سياسة عربية

باحثون شرعيون: "أهل الذمة" لا وجود لهم في زماننا

تفجيرات الكنائس أثارت جدلا فقهيا في مصر حول توصيف المسيحيين- جيتي
تفجيرات الكنائس أثارت جدلا فقهيا في مصر حول توصيف المسيحيين- جيتي
أثارت تفجيرات الكنائس في مصر مؤخرا جدلا فقهيا على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الحوارية حول توصيف المسيحيين، بين من يعتبرهم أهل ذمة يحرم الاعتداء عليهم، وبين من يرى أنهم مواطنون مصريون بمقتضى المواطنة في ظل الدولة الحديثة.

ووفقا لباحثين شرعيين فإن من يصر على إطلاق وصف "أهل الذمة" على المسيحيين الحاليين، ينطلق من تمسكه بالأحكام الفقهية المقررة في المدونات الفقهية، والتي اعتبرت المسيحيين أهل ذمة، بموجب عقد الذمة، الذي يلتزمون بموجبه بدفع الجزية مقابل توفير الحماية لهم في ظل "الدولة الإسلامية". 

لكن بعض الفقهاء المعاصرين يذهبون مذهبا آخر، في عدم انطباق وصف "أهل الذمة" على أهل الكتاب ومن في حكمهم، لاختلاف علة الحكم ومناطاته، والأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما، فما دام أن علة الحكم منتفية فلا يمكن إنزال ذلك الحكم على واقعنا المعاصر بحسب الباحث الشرعي الأردني صالح سهيل حمودة.

ويشرح حمودة عقد الذمة بقوله: "هو عقد كان يعقده ولي الأمر قديما لأهل الكتاب ومن في حكمهم مع بقائهم على دينهم مقابل التزامهم بدفع الجزية، وهي على القادرين منهم، لأنه لا يطلب منهم الدفاع عن الدولة، بل تتكفل الدولة بذلك".

وأضاف لـ "عربي21": "فعلة الحكم تدور على تولي الدولة الدفاع عنهم، مقابل دفع الجزية، لكن المسيحيين باتوا في زماننا يشاركون في الجيش والأمن وسائر مؤسسات الدولة، وهم يتولون الدفاع عن الوطن كما يفعل غيرهم من المسلمين، فارتفعت علة الحكم، واختلفت مناطاته، ما يعني بالتالي اختلاف الحكم".

ولفت حمودة إلى أن الفقهاء الذين يراعون تعليل الأحكام، ويبحثون عن عللها وجودا وعدما، رأوا أن حق المواطنة بات في ظل الدولة الحديثة هو ما يصلح أن يحل محل عقد الذمة الذي كان معمولا به في سياقات تاريخية معروفة.

ورأى حمودة أن عقد الذمة ليس حكما شرعيا له صفة الإطلاق، بل هو محكوم بتاريخيته وزمانيته، وهو من الأحكام المعللة، وما دام أن علته ارتفعت ولم تعد موجودة، فلم يعد الحكم موجودا، ولا بد من البحث عن أحكام جديدة تتناسب مع ما استجد من معطيات وظروف، على حد قوله.

وبنظرة مغايرة لما قاله الباحث حمودة، أكدّ الباحث الشرعي السوري علي محمد زينو أن "الحكم الشرعي المستنبط من الكتاب والسنة لا يسقط بعدم تطبيقه، فإذا قامت دولة تطبق الشريعة الإسلامية فإنه لا يُطلب من غير المسلمين الدفاع عنها إلا أن يتبرعوا"، في إشارة منه إلى وجوب تطبيق الحكم حال توافر شروطه.

وجوابا عن سؤال: هل لهذا التوصيف وجود في زماننا؟ قال زينو: "لم تعد هناك صورة لعقد الذمة إلا في كتب الفقه والسياسة الشرعية، ولا وجود له في أرض الواقع، بل لا يكاد يوجد له قبول حتى لدى المسلمين بسبب عدم وضوح صورة عقد الذمة في أذهانهم".

وأشار زينو في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "استخدام مصطلح "عقد الذمة" غير ذي معنى ولا فائدة له في الدولة المدنية الحديثة، التي تساوي بين جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات، ولكن نظرة الإسلام إلى الدولة أنها دولة إسلامية في منهجها وتطبيقاتها".

وبيّن أنه "بالرغم من تساوي الخلق جميعا في الإنسانية وحق الوجود، إلا أن الإسلام يرفع من شأن المؤمنين في الدنيا والآخرة، ويتعمد خفض شأن غير المسلمين في الدنيا دون إذلال، أو مصادرة لإنسانيتهم تنفيرا لهم مما هم عليه، وتحبيبا لهم في الدخول بما فيه سعادتهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة". 

بدوره رأى أستاذ الفقه الإسلامي وأصوله في مؤسسة دار الحديث الحسنية بالمغرب للدراسات الإسلامية العليا بالمغرب، الناجي لمين أن "أهل الذمة لم يعودوا موجودين بالمعنى الفقهي، لأن الناس يتحدثون الآن عن المواطنة".

وأكدّ الأكاديمي المغربي لـ "عربي21" أن "عقد أهل الذمة ينبني على دفع قسط من المال مقابل الحماية، وهذا الأثر لم يعد موجودا البتة، وما يروج في الإعلام تضليل، واستهلاك إعلامي".

