نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتها في طهران نجمة بوزرجمير، تقول فيه إن الإصلاحيين في
إيران يخشون على بلادهم من تزايد التوتر مع المتشددين.
وتبدأ الكاتبة تقريرها بالقول إنه خلال سبعة أعوام قضاها السجين السياسي مصطفى تاج زاده في سجن "إيفن"، ستة منها في جناح معزول، فإنه يقول إنه "دفن الأحقاد والكراهية"، مشيرة إلى أن تاج زاده يعد الآن من أهم الشخصيات الإصلاحية الداعية إلى التصالح مع المتشددين الذين سجنوه، حيث يقول إن المصالحة ضرورية لحماية إيران من التهديدات الداخلية والأجنبية.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن مشاعر تاج زاده تعكس القلق المتزايد من أن آمال الازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي تتعرض للتأثير من أحداث دولية ومحلية متداخلة، لافتا إلى أن انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد
ترامب أثار التوتر مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى صراع السلطة الذي اندلع قبل الانتخابات الرئاسية في أيار/ مايو، التي يحاول فيها الرئيس حسن
روحاني، الذي يمثل تيار الوسط الإصلاحي، الحصول على ولاية ثانية.
وتلفت الصحيفة إلى أن ترامب، الذي هاجم الاتفاق النووي عام 2015، وهدد بتمزيقه في حال وصوله إلى البيت الأبيض، قام بإرسال رسائل تحذيرية لطهران بشكل أثار التكهنات حول عقوبات اقتصادية جديدة، بل مواجهة عسكرية، مشيرة إلى أن الإصلاحيين يخشون من أن يؤدي موقف واشنطن الصدامي إلى تقوية المتشددين، الذين استخدموا الاتفاق النووي لانتقاد روحاني، وتعميق الخلاف بين الأطراف المتنافسة.
وتورد بوزرجمير أن تاج زاده قارن إيران ببناية متداعية آيلة للسقوط، حيث قال: "تعرف أن البناية كلها في خطر، لكنك لا تعرف متى وكيف ستتساقط أجزاؤها"، وأضاف السجين السياسي البالغ من العمر 61 عاما، الذي استقبل عند الإفراج عنه استقبال الأبطال: "الإصلاح ضروري الآن، وليس عندما تنهار البناية".
وتعلق الكاتبة قائلة إن تعليقاته تعكس مواقف الرئيس السابق والزعيم الإصلاحي محمد خاتمي، الذي أصدر مناشدة غير عادية لتحقيق المصالحة الوطنية، لافتة إلى أن المحللين الداعمين للتيار الإصلاحي يعتقدون أن حظوظ روحاني للفوز مرة ثانية كبيرة، حيث لم يعثر التيار المتشدد بعد على مرشحه الذي سيواجهه في الانتخابات المقبلة.
ويستدرك التقرير بأنه رغم ذلك، فإن الخطاب الصدامي لترامب، ووفاة آية الله أكبر هاشمي رفسنجاني، الذي كان حليفا مهما للإصلاحيين، قد يحرفان الدفة باتجاه المعسكر المتشدد على المدى البعيد.
وتبين الصحيفة أن العلاقات بين المعسكرات المتناحرة أصبحت متوترة أكثر من الفترة التي تبعت الانتخابات التي جرى الاختلاف عليها عام 2009، حيث اعتقل تاج زاده بعد يوم من إعلان نتائجها وفوز محمود أحمدى نجاد بولاية ثانية، مستدركة بأن الفوز أدى إلى موجة احتجاجات عرفت بالثورة الخضراء، التي كانت الأكبر في تاريخ الجمهورية منذ إنشائها عام 1979.
وتنوه بوزرجمير إلى أنه تم التصدي للتظاهرات بالقوة، واتهم تاج زاده بالقيام بأعمال تضر بالأمن القومي، مشيرة إلى أن خلافا لبقية المعتقلين السياسيين، فإن تاج زاده لم يعترف بالتهم الموجهة إليه، وظل يدعو إلى الإصلاح عبر الرسائل المهربة من سجن "إيفن".
وتقول الكاتبة إنه منذ خروج تاج زاده من السجن، فإنه أصبح مقتنعا بأهمية التغيير، حيث يقول: "لا توجد جماعة سياسية -بمن فيهم
الإصلاحيون- تتمتع بغالبية مطلقة، وهذا يعني أن المخاطر الكبرى لا يتم التصدي لها إلا من خلال المصالحة الوطنية"، وأضاف تاج زاده، الذي عمل نائبا لوزير الداخلية في التسعينيات من القرن الماضي، ومستشارا للرئيس خاتمي، أن "هذا يعني أن عملية جراحية كبيرة باتت ضرورية".
وتضيف بوزرجمير أنه ليس من الواضح الكيفية التي ستنجح فيها المصالحة التي يقترحها تاج زاده، إلا أنه مصر على أهمية الإصلاح، ودعا الحرس الثوري إلى التوقف عن التدخل في الاقتصاد، والتركيز على القوة العسكرية، ومواجهة الفساد، وتحسين سجل حقوق الإنسان.
وقال تاج زاده: "يجب ألا يكون اعتمادنا على القوة العسكرية؛ لأن القادة العسكريين لا يمكنهم إدارة السياسة والاقتصاد والثقافة والرياضة"، وأضاف: "أي دين أو قومية لا يعترفان بحقوق الإنسان فإنهما ينتهيان للطلبنة (حركة طالبان) والنازية".
ويفيد التقرير بأن الإصلاحيين يخشون من محاولة المعسكر المتشدد القيام بعزلهم، واستثمار موقف ترامب من الاتفاق النووي، بالإضافة إلى أن وفاة رفسنجاني في كانون الثاني/ يناير، الذي كان يعد عمادا من أعمدة الجمهورية الإسلامية، شكل ضربة للتيار الإصلاحي؛ لأنه أدى دورا مهما في الوساطة بين الأطراف المتناحرة، وكان له دور مهم في إقناع المرشد الأعلى للثورة آية الله علي
خامنئي، وتأمين توقيعه على الاتفاق النووي، الذي فاوضت حكومة روحاني لتحقيقه مع ست دول.
وبحسب الصحيفة، فإن دعوات الإصلاحيين للمصالحة الوطنية تواجه عقبة كبيرة، حيث لم يعد خامنئي يثق بهم بعد الثورة الخضراء، بالإضافة إلى أنه يبدو أنه لم يسامحهم؛ بسبب تشكيكهم في نتائج انتخابات عام 2009، منوهة إلى أن المتظاهرين هتفوا قائلين: "الموت للديكتاتور"، ومزقوا صور خامنئي، ومٍنع خاتمي وغيره من قادة الإصلاحيين من المشاركة في الانتخابات.
وتقول الكاتبة إنه "ليس من الواضح إن كان خامنئي (77 عاما) سيتدخل ويخفف من التوتر السياسي، فهو لم يرحب بمبادرة الإصلاحيين أو يرفضها".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول تاج زاده: "نحن قلقون أكثر من أي وقت مضى مما سيحدث لو توفي خامنئي قبل أن يحل هذه المشكلات، فهو الوحيد الذي يمكنه المساعدة لمنع التهديدات المستقبلية"، وأضاف: "حتى لو رفضت دعوتنا في نهاية المطاف، فإننا صنعنا تاريخا من خلال التحذير من أزمات كبيرة قادمة".