لم تكد
الخلافات المستمرة منذ فترة بين النظام الإنقلابي في
مصر وبين
السودان تهدأ لساعات قليلة؛ حتى عادت للاشتعال بشكل أقوى خلال الأسبوع الجاري، بعد منع السلطات الانقلابية دخول عدد من الصحفيين السودانيين، وطردهم من البلاد.
وجاءت هذه الخطوة التصعيدية بعد أيام قليلة من زيارة وزير خارجية الانقلاب سامح شكري للخرطوم، واتفاقه مع نظيره السوداني إبراهيم غندور على تهدئة التوتر، وإبرام ميثاق شرف إعلامي يجنب البلدين الإساءة المتبادلة في وسائل الإعلام المصرية والسودانية.
احتجاز وطرد للصحفيين السودانيين
وكانت سلطات الانقلاب في مصر قد احتجزت الصحفية السودانية إيمان كمال الدين لعدة ساعات بمطار القاهرة الاثنين الماضي، قبل أن تعيدها إلى بلادها، وذلك بعد يوم واحد من رفض القاهرة السماح للصحفي السوداني الطاهر ساتي بدخول البلاد.
كما رفضت السفارة المصرية بالخرطوم منح الصحفي هيثم عثمان تأشيرة دخول إلى البلاد.
وكان الطاهر ساتي قد كتب مقالات يهاجم فيه النظام المصري بسبب قضية حلايب وشلاتين، بالإضافة إلى الإساءات التي تصدر من الإعلام المصري للسودان.
اقرأ أيضا: التوترات السياسية ترهن مصير التبادل التجاري بين مصر والسودان
وفي المقابل؛ قالت تقارير صحفية سودانية، إن السفارة السودانية في القاهرة تعد لائحة بأسماء صحفيين مصريين لمنعهم من دخول البلاد، ردا على إبعاد القاهرة للصحفيين السودانيين.
"اطردوا الإعلاميين المصريين من السودان"
من جهته؛ اعتبر الاتحاد العام للصحفيين السودانيين، في بيان له الثلاثاء، أن "احتجاز وطرد الصحفيين السودانيين من القاهرة؛ استهداف واضح للصحفيين السودانيين جميعا بلا استثناء، وتأكيدا لسعي المخابرات المصرية إلى تحميل الصحفيين السودانيين ما حصدته القاهرة من غرس نتاج تدابيرها الفاشلة ضد السودان".
وأكد الاتحاد "تبرؤه من أي ميثاق شرف مشترك مع مصر؛ قبل أن يستعيد الإعلام المصري رُشد التعامل مع الصحفيين السودانيين الذين لا يرضون الضيم"، مطالبا الحكومة السودانية بـ"إعمال مبدأ المعاملة بالمثل، وطرد الإعلاميين والصحفيين المصريين من السودان، ومنع دخول المطبوعات المصرية، أو تعامل وسائل الإعلام السودانية مع أي محتوى مصري".
كما طالب اتحاد الصحفيين جميع أعضائه بـ"التوقف عن السفر إلى مصر"، مبديا استعداده لـ"توفير وجهات أخرى بديلة تحترم الصحفيين، ولا تحبسهم وتطردهم".
أزمات متلاحقة
وتلاحقت الأزمات بين مصر والسودان خلال الشهور الأخيرة بسبب عدد من الملفات، على رأسها مثلث حلايب وشلاتين الحدودي المتنازع عليه.
وأعلن السودان الشهر الجاري فرض تأشيرة دخول على المصريين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و50 عاما، تطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل، كما اتهم الرئيس السوداني عمر البشير، في حديث تلفزيوني، أجهزة المخابرات المصرية بدعم معارضين سودانيين يقاتلون حكومته.
اقرأ أيضا: التأشيرة المسبقة تشعل التوتر مجددا بين مصر والسودان
وفي المقابل؛ تتهم وسائل إعلام مصرية مقربة من النظام، الخرطوم بإيواء قيادات الإخوان المسلمين التي يصنفها النظام الإنقلابي في مصر "جماعة إرهابية"، مهاجمة موقف الخرطوم الداعم لسد النهضة الإثيوبي.
