تشهد
مصر في الفترة الأخيرة انتشارا ملحوظا لجرائم اعتداء على
الأطفال، ما بين
اغتصاب وقتل واختطاف، هزت المجتمع المصري، كان آخرها اغتصاب طفلة لم تبلغ العامين من عمرها في محافظة الدقهلية، على يد عامل يبلغ 35 عاما.
ويقول مراقبون إن هذه الحوادث تزايدت بشكل ملحوظ بعد انقلاب تموز/يوليو 2013، وهو ما أكده المركز القومي للأمومة والطفولة الذي كشف عن تسجيل ألف حالة اغتصاب للأطفال في الفترة من كانون الثاني/يناير إلى تشرين الأول/أكتوبر 2014 فقط.
صدمة مجتمعية
وتسبب حادث اغتصاب رضيعة الدقهلية في إصابة المجتمع بصدمة هائلة، نظرا لبشاعة الجريمة، حيث أضرم أهالي قريتها النيران في منزل المتهم، وأجبروا عائلته على الرحيل.
وتقدمت النائبة سوزي ناشد ببيان عاجل بشأن الجريمة إلى الحكومة، وطالبت بتوقيع عقوبة الإعدام على المدانين باغتصاب الأطفال، مضيفة في تصريحات صحفية أنها ستناقش خلال الأيام المقبلة مشروع قانون وافقت عليه اللجنة التشريعية بتغليظ عقوبة التحرش الجنسي.
حوادث بالجملة
ولا يكاد يمر يوم دون الإعلان عن العديد من حوادث الاعتداء على الأطفال، حيث تمكنت الشرطة بمدينة دكرنس بالدقهلية من ضبط تشكيل عصابي، الجمعة الماضي، تخصص في
خطف الأطفال وبيعهم لتجار الأعضاء البشرية، مقابل ألف جنيه (50 دولارا) للطفل الواحد، واعترف أعضاء التشكيل باختطاف تسعة أطفال خلال عدة أشهر.
وتعددت الجرائم الجنسية داخل المدارس، من بينها اغتصاب طالبة في المرحلة الإعدادية على يد معلمها داخل مدرسة بالدقهلية، وحملها منه سفاحا في شهر شباط /فبراير الماضي.
وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي؛ تعرضت تلميذة أخرى للاغتصاب داخل مدرستها بمدينة منيا القمح بالشرقية.
كما أصبحت دور الأيتام مكانا غير آمن للأطفال المقيمين بها، حيث تعرض العديد منهم لجرائم اعتداء، من بينها دار أيتام بمدينة 6 تشرين الأول/أكتوبر، مملوكة لأرملة رئيس الوزراء الأسبق عاطف عبيد، حيث تم تعذيب عشرات الأطفال الأيتام، والاعتداء الجنسي عليهم على أيدي مشرفي الدار.
انحلال أخلاقي
وتعليقا على هذه الجرائم؛ قالت أستاذة علم الاجتماع، سلوى خضر، إن المجتمع المصري يعاني من انحلال أخلاقي واضح، ويحتاج إلى معالجة اجتماعية ونفسية حادة.
وأكدت لـ"
عربي21" أن "خصائص المجتمع المصري تغيرت تماما بعد ثورة كانون الثاني/يناير 2011، فلم يعد هناك ضابط أو رابط لتصرفات المصريين؛ بسبب الانفلات الأمني، وانتشار فكرة الحرية التي فهمها البعض بطريقة خاطئة، وأعتقد أن من حقه أن يفعل ما يشاء حتى لو كان مخالفا للقانون، مما تسبب في ظهور كثير من الجرائم والأمراض الاجتماعية بكثافة في السنوات الأخيرة".
وأشارت خضر إلى أن "جرائم الاغتصاب والتحرش ليست جديدة على المجتمع المصري، لكنها ظهرت بشكل بشع في السنوات العشر الأخيرة؛ بسبب التشوه الفكري عند كثير من الشباب الذين تمت تنشئتهم وتربيتهم بطريقة خاطئة".
وأضافت أن "الظروف الاقتصادية في مصر تضغط بكل قوة على عقول الشباب، وتحرم الكثير منهم من الزواج، مما يجعلهم يستبيحون المحرمات، ويخرقون القانون بأفعال مشبوهة، حتى يتمكنوا من الحصول على الأموال، أو المتع الجسمانية، ويرتكبون جرائم التحرش أو الاغتصاب".
وحول جريمة اغتصاب الطفلة الرضيعة في الدقهلية؛ قالت سلوى خضر إن المتهم بارتكاب الجريمة شخص مصاب بمرض نفسي وغير متزن عقليا، لأنه لا يمكن لشخص طبيعي أن يفعل ما فعله، حتى لو كان يعاني من كبت جنسي.
تقصير أمني
لكن الباحث السياسي جمال مرعي، رأى أن أهم أسباب انتشار هذه الجرائم في المجتمع؛ هو غياب القانون وعدم تفعيله، مشيرا إلى أن "غياب مبدأ الردع أدى إلى الحالة التي وصلت إليها مصر من تدنٍّ في سلوكات الأفراد".
وأضاف مرعي لـ"
عربي21" أن "قانون الاغتصاب المطبّق بمصر فيه عوار كبير"، لافتا إلى أن "هذا القصور ظهر بوضوح في جريمة اغتصاب وقتل طفلة في بورسعيد منذ عامين، حيث ظل المتهم يحاكم لما يقارب العام، وفي النهاية أفلت من عقوبة الإعدام رغم بشاعة الجريمة".
ورأى أنه "لو كان الجاني يعرف أنه سينال عقوبة رادعة؛ لما أقدم على ارتكاب مثل هذه الجريمة"، مشيرا إلى أن "جرائم الاغتصاب تندرج تحت جرائم المرض النفسي؛ لأن معظم من يرتكبونها يحتاجون لعلاج نفسي".
وشدد على أن "هناك تقصيرا أمنيا واضحا من جانب وزارة الداخلية في القيام بدورها وحفظ الأمن في المجتمع"، مؤكدا أن "هناك الكثير من الجرائم الجنائية يتم تجاهلها تحت ذريعة انشغال الشرطة بمحاربة الإرهاب، والذي أصبح شماعة تعلق عليها الداخلية التقصير الأمني".
واختتم مرعي تصريحاته بالقول إن "تنفيذ القانون على الجميع، والردع؛ هما الوسيلة الوحيدة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة".