحركة حماس في غزة، وانتخاب العضو البارز في حركة فتح العالول أول نائب للرئيس، يشيران إلى توجه متشدد في السياسة الفلسطينية.
ويرى الكاتب أن "أبا مازن كان ناجحا من الناحية التكتيكية في اختيار العالول نائبا له، حيث تعرض في الماضي لضغوط من أجل تسمية نائب له، والتحضير لعملية نقل سلس للسلطة، إلا أن أبا مازن، البالغ من العمر 81 عاما، والخائف من منافسيه، رفض الدعوات، وانشغل في تعزيز سلطاته وتهميش منافسيه، والعمل على إضعاف قاعدة الدعم الشعبي لهم".
ويشير روملي هنا إلى ما يقول إنها عملية "تطهير" للمنشقين عنه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، حيث حرمهم من المشاركة في المؤتمر العام لحركة فتح، لافتا إلى أنه بتعيين عباس للعالول، المولود عام 1950، نائبا له في حركة فتح، فإنه دفع برجل له تاريخ طويل في الحركة إلى المقدمة، دون أن تكون له القدرة أو التاثير على تهديده وتحدي قيادته مباشرة.
ويلفت الكاتب إلى أن العالول جاء من داخل كادر القيادة البارزة، وهو من المسؤولين البارزين السابقين في الجناح العسكري للحركة، وتولى في عام 1983 ملف التفاوض حول الجنود الإسرائيليين لدى حركة فتح وفديتهم في لبنان، وتولى منصب محافظ مدينة نابلس في بداية السلطة الوطنية، وشغل منصب مفوض التعبئة والتنظيم في حركة فتح، بالإضافة إلى أنه مسؤول عن المقاومة الشعبية السلمية، وهي مهمة يقوم من خلالها بالإشراف على نشاطات القاعدة الشعبية للحركة وحركة الشبيبة، وتنسيق الاحتجاجات ضد إسرائيل.
ويعتقد روملي أن تعيين العالول في هذا المنصب البارز يجعله رقما لا يمكن تجاوزه في معركة المنصب على من سيخلف عباس، مشيرا إلى أنه في اتجاه آخر، فإن صعوده عنى تهميشا لمرشحين آخرين، وهما مروان البرغوثي وجبريل الرجوب.
وينوه الكاتب إلى أن البرغوثي حكم عليه بعدد من الأحكام المؤبدة؛ للدور الذي قام به أثناء الانتفاضة الثانية، لكنه ظل ناشطا في السجن، أما الرجوب فعمل في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في الضفة الغربية، وهما عضوان في اللجنة المركزية، مستدركا بأن موقف الرجوب التصالحي من تعيين العالول لا ينفي تنافسا بينهما على خلافة عباس.
ويتحدث روملي عن صعود السنوار إلى هرم القيادة في غزة، ويقول إن "ما أعلن عنه في شهر شباط/ فبراير من تعيين السنوار (55 عاما) في منصب القائد العام لحركة حماس في غزة خلفا لإسماعيل هنية، الذي سيتولى منصب رئيس المكتب السياسي خلفا لخالد مشعل، يعني التوجه نحو التشدد، فالسنوار محارب سابق في الجناح العسكري للحركة، كتائب عز الدين القسام، وقضى 20 عاما في السجن بتهمة التنسيق لعمليات عسكرية، وتم الإفراج عنه عام 2011، في صفقة التبادل للجندي الإسرائيلي الذي اختطفته حركة حماس جلعاد شاليط، وبعد الإفراج عنه صعد في صفوف الحركة، وأصبح في عام 2012 ممثلا للجناح العسكري في المكتب السياسي".
ويصف الكاتب السنوار بالمتشدد الذي انتقد صفقة التبادل، التي أمنت الإفراج عنه، وقام بمحاكمة عدد من الأشخاص الذين اتهمهم بالتعاون مع إسرائيل.
ويذهب روملي إلى أن "تعيين قياديين جديدين من داخل غزة يعني نهاية الانقسام الذي عانت منه الحركة خلال السنوات الماضية بين الجناح السياسي والعسكري، الذي أدى إلى حدوث فجوة أعطت الجناح العسكري استقلالية، حيث أخذ يتصرف في السنوات الماضية بعيدا عن موافقة الجناح السياسي، فعندما قامت عناصر من الجناح العسكري في الضفة الغربية باختطاف ثلاثة إسرائيليين في الضفة الغربية عام 2014، أنكر مشعل في البداية علاقة حركته بالعملية، قبل اعترافه بأنه لم يعرف بها مقدما، ومن هنا فإن صعود السنوار قد يشير إلى بداية التراجع للجناح السياسي".
ولا يستبعد الكاتب إمكانية مواجهة جديدة بين حركة حماس وإسرائيل، ويقول إن "المسؤولين الإسرائيليين يعتقدون أن الغزيين لا يرغبون بحرب جديدة، وهذا لا يعني أن حركة حماس لا تفكر بجولة جديدة من النزاع، فقد قامت الحركة بإعادة بناء ترسانتها العسكرية للمستويات التي كانت عليها قبل حرب عام 2014، وتسيطر الآن على 15 نفقا إلى إسرائيل، وبصفة السنوار ممثلا للجناح العسكري في المكتب السياسي -أي بصفة وزير دفاع- فإنه كان مسؤولا عن هذه الجهود".
ويختم روملي مقاله بالقول إن "صعود كل من العالول والسنوار يأتي في لحظة ملتهبة تجد فيها حركتي فتح وحماس في منطقة غير واضحة، والفضل يعود إلى صعود الإدارة الأمريكية الجديدة لدونالد ترامب، وتراجع فرص تحقيق تسوية سلمية، ويواجه عباس محكا صعبا، وأصبحت حكومته، التي تغلب الدبلوماسية، محلا للنقد من حركة فتح ومسؤولين في حركة حماس، مثل محمود الزهار، الذي وصف عباس في الفترة الماضية بـ(الخائن)، واتهمه (بتضييع وقتنا ومساعدة الاستيطان الإسرائيلي)، ففي ظل غياب حل دبلوماسي في الضفة الغربية، وعدم تحسن الظروف الإنسانية للفلسطينيين في غزة، فإن صعود متشددين يمنحهم البديل".