"السودان يستقوي على مصر"
وتعليقا على هذه الأزمة؛ قال الباحث في الشؤون الأفريقية، حامد عبدالرحمن، إن "السودان استقوى على مصر في الفترة الأخيرة بسبب علاقاته القوية مع دول الخليج، وخاصة السعودية والإمارات، واستفادته الكبيرة من مشاركته في حرب اليمن، حيث انهالت عليه الاستثمارات السعودية كمكافأة لما حققه الجيش السوداني في تلك الحرب".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "السودان لم يعد يتعامل مع مصر كأخ أكبر، ولم يعد يعطي مصر المكانة الأفريقية التي كان يعطيها لها في العقود الماضية"، مشيرا إلى أنه "كثيرا ما تحدث مشكلات دبلوماسية بين مصر والسودان؛ بسبب معلومات مغلوطة، أو تسخين إعلامي من الجانبين".
ورأى عبدالرحمن أنه "ليس من مصلحة مصر تدهور علاقتها مع السودان؛ لأن الأخير شريك قوي في منطقة حوض النيل، ومصر تحتاج دائما لدعمه، وخاصة في أزمة سد النهضة مع أثيوبيا"، مشيرا إلى أن "الخرطوم أصبحت الآن أقرب لأديس أبابا من القاهرة، للأسف الشديد".
عجرفة سودانية
من جانبه؛ قال أستاذ العلوم السياسية، عبدالسلام نوير، إن "العلاقة بين مصر والسودان أبدية وقوية، حيث كان السودان جزءا من مصر لآلاف السنين"، مؤكدا أن "الخلافات الحالية بين البلدين مؤقتة، ولن تستمر طويلا".
وتوقع في تصريحات لـ"
عربي21" أن "تعود العلاقة بين مصر والسودان لطبيعتها، كما حدث بين مصر والسعودية، حيث انتهت الأزمات بين الدولتين مع زيارة عبد الفتاح السيسي للرياض منذ يومين"، مشيرا إلى أن "الدبلوماسية المصرية قادرة على مد جسور التواصل مع السودان، وحل الخلافات بينهما".
ولفت نوير إلى أن "الدور الإقليمي للسودان تغير بعد مشاركته في حرب اليمن، حيث شعر النظام السوداني بأنه مؤثر في المنطقة"، مستدركا: "لكن هذا لا يعطيه الحق في التعامل مع مصر بعجرفة كما يفعل الآن، وأعتقد أن هذه التصريحات صادرة من أفراد وجهات في السودان لا تمثل توجه الدولة ككل".
السيسي أفسد علاقات مصر بدول كثيرة
المحلل السياسي عمر هاشم قال إن النظام الحالي ساهم في في السنوات الأخيرة في زيادة توتر العلاقة مع السودان ومع غيره من الدول العربية والإسلامية التي كانت تربطها بمصر علاقات قوية وتاريخية.
وحول العلاقات مع السودان أوضح هاشم، في تصريحات لـ "
عربي21"، أن الأزمة تطورت بشكل كبير منذ تفريط السيسي في جزيرتي تيران وصنافير، حيث دفع ذلك السودان للتفكير جديا في المطالبة باستعادة حلايب وشلاتين، مضيفا أن خلافات السيسي مع السعودية دفعت أيضا الرياض إلى تعزيز نفوذها في السودان، في حين أن النظام المصري لم يحاول مد يد العون للسودان من خلال مشروعات استثمارية هناك كما فعلت السعودية.
وشدد على أنه في كل خلاف مع الجانب السوداني كانت الخارجية المصرية تتعامل بتعال وبدون لياقة دبلوماسية، وهذا جزء من أسباب الأزمة لأنه جعل الجانب السوداني يتشدد في معارضته لمصر كرد فعل على فعل على عجرفة النظام المصري ودبلوماسييه.