وبخصوص الرأي الفقهي الذي يرى أصحابه "ارتفاع حكم أهل الذمة لارتفاع علته واختلاف الزمان والمعطيات"، خالف أستاذ الفقه وأصوله ذلك الرأي مؤكدا أن "الحكم قابل للتطبيق إذا ما توفرت شروطه" في أي زمان كان. 

من جانبه وصف مدرس العقيدة والفلسفة الإسلامية في جامعة الأزهر، اليماني عبد العزيز الفخراني الجدل حول صحة إطلاق وصف أهل الذمة على غير المسلمين في المجتمع المسلم بالترف الفكري الذي لا مجال له في مجتمع مهدد بالتفكك بعد أن كان نسيجا واحدا، على مر التاريخ. 

وذكر اليماني أن "الأقلية غير المسلمة باتت أسعد أقلية في العالم، ولا تتمتع الأكثرية المسلمة بعشر ما تتمتع به، لذلك لا أرى للخلاف مكانا ولا للجدال وقتا"، بحسب عبارته.

واستشهد اليماني بوثيقة المدينة التي نصت في أحد بنودها "أن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، تلك الوثيقة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم أساسا لتنظيم العلاقات بين مكونات المدينة بعد الهجرة إليها، وإقامة مجتمع الإسلام ودولته فيها". 

وتابع اليماني حديثه لـ"عربي21" قائلا: "وقد شملت الوثيقة النبوية كل مكونات المجتمع من المهاجرين والأنصار والقبائل المتحالفة واليهود، ولو سكن النصارى المدينة وقتها لنصت عليهم الوثيقة". 

وأوضح أن "الوثيقة اشتملت على خمسة وخمسين بندا، منها اثنا عشر بندا تختص باليهود، وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصر عليهم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين".

وذكر مدرس العقيدة اليماني أنه "تأمل الوثيقة فلم يجد النبي سماهم أهل ذمة، كما لم يخاطبهم القرآن بأهل الذمة، بل خاطبهم بـ"أهل الكتاب" مطالبا حكام المسلمين بتطبيق هذه الوثيقة فهي دستور مدون يراعي علاقة الراعي برعيته، وتحقق المساواة والعدالة بين الناس بمختلف مللهم ونحلهم".

وانتهى اليماني إلى القول: "هذا ما سنحاسب عليه أمام الله تعالى، ولن نحاسب هل أطلقنا عليهم أهل الذمة أم مواطنين".
 
يُذكر أن شيخ الأزهر، أحمد الطيب أكدّ في حديثه الأسبوعي الجمعة الماضية "أنه لا محل ولا مجال أن يطلق على المسيحيين أنهم أهل ذمة بل هم مواطنون، ولا مجال لأن يكون هناك كلام فيما يسمى بالجزية أو فيما يسمى بهذه المصطلحات التي كان لها سياق تاريخي معين انتهى الآن". 

ولفت الطيب إلى "تبدل نظام الدولة، وتبدل فلسفات الحكم"، منوها إلى "أن الإسلام الآن يتبنى مفهوم المواطنة الذي تبناه الرسول صلى الله عليه وسلم حينما كان رئيسا لأول دولة إسلامية ظهرت في التاريخ". 

وختم شيخ الأزهر حديثه بـ"أن المواطنة لا تتوقف عند اختلاف دين أو اختلاف مذهب، فالكل متساوون في الحقوق والواجبات، والجميع سواسية أمام القانون في الدولة، وعلى الجميع أن يدافعوا عن هذا الوطن ويتحملوا المسؤولية الكاملة". على حد قوله.
التعليقات (3)
شلومو بن همار
الجمعة، 17-07-2020 12:47 ص
عنما اراد المارشال بيتان تنفيذ القانون المتعلق باليهود وتطبيقه في شمال افريقيا فقد رفض الباي التونسي والسلطان المغربي ذلك واحتجوا بان اليهود يخضعون في وجودهم في المغرب وتونس لنظام الذمة الذي يفرض على المسلمين ان يقوموا بحمايتهم . فتراجعت الدولة المستعمرة ( الاطار بالضبط كان هو الحماية في المغرب والانتداب في تونس ) ولم تعد للموضوع . أما يهود الجزائر فقد كانوا يخضعون لقانون المواطنة الفرنسي فتم تطبيق احكام فيشي عليهمولان الجزائر صارت مقاطعة فرنسية . (( حاليا :في أواخر القرن العشرين واوائل القرن الواحد والعشرين من التقويم القريقوري فان يهود المغرب يسجلون انفسهم في السفارات المغربية وقنصلياتها في الخارج باستمرار وعند كل ولادة حتى لا تتكرر عليهم تجربة نظام فيشي المذكور .))
موسى
الأحد، 16-04-2017 01:41 ص
كيف يسقط حكم أهل الذمة وهو ثابت بنص قرآني؟ الجزية واردة في القرآن هل أصبح التشكيك في القرآن؟
mohamed
السبت، 15-04-2017 10:49 م
سبق هؤلاء الشيخ العلامة يوسف القرضاوي . في ظل الانظمة الموجودة اليوم هم مواطنون عليهم واجبات مثل ماعلى المسلمين